ينضم طفل لم يتجاوز عمره 7 سنوات، وهو من بلدة قراوة بني حسان في محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية، عُثر على جثمانه وعليه آثار طعنات يوم الخميس الماضي، إلى 54 فلسطينياً كانوا ضحية 48 جريمة قتل في الضفة الغربية. وبدا لافتاً تصاعد نسبة الجرائم هذا العام مقارنة بالعام الماضي.
فتحت النيابة العامة الفلسطينية تحقيقاً في الجريمة، وباشرت الشرطة إجراءات البحث والتحري حول الجريمة. وكشفت شرطة محافظة سلفيت بعد ساعات ملابسات جريمة مقتل الطفل الذي عثر على جثمانه وعلى جسده آثار طعنات، كما يؤكد المتحدث باسم الشرطة العقيد لؤي أرزيقات في تصريحات صحافية. ويقول إن إدارة المباحث العامة لدى شرطة سلفيت وطاقم الأدلة الجنائية، وبناء على عمليات البحث والتحري التي أجريت بالتنسيق مع النيابة العامة، اعتقلت المشتبه به وضبطت الأداة المشتبه باستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتم التحفظ على المشتبه به إلى حين إحالته إلى النيابة العامة لاستكمال الإجراءات القانونية اللازمة أصولاً.
يشير أرزيقات خلال حديثه لـ "العربي الجديد" إلى ارتفاع نسبة الجريمة بالمقارنة مع العام الماضي، إذ قتل 54 فلسطينياً خلال 48 جريمة في الضفة الغربية بما فيها القدس منذ مطلع العام الجاري وحتى اليوم، في مقابل 34 جريمة أدت إلى مقتل 38 فلسطينياً العام الماضي.
ويؤكد مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديموقراطية "شمس" عمر رحال في حديثه لـ"العربي الجديد"، تصاعد وتيرة الجرائم المرتبكة في الأراضي الفلسطينية هذا العام بالمقارنة مع العام الماضي. وكان المستهدف في هذه الجرائم فئة الشباب ما بين 20 و40 عاماً. وسجل المركز في الضفة الغربية بما فيها القدس بالإضافة إلى قطاع غزة، 65 جريمة منذ مطلع العام الجاري وحتى اليوم، في وقت سجلت سجلت 66 جريمة قتل العام الماضي.
وبحسب أرزيقات، فإن دوافع القتل تختلف من جريمة إلى أخرى، وكانت أسبابها "بسيطة" هذا العام، وتأتي غالباً في السياق الاجتماعي، منها خلافات المالية، والتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي يغذي الكراهية.
ويؤكد رحال ما ذهب إليه أرزيقات، موضحاً أن غالبية جرائم القتل في فلسطين ذات طابع اجتماعي. ويعد خطاب الكراهية أحد الأسباب، بالإضافة إلى قلة أعداد عناصر الشرطة وقد بلغ عددهم 8500 في الضفة الغربية، ويحمل غالبيتهم رتبة ضابط. وبحسب المعايير الدولية، فإنّ عدد عناصر الشرطة الفلسطينية غير متكافئ مع عدد السكان، ولا توجد لدى الشرطة معدات لوجستية كافية، كما تحصل على النسبة الأقل من موازنة الأمن وهي 23 في المائة.
كما يتطرق رحال إلى عدم تأهيل مراكز الإصلاح، لافتاً إلى أن عدداً منها غير صالح للاستخدام الآدمي وبعضها آيل للسقوط. ويقول إن القضاء لا يقوم بدوره كما يجب، ومنظومة القوانين قديمة وتحتاج إلى تطوير وإعداد قانون عقوبات فلسطيني المنشأ بدلاً من القانون الأردني المعمول به. وفي سرده للأسباب، يتحدث عن انتشار الفقر، والبطالة، وإجراءات الاحتلال وتقسيم المناطق بحسب اتفاقية أوسلو، ودور العشائر في تخزين السلاح، بالإضافة إلى غياب إجراءات حكومية جدية لمواجهة الجريمة وانتشار ظاهرة السلاح في الأراضي الفلسطينية.
واستُخدم السلاح الناري في غالبية الجرائم بحسب رحال، لافتاً إلى أن ذلك مرتبط بالفوضى وكثرة انتشاره ومصدره "العالم السفلي" أو الاحتلال الإسرائيلي. ويؤكد أن فوضى السلاح وعدم قيام الجهات المختصة بالإجراءات التي من شأنها منع الفوضى هي من الأسباب التي تؤدي إلى استخدام السلاح الناري بغير مكانه. في هذا الإطار، تضاف الفوضى الأمنية إلى أسباب الجرائم التي هي ذات طابع اجتماعي.
ويؤكد أرزيقات أن انتشار السلاح في الضفة الغربية يحصل بتسهيل من الاحتلال الإسرائيلي، ويأتي من الداخل الفلسطيني، ويصل إلى المناطق المصنفة "ج" وفق اتفاقية أوسلو والتي لا تندرج تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. وقد ارتكب بعض الأشخاص جرائم وهربوا إلى تلك المناطق أو إلى الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، علماً أنهم معروفون من قبل الشرطة التي لا تستطيع الوصول إليهم.
ويرى أن الحد من هذه الظاهرة يتطلب التوعية منذ الطفولة، وغرس ثقافة حب الآخر، والابتعاد عن ثقافة العنف وحل المشاكل وفق القانون، وتطوير التشريعات السارية. ويؤكد رحال على ضرورة اعتماد إجراءات حكومية جدية لمواجهة ما يجري على الأرض من جرائم قتل، كخطوة إستراتيجية لتعزيز السلم الأهلي في فلسطين، وضرورة أن يكون القضاء مستجيباً وفعالاً، وأن تكون التشريعات متطورة، مع العمل على مناهضة خطاب العنف والكراهية وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبحسب رحال، فإن من بين أسباب الحد من جريمة القتل التوعية عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية على اختلافها، والتوعية من قبل وسائل الإعلام والأحزاب السياسية، والمؤسسة الدينية، والجامعات، ومؤسسات المجتمع المدني. مع ذلك، فإن مسؤولية ضبط الأمن وحماية الأملاك تقع على عاتق الحكومة والمؤسسة الأمنية.
ويدعو رحال إلى ضرورة أن تركز كليات الحقوق والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والإعلام على الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الجريمة، وإيجاد حلول. كما يشدد على أن يكون هناك تنسيق أكبر بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص وكل أصحاب العلاقة لمواجهة ارتفاع نسبة الجريمة، والعمل على إنهاء الحلول العشائرية المتهاونة مع الجريمة.