على مساحة كانت جرداء حتى ما قبل عامين، بنى فلسطينيون لاجئون في سورية قرية صغيرة، تعد إقامتهم فيها فصلا في رحلة لجوء عمرها 75 عاماً منذ النكبة الفلسطينية، ورحلة أخرى نزحوا خلالها من أماكن لجوئهم الأصلية لا سيما في محيط العاصمة السورية دمشق إلى الشمال السوري بعد اندلاع الحرب السورية على خلفية الانتفاضة ضد النظام السوري عام 2011.
وتعيش عشرات العائلات الفلسطينية في منازل بنيت كبديل عن الخيام، في قرية أطلقوا عليها "حيفا الكرمل" تيمنا بمدينة حيفا في فلسطين، حيث بنيت القرية بتبرعات قرب بلدة كللي شمالي محافظة إدلب (شمال غربي سورية) من أهالي الداخل الفلسطيني لمساعدة فلسطينيي سورية الذين يعيشون مرارة النزوح بعد تهجيرهم من مواطن لجوئهم في سورية على يد قوات النظام السوري، لاسيما مخيم اليرموك، شأنهم بذلك شأن ملايين السوريين، حاملين همومهم ومعاناتهم المتجددة أينما ارتحلوا.
يتابع هؤلاء الفلسطينيون اليوم من أماكن نزوحهم التطورات في غزة، والمجزرة اليومية التي ترتكب بحق أبناء شعبهم على مرأى ومسمع من العالم، دون أن يكون بوسعهم إلا تقاسم الهموم والتعاطف والأمل بانتهاء هذه المأساة.
شادي خطاب، فلسطيني سوري، من سكان "حيفا الكرمل" يشير إلى أنه كان يؤدي الخدمة في "جيش التحرير الفلسطيني"، الذي يتخذ من سورية مقرا له، مضيفا لـ"العربي الجديد" أنه بعد اندلاع الثورة السورية اتضح له أنه يخدم "الصهاينة ونظام بشار الأسد وليس مشروع تحرير فلسطين" ما دعاه للانشقاق عن الجيش.
يقول خطاب: "هجرنا جيش النظام من مخيم اليرموك (جنوب دمشق) بعد حصار وقصف، وقبل تهجيرنا كان جيش الاحتلال الإسرائيلي هجر أهلنا من فلسطين بين عامي 1948 و1967". ويرى خطاب أن الجيشين "وجهان لعملة واحدة"، بحسبه.
وحول ما يحدث من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة يتابع خطاب: "تحزنني أخبار المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق أهلنا المدنيين في غزة، ولكن ما يعزينا ويشفي صدورنا هو أخبار تقدم المقاومة بكل فصائلها، وصمود أهلنا المدنيين في وجه آلة القتل".
لا يختلف الحال بالنسبة لموسى أمين، وهو أيضا فلسطيني سوري يقيم في القرية ذاتها، وتعود جذوره إلى مدينة صفد في فلسطين المحتلة، يقول لـ"العربي الجديد": "نحن هنا مئات العائلات الفلسطينية الأصل، نراقب بحسرة وألم شديد في القلب ما يحصل ويحدث لأهلنا في غزة من حصار وتهجير وقتل للنساء والأطفال والشيوخ، لكن ما يعزينا هو تقدم إخوتنا المقاومين على قوات الاحتلال، ونقول للعالم أجمع إننا عائدون مهما طال الزمن".
أما سامر أبو سلامة، المنحدر من مدينة جنين شمال الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، فلم يخرج من فلسطين إلا بعد الانتفاضة الثانية عام 2000، يقول: "شهدت الانتفاضة الأولى عام 1987، والانتفاضة الثانية عام 2000، وأعرف جيدا مدى إجرام جيش الاحتلال الإسرائيلي وتضييقه على الشعب الفلسطيني، وأعلم جيدا المعاناة التي يعيشها شعبنا في فلسطين كل يوم وكل ساعة".
ويضيف لـ"العربي الجديد": "بعد الانتفاضة الثانية خرجت للأردن، وبقيت فيه حتى عام 2012، ومع بداية الثورة السورية اتيت إلى سورية لمشاركة إخوتي السوريين في ثورتهم المباركة، ومع أحداث غزة الآن نقول إنه من العار أن نقول إننا نتضامن مع غزة، لأن القضية الفلسطينية هي قضيتنا".
وتعرض اللاجئون الفلسطينيون في سورية للاضطهاد والتهجير شأنهم شأن الكثير من السوريين الذين تم تهجيرهم من قبل النظام السوري، وتقول الإحصاءات الرسمية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للأمم المتحدة، إن عدد الفلسطينيين المسجلين لديها رسميا في سورية يصل إلى 552,000 لاجئ، وصلوا إلى سورية منذ عام 1948 وفي فترات لاحقة.
وتشير إحصاءات "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في سورية قبل عام 2011 أكبر من الرقم الرسمي لدى (أونروا)، إذ تشير إحصاءات المنظمة إلى وجود حوالي 666,390 لاجئا، وأن الفارق في العدد بين إحصاءات المجموعة والوكالة يعود إلى حوالي 100 ألف من اللاجئين الفلسطينيين الذين خرجوا من فلسطين فاقدين للأوراق الثبوتية، في ما بعد جزء كبير منهم من الذين قدموا من الأردن إبان أحداث "أيلول الأسود" 1970، ومنهم نسبة جيدة من الذين خرجوا في الفترة ما بين 1956و1959.
وتبين إحصائيات مجموعة العمل كذلك، أن عدد الضحايا (القتلى) من الفلسطينيين السوريين منذ عام 2011، بلغ 4214 قتيلاً سواء على يد قوات النظام السوري من خلال القصف أو الاستهداف أو داخل المعتقلات، ومن ضمنهم كذلك القتلى الذين سقطوا إلى جانب قوات النظام من المليشيات الفلسطينية المتحالفة معه، وهؤلاء فقط من الموثقين لدى المجموعة، التي تشير إلى أن 280 ألف فلسطيني سوري نزحوا من مكان سكنهم بسبب الهجمات أو الاستهداف.
ويعيش المهجرون الفلسطينيون في الشمال السوري الذين أجبروا على مغادرة منازلهم وممتلكاتهم، أوضاعا معيشية قاسية في مخيمات مكتظة تعاني عجزاً كبيراً في توفر أدنى مقومات الحياة.
كما اضطر الكثير من فلسطينيي سورية إلى اللجوء مجددا، لا سيما إلى أوروبا، وتركيا، ومصر، والسودان، فيما اضطر المئات منهم إلى العودة إلى قطاع غزة الذي لا يزال يرزح تحت العدوان الإسرائيلي منذ أكثر من شهر دون توقف.