عندما قرّر كثيرون من اللاجئين الفلسطينيين في سورية اللجوء إلى لبنان، لم تكن الأوضاع بهذا السوء في البلد الذي يُصنَّف مأزوماً اليوم. هم رأوا في ذلك هروباً من جحيم الحرب السورية.
تشهد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان موجات لجوء متكررة لفلسطينيين من سورية راحوا يعبرون الحدود بطريقة غير نظامية بعد تفاقم الأوضاع الاقتصادية في سورية. ويُسجَّل ذلك خصوصاً في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا جنوبي البلاد. ويشرح مسؤول لجنة الفلسطينيين السوريين في مخيم عين الحلوة، أبو محمود قدّورة، أنّه "بعد تأزّم الوضع الاقتصادي في سورية، وفقدان مقوّمات الحياة والعمل، ومع بدء تفشي فيروس كورونا الجديد، لم يكن لدى الفلسطينيين المقيمين في مخيمات سورية غير اللجوء إلى لبنان بطرق غير نظامية. وقد بلغت نسبة اللاجئين بطرق غير نظامية نحو 90 في المائة".
يضيف قدّورة، الذي تعود أصوله إلى مدينة صفد في الجليل وهو من لاجئي مخيم اليرموك، أنّ "100 عائلة لاجئة وصلت بطرق غير نظامية إلى مخيم عين الحلوة، وهي من مخيمات اليرموك والحسينية وخان الشيح وسبينة وحندرات"، مشيراً إلى أنّ "الناس كانوا يتوقّعون أن تكون الحياة في لبنان أفضل منها في سورية حيث لا كهرباء ولا مياه ولا غاز. فكلّ هذه الأمور غير متوفرة هناك، يُضاف إلى ذلك خوف الناس من الاعتقالات عند الحواجز وكذلك من الخدمة العسكرية في الجيش السوري. كلّ ذلك دفعهم إلى لبنان". ويكمل أنّ "اللاجئين يعيشون أوضاعاً صعبة هنا. ثمّة من تمكّن من استئجار منزل بعد أن استقبلته عائلة مقرّبة، غير أنّ المنازل التي استؤجرت فارغة، نظراً إلى عدم قدرة هؤلاء الفلسطينيين على شراء أثاث لها بعدما دفعوا كلّ ما يملكونه من مال للمهرّبين"، لافتاً إلى أنّ "الذين يلجأون إلى لبنان إمّا باعوا أثاث منازلهم في سورية وإمّا باعوا منازلهم حتى يتمكّنوا من تأمين تكاليف الرحلة".
ويشكو قدّورة من أنّ "أونروا" (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) لا تقوم بواجباتها تجاه اللاجئين الوافدين من سورية. وهم عندما يتقدّمون بطلب مساعدة منها أسوة باللاجئين الآخرين، فإنّها تطلب منهم مستندات لا يستطيعون تأمينها، فيكون ذلك أمراً تعجيزياً، مع العلم أنّ مكتب الوكالة في لبنان يستطيع التواصل مع مكتبها في سورية للحصول على المعلومات والمستندات المطلوبة. كذلك، فإنّ "أونروا" لا تقدّم لهم الحماية القانونية، وبعد معاناة استمرّت نحو سبعة أشهر، استطاع نحو 40 في المائة من اللاجئين الحصول على مبلغ 100 دولار أميركي بدل إيواء، بالإضافة إلى 7.5 دولارات لكلّ فرد شهرياً. ونحن في اللجنة نحاول قدر المستطاع مساعدة الأشخاص الذين لم تخصص الوكالة لهم تمويلاً شخصياً، ونطالبها كما نطالب الفصائل الفلسطينية بتقديم المساعدة لهم".
من جهتها، تسكن أمينة (اسم مستعار) منذ تسعة أشهر في مخيم عين الحلوة، وهي لاجئة من فلسطينيي مخيم الحسينية في سورية تعود أصولها إلى صفد. تخبر: "جئت إلى لبنان بعدما تأزّمت الأوضاع الاقتصادية في سورية وانتشرت البطالة. وقد اخترنا لبنان لأنّ العيش فيه أفضل، فقبل تأزّم الوضع كان كلّ شيء متوفراً". تضيف: "أنا أرملة وأمّ لأربعة أولاد، ولا يوجد أحد لمساعدتي في إعالة عائلتي سوى ابني البالغ من العمر 20 عاماً. لكنّه فقد العمل في سورية. أمّا هنا في لبنان، فلا يستطيع العمل، إذ لا تتوفّر فرص في المخيم. من جهة أخرى، هو لا يستطيع الخروج من المخيم ليعمل، لأنّنا دخلنا إلى لبنان بطريقة غير نظامية".
وتتابع أمينة: "دخلنا إلى لبنان بطريقة غير شرعية، وقصدنا مخيم عين الحلوة، إذ ثمّة أناس نعرفهم هنا، لكنّنا لم نعد نستطيع الخروج منه. وقد قدّمت أوراقي لوكالة أونروا لتساعدنا، فبُتّ الأمر بعد خمسة أشهر، وحصلنا على مساعدة بقيمة 100 دولار بدل إيواء و15 دولاراً للفرد يحصل عليها مرّة كلّ شهرين. لكنّ الأمور اليوم صارت أكثر صعوبة بسبب الأزمة هنا، وبالتالي ارتفاع الأسعار. فأنا أسدّد 400 ألف ليرة لبنانية شهرياً بدل إيجار للمنزل الذي أسكنه، إلى جانب تكاليف الاشتراك بالمولد الكهربائي (نظراً إلى انقطاع التيار الكهربائي الرسمي) والإنترنت وغيرهما، وتوفير الطعام. لذا فإنّ المبلغ الذي نحصل عليه لا يكفينا وسط الظروف الاقتصادية الصعبة، في حين أنّني لا أستطيع العمل بسبب إصابة بقدمي من جرّاء قذيفة سقطت بالقرب مني في سورية". وتلفت أمينة إلى أنّها أحضرت كذلك من سورية "بنات أخي بعد وفاة والدتهم أخيراً، فهنّ سبق أن خسرنَ والدهنّ في أثناء معارك سورية. وقصدت لذلك جمعيات عاملة في المخيم، لكنّ أياً منها لم تقدّم لنا مساعدة".
نسيب (اسم مستعار) لاجئ فلسطيني آخر من مخيم سبينة في سورية، يسكن اليوم في مخيم عين الحلوة. هو من قرية الملاحة في قضاء صفد، ويقول: "لقد بدأ الناس يقصدون لبنان بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي في سورية، حيث نفتقر إلى مقومات الحياة. كنّا نضطر إلى المبيت أمام الأفران لنتمكّن من الحصول على الخبز، ولا يحقّ للعائلة الواحدة أن تحصل عليه إلا مرّة كلّ يومين، أمّا عدد الأرغفة فسبعة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الغاز، فالناس ينتظرون أمام مراكزه ابتداءً من منتصف الليل حتى الساعة الثامنة صباحاً حتى يتمكّنوا من الحصول عليه".
يضيف نسيب أنّ "الذين لجأوا إلى لبنان بمعظمهم باعوا بيوتهم، فيما ثمّة من تعرّض إلى الخطف في أثناء تهريبه من سورية بسبب خلافات بين أصحاب الفانات (حافلات صغيرة). هؤلاء خُطفوا في منطقة البقاع (شرقي لبنان) وحُجزت بطاقات هوياتهم مقابل فدية. كذلك سرق الخاطفون من بعض هؤلاء هواتفهم ومقتنيات شخصية كانوا يحملونها. وثمّة من تعرّض للابتزاز، فبعدما كانوا قد اتّفقوا مع المهرّبين على سعر معيّن، رفع الأخيرون السعر عند وصولهم إلى الحدود وهدّدوا اللاجئين بتركهم هناك إذا لم يدفعوا لهم ما يطلبونه".
بحسب تقديرات نسيب، فإنّ "أعداد اللاجئين تزداد يوماً بعد يوم وبشكل كبير. وقد وصلت إلى لبنان حتى الآن نحو 700 عائلة موزّعة في مختلف المناطق، لكنّ العدد الأكبر موجود في منطقة البقاع نظراً إلى قربه من سورية". ويلفت إلى أنّها "كثيرة هي العائلات التي لا تصل إليها خدمات أونروا وتعيش في ظروف اقتصادية صعبة. ونحن نعمل على تأمين ما تحتاجه بقدر إمكانياتنا. وأنا حالياً، على سبيل المثال، أستضيف عائلة في منزلي".