فتيات أفغانستان في ظلّ حكم طالبان.. من تلميذات إلى ربات منازل

23 نوفمبر 2022
مريم: لم أتخيّل قطّ أن أتوقّف عن الدراسة لأصبح أمّاً وربّة منزل (وكيل كوهسار/ فرانس برس)
+ الخط -

 

كان من المفترض أن تشتري زينب ابنة الثلاثة عشر ربيعاً زياً مدرسياً جديداً مع بدء العام الدراسي (2022 - 2023) هذا الخريف. لكنّها أُجبرت على اختيار فستان زفاف بدلاً من ذلك، إذ إنّ حركة طالبان أبقت مدارس البنات مغلقة.

ومنذ أن أعادت حركة طالبان سيطرتها على السلطة في أفغانستان في أغسطس/ آب من عام 2021 وحظرت المدارس الثانوية (المعاهد والثانويات) على الفتيات، أُجبرت كثيرات منهنّ على الزواج، وفي الغالب من رجال أكبر سناً يختارهم آباؤهنّ.

تقول زينب من مدينة قندهار في جنوب أفغانستان: "بكيت كثيراً وبقيت أقول لوالدي إنّ طالبان سوف تعيد فتح مدارس البنات. لكنّه كان يردّ بأنّ ذلك لن يحدث وأنّه من الأفضل أن أتزوّج بدلاً من أن ألازم المنزل من دون القيام بأيّ شيء". وحدِّد موعد زفافها بعد ساعات من وصول العريس مع مهر تمثّل ببضعة رؤوس أغنام وماعز وأربعة أكياس من الأرزّ. وتماشياً مع التقاليد، انتقلت زينب إلى العيش مع أهل زوجها الذي يكبرها بسبعة عشر عاماً. وتؤكد: "لم يسألني أحد عن رأيي".

مع عودة حركة طالبان إلى السلطة وتفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية، صارت أفغانستان الدولة الوحيدة التي يُحظر فيها التعليم الثانوي على الفتيات. وفي مجتمع ذكوري يعاني من أزمة اقتصادية، سارع آباء كثيرون إلى تزويج بناتهم المراهقات اللواتي يلازمنَ المنزل في معظم الأحيان، بسبب الحظر الذي تفرضه الحركة عليهنّ.

وتخبر زينب وكالة فرانس برس: "في منزل والدَيّ، كنت أستيقظ في وقت متأخّر... هنا يوبّخني الجميع. يقولون لي: لقد أنفقنا الكثير عليك وأنت لا تحسنين فعل أيّ شيء".

في السياق، يقول رئيس جمعية المدرّسين في هرات (غرب) محمد مشعل إنّ الآباء يشعرون بشكل متزايد بأنّ لا مستقبل للفتيات في أفغانستان، مضيفاً أنهم "يعتقدون أنّ من الأفضل أن تتزوّج بناتهم ويبدأنَ حياة جديدة".

وفي مارس/ آذار الماضي، ألغت السلطات إعادة فتح مدارس البنات، مدّعية أنّ الحظر مؤقّت. لكنّ مجموعة من الأعذار قُدّمت لتبرير إغلاق المؤسسات التعليمية. وبالنسبة إلى مراهقات كثيرات، فإنّ الأوان قد فات.

"أغسل الصحون"

من جهتها، تقول مريم: "لم أتخيّل قطّ أن أتوقّف عن الدراسة لأصبح أمّاً وربّة منزل". تضيف الفتاة التي لم يُكشف اسمها الحقيقي كما هي حال بقيّة الفتيات اللواتي قابلتهنّ وكالة فرانس برس حفاظاً على سلامتهنّ أنّ "والدَيّ كانا يشجّعانني دائماً (على الدراسة). لكن في مواجهة هذا الوضع، لم تستطع حتى والدتي معارضة زواجي". وكانت هذه الفتاة التي تركت المدرسة لتوّها في سنّ السادسة عشرة، ترتاد مدرسة في إحدى القرى إلى أن قرّر والداها الانتقال قبل سنوات إلى شاريكار، عاصمة مقاطعة بارفان (شمال)، حتى يتمكّن أولادهما من متابعة دراستهم الجامعية.

وتروي مريم فيما تقدّم الفطور لوالدها عبد القادر (45 عاماً): "بدلاً من الدراسة، أقوم الآن بغسل الصحون ومسح الأرض. الأمر صعب جداً". أمّا والدها فيقول: "أردت أن تنهي مريم وشقيقاتها التحصيل الجامعي لأنّني عملت بجدّ من أجل ذلك وأنفقت كثيراً من المال عليهنّ. لكنّ تجربتي السابقة مع طالبان تبيّن لي أنّها لن تعود عن قرارها". ويشرح الوالد أنّ "في أفغانستان، لا تُتاح فرص كثيرة للفتيات، وتتوقّف عروض الزواج في سنّ معينة".

يُذكر أنّ الزواج المبكر شائع خصوصاً في المناطق الريفية بأفغانستان، إذ إنّ المهر الذي يُمنَح لعائلات العرائس يُعَدّ مصدراً حيوياً للمدخول. لكنّ هذا النوع من الزيجات لا يخلو من العواقب، إذ يزيد من معدّلات وفيات الرضّع والأمهات.

الفتاة "عبء"

منذ خروج القوات الأجنبية من أفغانستان، قُطعت المساعدات الدولية التي يعتمد عليها الاقتصاد الأفغاني بشكل كبير، الأمر الذي تسبّب في بطالة جماعية وترك نصف السكان البالغ عددهم 38 مليوناً يواجهون المجاعة، وفقاً للمنظمات الإنسانية. وكتضحية، تقدّم فتيات أفغانيات أنفسهنّ للزواج من أجل توفير مصدر دخل لعائلاتهنّ.

وتقول سمية البالغة من العمر 15 عاماً، من العاصمة كابول: "لم يجبرني والدي على الزواج، لكنّ الوضع كان صعباً لدرجة أنّني قبلت عرضاً وخُطبت". من جهتهما، كانت الشقيقتان سارة وفاطمة، البالغتان من العمر 20 و19 عاماً على التوالي، على بعد أشهر من امتحانات القبول في الجامعة عندما أغلقت مدرستهما أبوابها. وهو الأمر الذي منعهما من التخرّج من المدرسة الثانوية. وتقول الشابتان إنّه مع وفاة والدهما من جرّاء إصابته بكوفيد-19، ليس لديهما أيّ خيار سوى البدء في البحث عن زوجَين.

وتوضح فاطمة: "يقول لي ضميري إنّ الزواج أفضل من أن أكون عبئاً على عائلتي".

(فرانس برس)

المساهمون