غزة: إسرائيل تستمر في ضرب الخدمات الطبية

08 فبراير 2024
دمار في مجمع ناصر الطبي (بلال خالد/الأناضول)
+ الخط -

تتعدد الأزمات التي يُعاني منها الفلسطيني محمد فرينة، وبدأت بنزوحه قسراً من مدينة غزة نحو مدينة رفح جنوبي القطاع، وانتهت بإصابته إصابة بالغة في قدمه، ما استدعى تركيب سيخ بلاتين بات يُرافقه خلال حركته التي بدت ثقيلة ومُرهِقة، خصوصاً مع اشتداد موجات البرد.
وإلى جانب تلك الأزمات الكبيرة، يواجه فرينة ومعه عشرات آلاف الجرحى أزمة تُكمل قتامة فصول المشهد المأساوي الذي تسبب فيه العدوان الإسرائيلي المتواصل للشهر الخامس على التوالي، تتمثل في نفاد العديد من أصناف الدواء والمُسكنات جراء الأحداث الدائرة، والتي بدأت بإغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر ومنع دخول الأدوية والمعدات والمُستهلكات الطبية.
ولم يكُن العدوان الإسرائيلي الخطوة الأولى في طريق التضييق على الواقع الصحي، وتعريض حياة أصحاب الأمراض المُزمنة للخطر، وفي مقدمتهم مرضى السرطان والكِلى والسكري والكبد الوبائي والقلب وغيرهم، وسبقه حصار مُشدد مُنذ سبعة عشر عاماً أدى إلى إنهاك الواقع الصحي الذي بات يفتقد للأدوية والمستهلكات الطبية وسيارات الإسعاف وغيرها.
ويقول فرينة إنه اضطر للنزوح من مدينة غزة برفقة أسرته في اليوم العاشر للحرب، بسبب التهديدات الإسرائيلية بضرورة التوجه نحو المناطق التي يدّعي الاحتلال بأنها آمنة، خصوصاً بعد ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي عشرات المجازر بهدف إرهاب المواطنين ودفعهم إلى النزوح قسراً تحت أزيز الرصاص، وأصوات الانفجارات، ورائحة البارود.
وعن ظروف إصابته، يوضح لـ "العربي الجديد" أنه انتقل في رحلة نزوحه الأولى إلى مخيم النصيرات داخل شقه سكنية طابق أرضي لأحد أصدقائه، وقد تعرضت سيارة للقصف ما تسبب بتطاير الشظايا باتجاه الشقة وإصابته بجروح بالِغة كانت يُمكن أن تودي بحياته أو تُفقِده قدمه. ويقول: "تلقيت العلاج اللازم بصعوبة بالغة بسبب نفاذ الأدوية، والأعداد الهائلة في الجرحى، وانتقلت بعدها للنزوح نحو المناطق الجنوبية للبقاء برفقة باقي أفراد عائلتي، حتى يتمكنوا من العناية بي".
ويُشير فرينة إلى الصعوبة البالغة التي يواجهها بفعل نفاذ الأدوية والمُسكنات المطلوبة، والتي تُضاعِف من آلامه، المُترافقة مع آلام النزوح، والتهجير القسري، ويُضيف "من المُرهِق أن تُحيط بنا الأزمات من كل النواحي، فأزمة وآلام الإصابة لوحدها تكفي لتنغيص الحياة، إلا أن باقي تفاصيل صورة الواقع الصحي تُكمل قساوة وصعوبة المشهد".

المستشفى الإندونيسي في غزة (محمد أحمد/ فرانس برس)
المستشفى الإندونيسي لم يسلم من القصف (محمد أحمد/فرانس برس)

أما الجريح الفلسطيني وليد عبد الجواد، والذي أُصيب بعدة شظايا في أنحاء متفرقة من جسده جراء استهداف قريب من حاصل نزح إليه برفقة عائلته، فيقول إنه لا ينام الليل من الآلام التي يشعر بها نتيجة عدم اجراء عملية اخراج الشظايا، بسبب حالة الاكتظاظ الشديدة في المستشفيات، وحالة الطوارئ المفروضة، والتي يتم خلالها التعامل مع الأولويات.
ويُشير عبد الجواد، الذي أصيب معه ابنه أحمد وابنته ريم إصابات متوسطة، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن اللحظات الأولى لإصابته كانت حرجة وصعبة للغاية، وقد بقي ساعات طويلة في ممر المستشفى ينتظر دوره، فيما لا يزال يشعر بآلام شديدة بعد التدخلات الطبية المتواضعة، بسبب النقص العام في الأدوية، واللوازم الطبية.
ويلفت عبد الجواد كذلك إلى الصعوبة الكبيرة في توفير بعض الأدوية، أو البدائل القريبة منها في حال توفرها، سواء في المستشفيات أو حتى الصيدليات، والتي باتت شبه فارغة من الأدوية بسبب تشديد الحصار الإسرائيلي، بالتزامن مع العدوان الذي لا يزال يستهدف المدنيين بالدرجة الأولى.

توقفت مستشفى الرنتيسي عن العمل (فرانس برس)
توقفت مستشفى الرنتيسي عن العمل (فرانس برس)

ورُغم قساوة الواقع الصحي الذي كان يمُر فيه قطاع غزة، سواء بسبب الحِصار أو الحروب السابقة على القطاع، إلا أن العدوان المُستمر، والذي بدأ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يُعتبر الأشرس على القطاع الصحي، وبدأ بمنع دخول الأدوية والمُتطلبات الصحية كافة، ووصل إلى حد استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات والمجمعات الطبية وسيارات الإسعاف، فيما كان يمنع الطواقم الصحية من الوصول إلى المُصابين سواء بشكل مباشر أو عبر تعطيل عملهم بفعل الرُكام الذي يملأ الطرقات.
في هذه الأثناء، يوضح الناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة أشرف القدرة، أن الانتهاكات الإسرائيلية بحق المنظومة الصحية بكافة مُقدراتها وكوادرها لا تزال متواصلة، ما تسبب بتضرر 150 مؤسسة صحية جزئياً أو كلياً وإخراج 30 مستشفى و53 مركزاً صحياً عن الخدمة، إلى جانب استهداف وتدمير أكثر من 123 سيارة إسعاف خلال فترة العدوان الذي تسبب باستشهاد نحو 27.5 ألف فلسطيني وإصابة قرابة 67 ألف إصابات مُختلفة.

ويلفت القدرة لـ "العربي الجديد" إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية المُتواصلة وغير المتوقفة منذ خمسة أشهر ضد المنظومة الصحية أدت إلى استشهاد نحو 337 من الكوادر الصحية والمتخصصين وإصابة أكثر من 350 واعتقال قرابة المائة.
ويُبين أن المستشفيات فقدت قدراتها العلاجية والاستيعابية، ووصلت نسبة إشغال الأسِرة 344، فيما بلغت نسبة إشغال أسرة العناية المُكثفة 192 في المائة. كما تُعالِج الكوادر الطبية الجرحى بإمكانيات بسيطة للغاية، وقد فقدت منظومة الإسعاف قدرتها على الاستجابة لكافة نداءات الاستغاثة لنقل الجرحى والمُصابين من الميدان للمستشفيات، ونقل عدد كبير من الجرحى عبر سيارات المواطنين.
ويُعاني القطاع الصحي كذلك جراء البطء الشديد في تحويل الجرحى إلى الخارج. ويوضح القدرة أنه تم تحويل قرابة 1243 مواطِن منهم 798 جريح، بينما لا يزال نحو ستة آلاف جريح بحاجة ماسة إلى العِلاج في الخارج، ويواجه قرابة 10 آلاف مريض سرطان خطر الموت جراء تواصل العدوان.

المساهمون