غالبية سكان قطاع غزة يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة

26 مايو 2024
فقد الأقارب يخلف أزمات نفسية عدة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني راجح مروان وآلاف الفلسطينيين في غزة من القلق والاضطراب النفسي بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر والحصار لأكثر من 17 عامًا، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات النفسية والاجتماعية.
- حوالي 70% من سكان غزة يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، مع أعراض تشمل الأرق، الكوابيس، وفقدان الثقة، مما يستدعي أهمية إعادة الإعمار وتحسين الصحة النفسية.
- الوضع الإنساني يتدهور بسبب القصف الإسرائيلي المستمر، مما يدمر مصادر الرزق ويفاقم الأزمة الاقتصادية، ويضطر السكان للعيش في ظروف قاسية مع نقص حاد في الموارد الأساسية.

ينتاب الفلسطيني راجح مروان شعور دائم بعدم الاستقرار والخوف، ما يدفعه إلى تمني الموت، وهو شعور يصنفه عدد من المختصين النفسيين على أنه "اضطراب ما بعد الصدمة" الناتج عن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتأثيراته السلبية.
يتشارك مع مروان آلاف الفلسطينيين من مختلف الفئات العمرية في مشاعر القلق والاضطراب التي يسبّبها العدوان الإسرائيلي، والذي أرخى بظلاله الكارثية على الحياة اليومية لجميع السكان، والذي يتضاعف بسبب تراكمات الحصار المفروض على قطاع غزة منذ سبعة عشر عاماً، إلى جانب التأثيرات المتفاقمة يوماً بعد الآخر للحرب التي شهدت مجازر بشعة راح ضحيتها قرابة 35 ألف فلسطيني، نحو 70 في المائة منهم من الأطفال والنساء والمسنين.
ويبين مروان لـ "العربي الجديد"، أنه تعرض خلال شهور الحرب لتجارب قاسية لم يكن يتخيلها، ويقول: "ذقنا الرعب الحقيقي عند تدمير منطقة الكرامة فوق رؤوس سكانها، ونجونا بأعجوبة، ثم ذقنا أصنافاً أخرى من العذاب خلال حياة النزوح. كلما زادت معاناتنا اعتقدنا أننا وصلنا إلى أعلى مراحل الألم، لكننا نفاجأ بألم أكبر، تارة بفعل النزوح المتواصل، وأخرى بسبب الخوف من قصف الأماكن التي يدعي الاحتلال أنها آمنة. أصوات الطائرات الحربية لا تفارق الأجواء، علاوة على النقص الحاد في كل شيء، والغلاء غير المعقول، والذي يتزامن مع أزمة مالية خانقة".
ويرجع مروان شعور "الاحباط الأكبر" إلى التضارب الشديد في الأنباء الخاصة بوقف إطلاق النار وعودة النازحين إلى مناطق سكنهم، ويوضح: "رغم المرار الذي نعيشه، إلا أننا كنا نأمل في نجاح الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، وعودتنا إلى ديارنا حتى وإن كانت ركاماً، لكن الأمل ظل يتضاءل يوماً بعد الآخر حتى فقدناه بالكامل".

تختلط على سكان غزة مجموعة من المشاعر السلبية التي خلفها العدوان

وتجتمع على الفلسطينيين في غزة مجموعة من المشاعر القاسية التي سبّبتها الحرب، وفي مقدمتها الشعور الدائم بحدوث قصف، أو التعرض للموت خلال النوم، أو فقد أحد أفراد الأسرة، أو فقد الأسرة كلها والبقاء وحيداً بعد نجاته، مع تزايد تداعيات الجوع والعطش، والإصابة بسوء التغذية، وعدم توفر الرعاية الطبية والأدوية، علاجات، أو عدم التمكن من رؤية البيت مجدداً، لكن يظل أقساها هو تكرار النزوح، أو أن الحرب لن تنتهي قريباً.
ويقول أستاذ علم النفس، محمد اصليبي، لـ"العربي الجديد"، إن "تفاقم مشكلات الصحة النفسية في قطاع غزة يرجع إلى تواصل مسبباتها، سواء القصف، أو مخاطر فقدان الحياة، إلى جانب المشاهد الدامية، وعدم وجود أفق لنهاية الحرب. الأساس الأول لبدء تخفيف الصدمات وتحسن الصحة النفسية والعقلية هو عودة الحياة إلى طبيعتها للتمكن من بناء أساسيات الصحة السليمة. انتهاء الحرب يعني عودة الناس إلى بيوتهم، وبدء عملية الإعمار، وعودة الأطفال إلى مدارسهم، والموظفين إلى أعمالهم، وكذلك عودة الكهرباء والماء، وتوفر الدواء، وفتح المعابر لمنحهم حرية التنقل والسفر".

بعض الآثار النفسية لا يمكن أن تزول (بشار طالب/فرانس برس)
بعض الآثار النفسية لا يمكن أن تزول (بشار طالب/فرانس برس)

بدورها، توضح الاختصاصية النفسية، هالة خليل، لـ"العربي الجديد"، أنه يمكن القول إن الصحة النفسية لسكان قطاع غزة مدمرة بفعل الأحداث التي تعرضوا لها، إضافة إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي أثرت عليها ظروف الحرب بشكل مباشر. 
مضيفة: "يصعب تحديد نسب الإصابة بالاضطرابات النفسية في ظل الحرب المستمرة، إلا أن تقديرات خبراء الدعم النفسي تُشير إلى أن ما يقارب 70 في المائة؜ من الفلسطينيين يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة، والأعداد تتزايد مع استمرار الحرب. لا أعتقد أن تلك التأثيرات النفسية ستزول سريعاً بعد انتهاء الحرب، والبعض سيعانونها بقية حياتهم بسبب تعرضهم أو مشاهدتهم لأحداث قاسية. بعض من يعيشون تفاصيل النزوح ونقص مقومات الحياة سيعانون شعوراً دائماً بالعجز".
وتوضح خليل: "الأعراض التي ترافق اضطرابات ما بعد الصدمة تشمل مجموعة من الأعراض الجسدية، في مقدمتها الأرق والكوابيس والفزع، والصداع، والرعشة، ومشكلات الشهية المختلفة، وكذلك آلام في المعدة، كما ترافقها مجموعة من الأعراض السلوكية، والمشكلات المعرفية، من بينها فقدان الثقة بكل شيء، أو تبلد المشاعر، أو تعكر المزاج، وسرعة الغضب، أو الشعور بالذنب تجاه كل ما يجري".

وتلفت إلى تباين الأشخاص في التعاطي مع تلك الاضطرابات، فالبعض قد تستمر معهم لعدة أشهر، ويمكن أن تستمر مع أخرين لسنوات، وفي حال كانت الأعراض قوية فإن ذلك يتطلب التدخل العلاجي، والدعم النفسي، لكن العلاج النفسي يرتبط عادة بانتهاء أسباب المرض، بينما تواصل الحرب يمكن أن يدفع البعض إلى التعايش مع الواقع، والخروج من دوامة القلق عبر التأقلم مع الظروف المتاحة بهدف التخفيف من حدة الآثار النفسية.
ويزيد من قسوة الأيام في غزة استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية للبيوت والمحال التجارية، مدمرة مصادر الرزق والذكريات وكل تفاصيل الحياة، فضلاً عن تهجيرهم قسراً، واضطرارهم إلى العيش في مراكز الإيواء، أو الخيام القماشية والبلاستيكية التي تفتقد إلى أدنى مقومات الحياة، خاصة في ظل انعدام الأمن الغذائي والنقص الحاد في الماء والدواء، والغلاء الفاحش في الأسعار، وإغلاق المعابر، ومنعهم من السفر للعلاج في الخارج، أو حتى النجاة بأرواحهم.

المساهمون