تشهد معدلات العنف في الكويت تصاعداً غير مسبوق، إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون حدوث مشاجرات جماعية في الشوارع وعمليات طعن، أو حالات إطلاق نار تنتهي غالباً بالموت أو بالإصابة بعاهات مستديمة ما دفع ناشطين كثيرين إلى المطالبة بالإسراع في إيجاد حلول جذرية لهذه الظاهرة.
وخلال 48 ساعة في أحد أيام إبريل/ نيسان الماضي حدثت 7 حالات طعن انتهت أحدها بقتل امرأة في القضية المعروفة باسم "جريمة صباح السالم" الذي أرداها، وسط الشارع، شاب كان يلاحقها منذ أكثر من عام. وفتحت القضية الباب واسعاً أمام نقاش مجتمعي كبير حول تزايد العنف ضد المرأة وفي الشوارع عموماً.
4 آلاف قضية
وأحصى الصحافي والخبير الأمني عبد العزيز العنزي أكثر من 4 آلاف قضية عنف واعتداء بالضرب وتبادل للضرب في مخافر الكويت خلال عام 2020 تراوحت شدة نتائجها بين الموت والتسبب بعاهات مستديمة أو إصابات بالغة الخطورة.
وأوضح العنزي لـ"العربي الجديد" أن "الصحافة الأمنية واجهت قضايا خطرة بينها حوادث قتل لأفراد عائلة واحدة بسبب خلافات مالية، وهو أمر لم يكن موجوداً في مجتمعنا سابقاً في ظل الرخاء النسبي الذي يتمتع به البلد مقارنة ببلدان أخرى".
ويؤكد الضابط في الأجهزة الأمنية فهد العدواني كلام العنزي، مشيراً إلى أن الشبان هم الأكثر تورطاً بقضايا العنف، وأن العنف لا يقتصر على القتل فقط، بل إنه بات من الطبيعي أن يشرف هو بنفسه على ثلاث أو أربع قضايا ضرب وطعن في الشوارع بشكل يومي في أحد مخافر البلاد، وهو مخفر واحد من أصل عشرات المخافر التي تنتشر في طول البلاد وعرضها.
يضيف العدواني لـ"العربي الجديد": "في السابق كان العنف في أماكن محددة مثل أماكن تجمعات الشباب في المجمعات التجارية وأدت هذه الحوادث إلى حدوث حالات قتل داخل المجمعات التجارية، حتى كادت الكويت أن تصبح البلد الوحيد في العالم الذي تذهب فيه إلى مجمع تجاري لتشاهد فيه جرائم عنف وضرب. لكن وزارة الداخلية أصدرت أوامر مشددة لأصحاب هذه المجمعات بوضع حراس أمن مدربين وذوي خبرة للتعامل مع العنف بشكل سريع وهو ما أدى إلى تناقصها، لكن العنف انتقل إلى الشوارع حيث يصعب أن تضع شرطياً في كل زاوية". يتابع العدواني: "عموماً لم تتوقف حوادث العنف عند الضرب والطعن أو إطلاق النار، بل امتدت إلى الدهس فور حدوث المشاجرة، ما يعني زيادة نسبة الإصابة بسبب وحشية الفعل".
قصور تشريعي
ويرى خبراء قانونيون أن حوادث العنف لا يمكن أن تُحل في ظل عدم وجود قوانين صارمة تعاقب المعتدين، إذ يُفلت المعتدون غالباً من العقاب بسبب بنود موجودة في قانون الجزاء رقم 16 الصادر سنة 1960. يقول الخبير القانوني والمحامي أحمد المطيري لـ"العربي الجديد": "هناك قصور تشريعي كبير في مواجهة العنف في الكويت بسبب القوانين التي تجعل المعتدين غالباً يدافعون عن أنفسهم أمام المحكمة، بحجة أن القضية مرتبطة بتبادل للضرب، وليست اعتداء بالعنف، فتقضي المحكمة بناء على الأدلة والشواهد بأن كلا الطرفين متورط في الموضوع فينتهي الموضوع غالباً بمصالحة رضائية تلحظ دفع مبلغ مالي كتعويض، أو فرض عقوبة لا تتجاوز العام الواحد وغرامة مالية بسيطة".
ويرى المطيري أنه في حال ثبوت تهمة الاعتداء دون تبادل للضرب فإن "العقوبة لا تزال غير كافية، إذ تنص المادة 162 من قانون الجزاء على أن كل من يضرب شخصاً أو يجرحه أو يُلحق أذى بجسمه أو يُخل بحرمة الجسد على نحو محسوس، فيُعاقب بالسجن مدّة لا تتجاوز سنتين ودفع غرامة لا تتجاوز مائة وخمسين ديناراً، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وهناك آلاف من المواطنين الذين دخلوا إلى السجون بتهم تتعلق بمشاجرات وعنف، وخرجوا دون عقاب رادع ثم عادوا لارتكاب ذات الأعمال غير القانونية".
ويستشهد المحامي أحمد المطيري بقضية "جريمة صباح السالم" بالقول إن "السجل الجنائي للشاب الذي ارتكب جريمة القتل يتضمن 40 قضية تتعلق بالضرب والمشاجرات والعنف والشروع في القتل، لكن قصور القوانين وقلة حيلة أجهزة الأمن في مواجهة هذه القوانين أدت إلى خروجه بلا عقوبات من كل القضايا، قبل أن يقتل امرأة وسط الشارع وفي وضح النهار".
وتنتشر ظاهرة العنف بين الشبان الكويتيين تحديداً، والذين يشكلون نسبة 70 في المائة من عدد السكان، وفق ما يقول في حديثه لـ "العربي الجديد" الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت خليل خالد، والذي يضيف: "بات الشباب يشكلون الهاجس الاجتماعي والأمني الأبرز في البلاد خلال السنوات الأخيرة".
أسباب اجتماعية ونفسية
ويؤكد خالد أن "الحلول الأمنية ليست رادعاً لمواجهة العنف، لأن المشكلة ليست أمنية أساساً، باعتبار أنّ الجرائم المرتكبة ليست ناشئة من الجريمة المنظمة أو الاتجار بالمخدرات أو مرتبطة بوجود أحياء خارج سيطرة الدولة، كما هو الحال في دول ضعيفة أمنياً، بل إلى أسباب اجتماعية ونفسية بالدرجة الأولى. والكويت إحدى أكثر الدول تقدماً في المجال الأمني الداخلي".
يضيف خالد: "نحتاج إلى الاعتراف بوجود هذه المشكلة أولاً، على غرار أي مشكلة موجودة في بلدنا، وفتح مراكز توعية نفسية للمتورطين بالعنف وذوي النزعات الإجرامية والذين يكونون غالباً شباباً عاديين ليس لهم أي ماض إجرامي، ومتابعتهم بالتنسيق مع وزارة الصحة ووزارة الداخلية للتأكد من عدم تكرارهم أفعالهم. أما الحل الأمني فيزيد الجريمة لأن إيداع شاب في السجن بتهمة مشاجرة يجعله يختلط بتجار مخدرات ومرتكبي جرائم، ما يُنمي نزعة العنف لديه التي تجعله يستسهلها كما حدث في حالات كثيرة".
ويدعو خالد مجلس الأمة إلى "التنبه لهذه الظاهرة وتمرير قانون يوقف تصاعدها المهوِل، بعد التنسيق مع المختصين النفسيين والاجتماعيين والأمنيين، كما حدث مع قوانين أخرى مررها مجلس الأمة، وشملت العنف المنزلي والأسري".