عام على رحيل "خنساء فلسطين"

18 مارس 2014
"أم نضال" في أيامها الأخيرة "أرشيفية"
+ الخط -

فلسطين عند السيدة مريم محمد فرحات، الشهيرة بلقب "أم نضال"، ليست مجرد وطن منقوش في خانة على جواز سفر، تحمله من غربة إلى غربة، وإنما كانت همَّاً تحمله معها، وتناضل من أجله وتقدم له التضحية بعد التضحية.

ربت أبناءها الخمسة على حب الجهاد، واستسهال الشهادة في سبيل الله والأرض، لأنها توقن أن الوطن ليس تذكاراً أو صورة مفقودة في حقيبة أو ميدالية صغيرة تزين صدر أمهاتهم وزوجاتهم، وإنما الأرض عرض والدفاع عنه فرض.

قدمت أم نضال الى الوطن ثلاثة شهداء، فكان ابنها الشهيد، نضال، أول من طور صاروخ "قسام"، وابنها الشهيد، محمد، منفذ عملية مستوطنة "عتصمونا"، التي قتل فيها عشرة جنود اسرائيليين وجرح ثلاثة عشر، وابنها الثالث الشهيد، رواد فرحات، الذي اغتالته إسرائيل.

بدأت "أم نضال" المقاومة مبكراً، فعندما كان أولادها صغاراً كانت تعمل على إيجاد مكان آمن لإيواء المجاهدين المطاردين من قوات الاحتلال، وعيونهم المترصدة لأي مقاوم، وكان بين أشهر من آوتهم دار أم نضال، الشهيد، عماد عقل، القائد السابق للجناح العسكري لحركة حماس، الذي نفذ عمليات عدة ضد جنود الاحتلال الاسرائيلي في أثناء الانتفاضة الأولى قبل اغتياله على باب بيتها، بعد أن آوته غرفة تحت الأرض حفرتها أم نضال وأسرتها لفترة.

ولما كبر الأبناء، عشرة بين بنين وبنات، لم تضنّ السيدة، التي آوت الفدائيين، بأبنائها، فنذرتهم للجهاد والشهادة. وتتذكر أم نضال كيف أعدت ابنها الشهيد، محمد فتحي فرحات، بنفسها للعملية التي اختاره لها شقيقه الأكبر نضال قائلة: نام آخر ثلاث ليال في غرفتي. كنت أنظر إليه، وهو نائم وأبكي. لكني أبداً لم أتراجع، فلست بأرحم عليه من الله تعالى، وعندما خرج الى العملية، كنت معه على الهاتف لساعات، وهو مرابط على حدود المستوطنة حتى تحين ساعة التنفيذ، وحمل إليّ التلفزيون نبأ نجاح العملية فحمدتُ الله وسجدتُ شكراً له.

وذاع صيت أم نضال بعد هذه العملية إذ أذيع شريط لها مع ابنها، قبيل العملية على التلفزيون، وهي تودعه.

وكان ثاني الشهداء من الأبناء، هو الابن الأكبر، نضال، الذي تحدث قبل استشهاده بأيام مع أمه عن نقلة نوعية في عمل المقاومة، وهو استخدام طائرة شراعية، تحمل عشرين كيلوغراماً من المتفجرات، ويتحكم فيها عن بعد لضرب أهداف إسرائيلية، ثم تتذكر كيف جاءها قبل استشهاده ببضعة أيام باكياً، لأنه بلغ الثانية والثلاثين، ولم تكتب له الشهادة بعد، طالباً منها أن تدعو له أن يرزقه الله الشهادة. واستجاب الله بعد أربعة أيام.

رواد فتحي فرحات، ابنها الثالث، اغتالته القوات الاسرائيلية، واستقبلت أم نضال نبأ استشهاده بالزغاريد أمام مئات توافدوا لمواساتها.

وإلى جانب دور أم الشهداء، لعبت "أم نضال" دوراً جديداً حيث خاضت الانتخابات التشريعية الفلسطينية مرشحة عن حركة حماس، في أول مرة يدفع فيها التيار الاسلامي الفلسطيني بسيدة الى المشاركة السياسية عن ايمان حقيقي بدور المرأة ومشاركتها.

وعن ترشحها قالت: "المرأة منذ فجر الإسلام تحصل على حقوقها بالكامل واختيار حماس لامرأة كي تشارك في انتخابات المجلس التشريعي اختيار نابع من امتثال لمبادئ الاسلام، فليس هذا بغريب، وكونها أول مرة فلأن حماس نفسها لم تكن تشارك من قبل في الحكومة أو السياسة بشكل رسمي، فالإسلام لم يحرم على المرأة خوض غمار أي مجال اجتماعي أو سياسي".

وترى أم نضال أن كثيراً من الدعايات الرائجة عن المقاومة هدفها النيل من عزيمتهم وتشويههم "الصواريخ حتى التي لا تصيب الهدف لها فائدة. وإلا فكيف اندحر الاحتلال من قطاع غزة، ألم تزعجهم صواريخ القسام في مستوطناتهم؟ ألم تجبرهم قوة المقاومة على الانسحاب من غزة كما انسحبوا من جنوب لبنان؟! المهم أن نصبر ونستمر في المقاومة". وتضيف: "لم يفجر أحد من أبنائي نفسه، فكلهم خرجوا الى العمليات وعادوا منها أكثر من مرة. حتى محمد، لم يفجر نفسه، وإنما قتله الحراس الاسرائيليون بعد أن أفرغ فيهم بندقيته وقنابله".

وفي يوم السابع عشر من مارس/آذار 2013 توفيت النائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني، مريم فرحات، "أم نضال"، في مستشفى الشفاء في قطاع غزة، بعد صراع مع المرض استمر سنوات، قضتها في رحلات علاج بين مصر وغزة وسوريا وأجرت فيها عمليات المرارة والزائدة والقلب المفتوح. وفي يوم الأرض نتذكرها ونتذكر الشهداء جميعا.

المساهمون