"طلعات ونزلات"... وألمانيا أبداً

02 ديسمبر 2022
حرارة تشجيع المنتخب الألماني في مونديال قطر (ماثيو أشتون/ Getty)
+ الخط -

قبل نحو ثلاثة عقود ونصف وأكثر، كانت مشاهدة كرة القدم العالمية على التلفزيون حلماً كبيراً في لبنان، لذا لعبت الصحف المحلية والمجلات المتخصصة التي تواجدت في البلاد وحققت شهرة عربية واسعة حينها دوراً رئيساً في نقل النتائج، وتوفير المعلومات الأكبر لجمهور محدد نسبياً، بحسب القدرة على الاطلاع وامتلاك نزعة الاهتمام والمتابعة. 
من هنا كان المقياس الأول لشعبية المتابعة هو المونديال نفسه مع ميل واضح إلى المنتخبين الأقوى في هذا الاستحقاق تحديداً، وهما ألمانيا والبرازيل، في حين لم تتوفر فرص حقيقية للتعرف إلى البطولات الأوروبية الخمس الكبيرة في ألمانيا وإنكلترا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، أو دوري الأبطال، لأن لا وسائل لمتابعتها مباشرة، ما قلص شعبية تأييد اللبنانيين للطليان والإنكليز والإسبان، وهو واقع قائم حتى اليوم، في حين جذبت إبداعات النجم الأرجنتيني دييغو مارادونا في مونديال المكسيك 1986 مجموعة من المشجعين لمنتخب "التانغو". 
كان يُقال مثلاً أن مشجعي إيطاليا هم اللبنانيات تحديداً اللواتي ينبهرن بمظاهر لاعبي "الآزوري"، وأحدهم روبرتو باجيو في مونديال الولايات المتحدة 1994. وكان يندر جداً إيجاد مشجعين للمنتخب الإسباني، وكذلك للمنتخب الإنكليزي باستثناء بعض المتعلقين بفكرة أن الإنكليز هم من اخترعوا اللعبة. كما تواجد بعض الكبار في السن الذين يحبون منتخب فرنسا، فقط لأنهم كانوا يصفونها حينها بـ"الأمّ الحنون" للبنان، قبل أن تظهر أسطورة زين الدين زيدان في مونديال 1998، حينها تغيّر الحال.   
وسط هذه الأجواء، كان الاختيار الأول لمشجعي كرة القدم في لبنان عموماً والمونديال خصوصاً ينحصر في أحد منتخبي ألمانيا والبرازيل، ومعيارهم الأهم حب أسلوبين مختلفين بالكامل، هما القتالية الجماعية العالية للألمان، والقدرات الفردية الفنية المميزة للبرازيليين التي تخلق سحر المراوغات والتلاعب بالخصوم وتسجيل الأهداف الرائعة بمهارات فريدة. 
وبين هذين الخيارين عشقتُ الألمان الذين لا يستسلمون لأي خصم وأي نتيجة، وعشتُ مع منتخبات ألمانيا وحتى فرقها المختلفة انقلابات كثيرة على البساط الأخضر نقلتهم خلال ثوانٍ ولحظات، أحرّ من ثواني كرة السلة، إلى قمة التتويج. وهذه الانقلابات هي ما يتطلع إليها المشجع الألماني الحقيقي في أي مباراة بقناعة كبيرة بإمكان تحقيقها في أي ظرف. 

الروحية الكروية للألمان هي رفيقتي الدائمة إلى حب منتخبها وكرة القدم التي لا أراها إلا متلاصقة بـ "ميزات الألمان" على صعيد نزعة عدم الاستسلام، والاقتناع بالقدرات، وامتلاك المعرفة الواسعة بأساليب التطوير الكروي والتصميم على تنفيذه. 
وبالطبع ثمة "طلعات ونزلات" للنتائج الكروية، وبالتالي لقدرة أي منتخب وأحدها المنتخب الألماني على تجسيد هذه الروحية الفريدة في الاستحقاقات الكبيرة، وفي مقدمها المونديال. والمشجعون الألمان يعرفون ذلك جيداً، لذا لا يحيدون عن تشجيع منتخبهم المفضل حتى إذا خرجوا من الدور الأول، ويكررون ذلك بلا كلل أو ملل في كل الاستحقاقات، في حين يتمثل السبب الأول في خيبتهم إذا لم يحقق "المانشافت" نتائج جيدة، في عدم تقديم لاعبيه القتالية العالية المطلوبة. 
واللافت أن لاعبي "المانشافت" يرتدون غالباً القمصان البيضاء، في حين أنني كنت أخبر والدي حين كنت أشاهد طفلاً مباراة في "البوندسليغا" منقولة على تلفزيون بالأبيض والأسود، أنني أشجع الفريق الأسود وليس الأبيض. وكان سبب ذلك ظهور زي فريق بايرن ميونخ على جهاز التلفزيون غير الملوّن الذي كنا نملكه حينها، بالأسود وليس بالأحمر، وهو لون الزي الاعتيادي للفريق البافاري.
   

المساهمون