لم تكن المؤسسات الأكاديمية في فلسطين المحتلة عام 1967، يوماً، بعيدة عن تداعيات الخلافات السياسية الداخلية على الساحة الفلسطينية، خصوصاً وأنها تضم الأذرع الطلابية للحركات والأحزاب السياسية المختلفة. فرغم إعلان المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس بداية عام 2014، إلا أن بعض مظاهر الانقسام الفلسطيني الذي اشتعل عام 2006 بين الفصيلين الأكثر شعبية في الأراضي الفلسطينية ما تزال مستمرة، على رأسها الاعتقالات التعسفية. إذ تشير إحصاءات الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان إلى استمرار الاعتقالات في الضفة الغربية، إذ تلقت الهيئة عام 2013 ما مجموعه (563) شكوى في الضفة، الأمر نفسه في قطاع غزة لكن بوتيرة أخف. وكان للطلاب الجامعيين نصيب لا بأس به من حالات الاعتقال، دون وجود أرقام مفصلة بشأنهم.
يرى البعض أن خلفية الاعتقالات التي تشنها السلطة الفلسطينية في الضفة سياسية بحتة، إذ تستهدف المنتمين للحركات الإسلامية كحركة حماس والجهاد الإسلامي. في حين يرى آخرون أن السبب الحقيقي وراء تلك الملاحقات هو محاربة المقاومة بغض النظر عن الانتماء الحزبي، إذ تتبنى القيادة الفلسطينية ومنذ سنوات خيار المفاوضات السياسية والتنسيق الأمني مع إسرائيل.
فوزي بشكار، طالب في كلية الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس منذ عام 2008، وناشط في صفوف الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابية لحركة حماس. لم تكفه السنوات السبع لحصد درجة البكالوريوس في المحاسبة، والتي لا تحتاج إلا لثلاث سنوات ونصف فقط. والسبب، أربع حالات اعتقال لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، واعتقال لمرة واحدة في السجون الإسرائيلية. "اعتقلت لدى السلطة الفلسطينية بعد أسبوع من بداية الدوام الجامعي، وبعد شهر من إطلاق سراحي، اعتقلني الاحتلال الإسرائيلي، ومكثت ثلاث سنوات"، ويتابع بشكار: "انتظمت على مقاعد الدراسة من جديد بعد إطلاق سراحي، لكنني اعتقلت مجدداً لدى السلطة ثلاث مرات".
ويرى بشكار أن اعتقاله جاء على خلفية سياسية، وذلك لنشاطه مع الكتلة الإسلامية في الجامعة، كما ويشير إلى تطابق التهم الموجهة له من الجانب الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الفلسطينية، بالإضافة إلى تقارب فترات الاعتقال. وبحسب بشكار، فإنه يتم اختلاق أسباب قانونية وهمية دائماً لتبرير الإيقاف، والتي من أشهرها تهمة "إثارة النعرات الطائفية".
أما الطالب في كلية الإعلام، محمود مطر، فيروي قصة اعتقاله التي تزامنت مع موعد امتحاناته النهائية قبيل التخرج. "كطالب إعلام، كنت أتردد على خيمة التضامن مع الأسرى في بلدتي كفر راعي، قضاء مدينة جنين، لتغطية فعالياتها اليومية، وهذه كانت تهمتي". ويذكر مطر بأنه احتجز لـ21 يوماً لدى جهاز الأمن الوقائي في جنين، على خلفية الاشتباه بتقربه من حركة الجهاد الإسلامي، والتي كانت مسؤولة عن تنظيم فعاليات خيمة الأسرى في بلدته عام 2012.
ويؤكد مطر أنه تعرض للتهديد بالشنق في حال عدم اعترافه حينها، وعن ذلك يقول: "قيل لي إنهم سينشرون خبراً مفاده أنني أقدمت على الانتحار بعد شنقي. وقد نشرت تفاصيل هذا التهديد على صفحتي الخاصة على فيسبوك آنذاك".
هذا ويؤكد أحد منسقي الكتلة الإسلامية، (س.أ) أنه، وفي النصف الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري فقط، تسلم أكثر من ستة طلاب في جامعة النجاح استدعاءات لمراجعة الأجهزة الأمنية الفلسطينية. في حين ما يزال خمسة طلاب قيد الاعتقال رغم دخول فترة الامتحانات النهائية. وينوه إلى حملات مداهمات السكنات الطلابية التي تشن بين الحين والآخر، والتي يتم التركيز فيها على مصادرة أجهزة الحاسوب المحمولة لبعض الطلاب، بالإضافة إلى الهواتف النقالة.
لم تقر السلطة الفلسطينية، يوماً، بوجود اعتقالات سياسية في الضفة الغربية، بل تؤكد دائماً أنها تعتقل المخالفين للقانون لا أكثر، كما جاء على لسان الناطق باسم الأجهزة الأمنية اللواء، عدنان الضميري، في مناسبات عدة، كان آخرها في الأول من كانون أول/ ديسمبر الجاري، إذ أعاد التأكيد خلال تصريحه الأخير أن كافة الموقوفين ارتكبوا مخالفات قانونية تمس الأمن العام وتهدد أمن المجتمع وسلامته.
وجرت العادة أن توجه للمعتقلين تهمة "إثارة النعرات الطائفية"، الموصوفة في قانون العقوبات الأردني لسنة 1960، المطبق في الضفة الغربية. وبحسب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، فإن عناصر جريمة "إثارة النعرات" غير مكتملة في الواقع الفلسطيني، خصوصاً أن تحققها يتطلب وجود طوائف معترف بها في القانون، إضافة إلى تسمية الأفعال التي قصد منها المتهم إثارة هذه النعرات بين تلك الطوائف، وتسمية الطوائف التي تأثرت بتلك الأفعال المجرمة بالقانون، وهذا ما لا يتم على الإطلاق بحسب الهيئة.
الجدير بالذكر، أن الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابية لحركة حماس، كانت قد عاودت نشاطها في معظم جامعات الضفة الغربية عام 2013، وذلك بعد غياب عن المشاركة في انتخابات مجلس الطلبة لسبع سنوات، إثر الانقسام الفلسطيني عام 2006. وتمكنت الكتلة أن تحتل وصافة انتخابات مجالس الطلبة في مختلف الجامعات، وذلك خلف حركة الشبيبة الطلابية، التابعة لحركة فتح، والتي فازت بأغلبية في الانتخابات الجامعية الأخيرة كافة.