استمع إلى الملخص
- حرم الاحتلال الإسرائيلي 39 ألف طالب في قطاع غزة من التقدم لامتحانات الثانوية العامة، مما يهدد مستقبلهم ويعكس سياسة ممنهجة لتجهيل الفلسطينيين.
- تدمير البنية التحتية في قطاع غزة يجعل إعادة الإعمار شبه مستحيلة، حيث تحتاج العملية إلى 14 سنة على الأقل وفقاً لتقديرات دولية.
لن يأسف حوالي 450 من طلبة الثانوية العامة الفلسطينيين لخسارة عامهم الدراسي، ليس لأنهم غير مبالين، بل لأنهم بكل بساطة خسروا حياتهم بعدما استشهدوا جرّاء العدوان الإسرائيلي الذي بدأ منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على قطاع غزة، ولا يزال مستمراً. وبحسب وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، قتل الجيش الإسرائيلي 430 طالباً في القطاع و20 في الضفة الغربية، أي أن 450 عائلة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية خسرت أبناءها، بدلاً من أن تسهر لتأمين الراحة لهم، استعداداً لامتحان الثانوية العامة، وبعده تنتظر نتائجهم لتفرح بنجاحهم، إذ بها تُفجع بخسارتهم. وتشير آخر إحصائية صادرة عن الوزارة، إلى أن هنالك ما لا يقل عن 8000 شهيد في قطاع غزة ممن هم في سن الدراسة، عدا عن المفقودين، وهناك أكثر من 12500 طالب جريح، بينهم 2500 أصبحوا من الأشخاص ذوي الإعاقة.
وتبعاً للوضع الذي يعانيه قطاع غزة وسط حرب الإبادة التي يشنها الجيش الإسرائيلي، فقد حرم الاحتلال 39 ألف طالب من أبنائه من التقدم للامتحانات التي تمهد للانتقال إلى المرحلة الجامعية، وهو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ المأساة الفلسطينية، وسينعكس بالضرورة على مستقبل هؤلاء الشباب، خصوصاً أنّ الفلسطيني الذي تعمل إسرائيل بكلّ ما تملك من آلة حرب وعدوانية على تجهيله وحرمانه من حقوقه الآدمية في التعليم، اعتبر دوماً وأبداً أن العلم هو سلاحه الرئيسي لإيجاد موقع له تحت هذه الشمس، وبالتالي هو سفينة النجاة للخلاص من الفقر والقهر والتجويع الذي يمارسه الاحتلال عليه.
ولا تنبع الصعوبة فقط من خسارة عام دراسي، بل أساسها هو استحالة التعويض على هؤلاء، بالنظر إلى ما تخطط له إسرائيل في ما يتعلق بمصير القطاع برمته. فما يمارسه الجيش الاسرائيلي ليس أقل من عملية تدمير ممنهجة وشاملة للأرض ومن وما عليها، ما يجعل إعادة الإقامة فيها مسألة متعذرة، لأن على أهل المنطقة أن يبدأوا حياتهم ثانية من الصفر تماماً وما دونه حتى. فما معنى أن تحتاج عملية إعادة الإعمار بحسب تقديرات المكاتب الهندسية الدولية والأممية إلى 14 سنة وأكثر، هذا إذا توافرت الأموال من الدول المانحة التي سبق وقدمت مساعدات تحولت إلى مستشفيات ومدارس وجامعات ومشاريع تنموية، فإذا بالمدافع والدبابات وصواريخ الطائرات تدكها دكاً، ثم تأتي الجرافات لتبددها وتجعلها مجرد ركام متناثر، تتطلب إزالته جهود سنوات وليس أياماً أو أشهر.
المعضلة تبدو متداخلة خصوصاً أنّ ليس في الأفق القريب أو المتوسط ما يؤشر إلى وقف لاطلاق النار. وإذا ما تم التوصل إليه، فإن إسرائيل ستعمد إلى جعل استعادة الحياة من سابع المستحيلات، طالما أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته يعلنون جهاراً نهاراً أن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من القطاع، وأنه سيتابع القتال حتى القضاء على آخر فلسطيني مقاوم، وأنه بصدد إعادة صياغته بما يقود إلى جعل الحياة لا محل لها بالنسبة للأحياء من أهلها. وليس هناك من بقعة جغرافية على وجه الأرض تستطيع أن تحيا في العصر الحديث أو القديم دون مصادر مياه للشرب والاستعمال والري ومنافذ برية وبحرية وجوية، ودون حرف أو صناعة وزراعة ولو بسيطة، ودون مدرسة ومستوصف ومركز صحي ومستشفى وطريق وكهرباء وشبكات مجار صحية وما تبقى من معالم الحياة. وكل هذا وسواه جرى تدميره من باب الانتقام والحقد وليس بناء على ضرورات عسكرية كما أشاع التسويق الإعلامي.
(باحث وأكاديمي)