استمع إلى الملخص
- الجامعات السورية تعاني من شلل شبه تام بسبب عزوف الطلاب عن الحضور، مطالبين بتدخل حكومي لتعديل أجور النقل، مع تزايد القلق الأمني الذي دفعهم لطلب تأجيل الامتحانات.
- شركات النقل تواجه تحديات بسبب تقلبات الدولار وارتفاع تكاليف الوقود، والحكومة وعدت بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية العام المقبل لتخفيف الأعباء.
جدّد نحو 3000 طالب في محافظة السويداء، جنوب غربي سورية، اليوم الأربعاء، دعوتهم لإضراب عام عن الالتحاق بالجامعات العامة والخاصة، في خطوة تصعيدية جاءت بعد تنسيق عبر مجموعات على تطبيق "تيلغرام". يهدف الطلاب إلى مواجهة أزمة تكاليف النقل، التي شهدت ارتفاعات هائلة لتتجاوز 25 ألف ليرة (الدولار الأميركي الواحد يعادل 13,001.9ليرة سورية) من السويداء ودرعا إلى جامعات دمشق وجامعات غباغب الخاصة، مقارنة بـ10 آلاف ليرة سابقاً. كما وصلت تكلفة النقل بين دمشق وحلب أو اللاذقية إلى 40-50 ألف ليرة، فيما تخطت 175 ألف ليرة بين دمشق ودير الزور، وفقًا لتغيرات أسعار صرف الدولار أمام الليرة السورية.
وشهدت الجامعات السورية منذ بداية الدوام، الأحد الماضي، عودة متواضعة لبعض الطلاب والمدرسين، بينما توقف شبه كامل كان السمة الغالبة في جامعات عدة. وتعالت الدعوات الطلابية للإضراب رفضاً لتكاليف النقل المرتفعة، التي جاءت بالتزامن مع الغلاء في المعيشة والمستلزمات الدراسية، خاصة للفروع العلمية التي تتطلب تجهيزات إضافية.
وتعيش أكثر من 6 جامعات خاصة في بلدة غباغب شمال درعا، إلى جانب جامعات في الكسوة بريف دمشق ومدن أخرى كحمص، حالة شلل شبه تام بسبب عزوف الآلاف من الطلاب عن الحضور. وتزداد المخاوف من أن يؤدي هذا الوضع إلى شلل عام في جميع الجامعات السورية، العامة والخاصة، مع الإشارة إلى أن معظم هذه الجامعات تستقبل طلاباً من مختلف المحافظات.
وفي الشأن، صرّحت إيفا عزام، طالبة في جامعة الرشيد الخاصة في بلدة غباغب، لـ"العربي الجديد" بأن "جميع طلاب الجامعات الخاصة في غباغب لا يزالون متوقفين عن الالتحاق بالدوام". وأوضحت أن "هذا التوقف سيستمر حتى صدور قرار يراعي الأوضاع المعيشية للطلاب وأهاليهم، بالإضافة إلى تعديل أجور النقل بما يتناسب مع إمكاناتهم"، مشيرة إلى أن "الوضع الحالي يضع الطلاب أمام صعوبات حقيقية في متابعة دراستهم والتحصيل العلمي".
وأشارت عزام إلى "عدم توفر سكن طلابي في هذه الجامعات، مما يجبر الطلاب والمدرسين، الذين ينحدر معظمهم من محافظات دمشق والسويداء ودرعا والقنيطرة، على تحمل تكاليف نقل باهظة". وأوضحت أن "الحد الأدنى لمصاريف النقل الشهرية يقدّر بمليون ليرة سورية، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم الطلاب". وحذرت من أن "هذه الأزمة تهدد العملية التعليمية بأكملها، مطالبة وزير التعليم بالتدخل العاجل قبل فوات الأوان".
أزمة النقل تمتد إلى المستلزمات الدراسية والمعيشة
بدوره، أكد عمار صبح، وهو طالب في إحدى كليات الهندسة بجامعة اللاذقية، لـ"العربي الجديد"، أن "مشكلة ارتفاع تكاليف النقل لا تقتصر على وسائل الوصول والعودة إلى الجامعات"، مشيراً إلى أن "معظم الطلاب، حتى المقيمين في المدن القريبة من الجامعات أو في السكن الجامعي، يحتاجون إلى وسيلة نقل يومية". وأضاف أن "الأزمة لا تقتصر على طلاب الجامعات والمعاهد فقط، بل تشمل أيضاً طلاب الأرياف الذين يدرسون في المدن، مما يزيد العبء الاقتصادي عليهم وعلى أسرهم".
وأوضح صبح أن "ارتفاع تكاليف النقل يترافق مع زيادة في أسعار المستلزمات الدراسية والمعيشية، مما يضع الطلاب أمام تحديات كبيرة". وانتقد السياسات الحكومية المتعلقة بتحديد أسعار الوقود، مشيراً إلى أنها لم تكن مدروسة في ظل تقلبات سعر صرف الليرة السورية. وقال إنه "كان من الضروري دراسة تكاليف النقل وأسعار الصرف بعناية قبل دعوة الطلاب للعودة إلى الجامعات"، معتبراً أن "هذا التحدي لا يقتصر على الطلاب وحدهم بل يشمل أيضاً الموظفين".
كذلك، صرّحت طالبة من جامعة اللاذقية، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، لـ"العربي الجديد"، بأنها وزملاءها فوجئوا بإعلان موعد الامتحانات بداية من الأحد المقبل. وأوضحت أن هذا "القرار دفعهم إلى طلب تأجيل الامتحانات نظراً للظروف الصعبة التي يواجهها الطلاب، حيث تجاوزت تكاليف السفر 175 ألف ليرة للرحلة الواحدة، بالإضافة إلى الحاجة لاستخدام سيارات أجرة من كراج اللاذقية إلى السكن والكليات، وهو عبء إضافي لا يمكن تحمّله بعد الارتفاع الأخير في أجور النقل".
وأشارت الطالبة إلى أن "التحديات لا تقتصر على الجوانب المادية، بل تشمل أيضاً الوضع الأمني المتردي، خاصة على طريق حمص-دمشق، مما يزيد قلق الطلاب وأهاليهم". وناشدت باسم زملائها إدارة الجامعة تأجيل الامتحانات إلى بداية العام المقبل، على أمل تحسن الظروف الاقتصادية والمعيشية.
في سياق متصل، شكّل طلاب مدينة السويداء وفداً لمقابلة الشيخ حكمت الهجري، حيث طالبوا بدعمه للضغط على شركات النقل لتحمّل جزء من التكاليف وتعديل الأجور. وأصدر الطلاب بياناً نددوا فيه بقرارات شركات النقل التي وصفوها بـ"المجحفة" بحق الأهالي والطلاب. كما أعلنوا في البيان أنهم سيستمرون في الإضراب عن الذهاب إلى الجامعات إلى حين إعادة أجور النقل إلى ما كانت عليه سابقاً.
الغلاء يضغط على الطلاب والسائقين
في المقابل، تراجعت إحدى شركات النقل خلال الأيام الماضية عن تسعيرتها بين السويداء ودمشق، حيث خفضت الأجرة من 50 ألف ليرة إلى 35 ألف ليرة، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف التسعيرة القديمة. وفي الوقت نفسه، حددت شركة خاصة لنقل الطلاب إلى جامعات غباغب تسعيرة قدرها 25 ألف ليرة لكل رحلة، ما يعني 50 ألف ليرة يومياً و1 مليون ليرة شهرياً، وهو مبلغ لا يزال يثير استياء الطلاب.
أحد أصحاب شركات النقل صرّح لـ"العربي الجديد" بأن الشركات تتعرض لخسائر فادحة يومياً، حيث يعاني السائقون والإداريون من تأخير في رواتبهم. وأوضح أن تحديد سعر المازوت بالدولار الأميركي أو ما يعادله، جعل الأسعار تتقلب يومياً، ما ترك الشركات في حالة من التخبط بين خيار العمل بخسارة أو التوقف عن العمل. واعتبر أن المشكلة الأساسية لا تكمن في شركات النقل، بل في قرارات الحكومة المؤقتة وسعر صرف الدولار الذي ينعكس سلباً على تكاليف النقل.
وعد حكومي بتحسين الأوضاع
من جهته، صرح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة الإنقاذ، ماهر الحسن، لـ"العربي الجديد"، خلال زيارته إلى مدينة السويداء أن الأسعار والأجور للسلع والخدمات ستشهد تحسناَ بداية من العام المقبل. وأوضح أن الحكومة تعمل على رفع أجور الموظفين والعمال لتتناسب مع تكاليف المعيشة، وأنها تسعى لتحرير سوق العمل للحد من الاحتكار وتحسين الوضع المعيشي، وهو ما سيؤثر بشكل إيجابي على جميع القطاعات، بما في ذلك قطاع النقل.