طلاب جنوبي لبنان يواجهون امتحانات محفوفة بمخاطر الحرب

21 يونيو 2024
طلاب جنوبي لبنان يتعرضون لقصف الاحتلال الإسرائيلي، 23 مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- طلاب جنوبي لبنان يواجهون تحديات كبيرة بسبب العدوان الإسرائيلي، مما أثر على استعدادهم للامتحانات الرسمية، وسط إغلاق أكثر من 50 مدرسة واضطرار نحو 5000 طفل للتعلم عن بُعد.
- الطلاب يعانون من صعوبات في الوصول إلى التعليم والمواد الأساسية، بالإضافة إلى الضغوط النفسية والعبء الاقتصادي بسبب توزيع مراكز الامتحانات بعيدًا عن أماكن إقامتهم.
- وزارة التربية تصر على إجراء الامتحانات في مناطق آمنة مع تسهيلات لطلاب القرى الحدودية، مؤكدة على أهمية الحفاظ على قيمة الشهادة والتعليم دون التسبب بتمييز أو نظرة دونية للشهادات.

تتفاقم أزمة طلاب جنوبي لبنان مع انطلاق الامتحانات الرسمية لطلاب لبنان من دون أن تأخذ وزارة التربية والتعليم العالي بعين الاعتبار واقع آلاف الجنوبيين، من تحديات تجعلهم غير مستعدّين لخوض الاستحقاق في مواعيده المقرّرة بين 24 يونيو/حزيران الجاري، والرابع من يوليو/تموز المقبل.

ولم يحظَ طلاب جنوبي لبنان خاصة القرى الحدودية بعام دراسي "سليم" هذه السنة بفعل العدوان الإسرائيلي المستمرّ منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقب بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ أقفلت أكثر من 50 مدرسة أبوابها، وأضطر "نحو 5000 طفل إلى متابعة تعليمه عن بُعد في مدارسه الأصلية، بينما ألحق نحو 1700 طفل بالمدارس الرسمية المجاورة لأماكن نزوحهم"، بحسب أرقام "يونيسف". في حين عانى مئات الطلاب من صعوبة في إيجاد مدارس قريبة منهم للالتحاق بها، ولم تتوفر لهم المواد الأساسية للتعلم، مع هشاشة إمكانات وزارة التربية رغم المساعدات التي وصلت من بعض المنظمات الدولية.

طلاب جنوبي لبنان.. امتحانات على طريق الموت 

وعلت صرخات واعتراضات طلاب جنوبي لبنان مع تمسّك وزارة التربية بإجراء الامتحانات الرسمية الموحّدة لكل التلاميذ وتركزت استنكاراتهم على فوضى توزيع مراكز الامتحانات على الطلاب المرشحين، بحيث وزّع العديد من  طلاب جنوبي لبنان على مراكز بعيدة من أماكن اقامتهم أو نزوحهم، وما يتبعه من تكاليف اقتصادية بفعل التنقل ولأكثر من يومٍ متتالٍ. فضلا عن الخوف والضغط النفسي الذي يتعرض له الطلاب نتيجة الحرب، فضلا عن أنّ العديد من الطلاب لم يتلقَّ دروسه بالشكل اللازم، إذ إنّ الحرب بدأت بالتزامن مع انطلاق العام الدراسي.

تقول سيلينا جريس طالبة من "ثانوية رميش الرسمية" لـ"العربي الجديد"، إنّ المسافة من رميش جنوبي لبنان حيث تقيم ومركز برج قلاوية الرسمية، في قضاء بنت جبيل، محافظة النبطية، تبعد حوالي ساعة من الوقت وأكثر، ما يعني ضرورة الاستيقاظ باكراً بعد يوم طويل من الدراسة، للوصول إلى المكان في موعد الامتحان الصباحي، مع مشقات الطريق والمخاطر الأمنية، وهو مسار سيسلك خلال أيام الامتحانات ولا يقتصر على يوم واحد، مشيرة إلى أنها منذ الثامن من أكتوبر تعيش ظروفاً صعبة جداً، إذ تتلقى وزميلاتها الدروس عن بعد، وسط صعوبات كبيرة في الحصول على خدمة إنترنت جيدة، مضيفة" عدا عن الضغوطات النفسية من جراء الخوف والقلق واصوات القذائف والقصف التي تسمع وتبقى في رؤوسنا، وللأسف لا أحد من المسؤولين ينظر إلى أوضاع طلاب الجنوب وما عاشوه ولا يزالون يعيشونه طيلة هذه الأشهر".

وسبق لجريس أن نزحت مع عائلتها إلى بيروت في بداية الحرب حيث سكنت مع أقارب لها، بعدما عاشت ظروفاً صعبة، لكنها اضطرت إلى العودة لمنزلها في الجنوب بعدما طال أمد المعارك، خاصة وأنهم لا يملكون منزلا خاصا بهم في العاصمة أو منطقة أخرى.

من جانبها، تقول زهراء واصف مصطفى، من "ثانوية رميش الرسمية"، لـ"العربي الجديد"، إنها "من سكان بيت ليف، ونزحت إلى بلدة معركة، من قرى قضاء صور، جنوبي لبنان، حيث واجهت صعوبات كبيرة في التعلّم عن بعد، خصوصاً على مستوى خدمة الانترنت غير المتوفرة بشكل دائم، ما كان يستدعي منها في أحيان كثيرة الذهاب عند جيرانها لحضور الصف "أونلاين" أو طلب تسجيل الحصّة لتشاهدها لاحقاً.

ظروف كثيرة تتحدث عنها زهراء تجعل من المستحيل اجراء الامتحانات بشكل عادل وسليم لطلاب جنوبي لبنان الواقعين تحت ضغط الحرب، منها أنّ التعلم عن بعد تأخر أصلاً حتى يبدأ، مقارنة مع بدء العام الدراسي لطلاب المدارس في بيروت والمناطق البعيدة من القصف الإسرائيلي، عدا عن نزوح آلاف الطلاب، وعدم توفر الانترنت للجميع، وبقاء العديد أيضاً من الطلاب في منازلهم رغم القصف لعدم وجود مكان آخر يقصدونه، ما يجعل وضعهم النفسي صعبا جداً، ويعرقل إمكاناتهم في التعلّم والتركيز على الدروس وأداء الامتحانات.

وتشير زهراء إلى أنّ "هذه الأشهر كانت صعبة جداً من الناحية النفسية، خصوصاً لناحية سماع أصوات القصف وجدار الصوت، واستشهاد أشخاص تعرفهم من أقارب وأصدقاء"، لافتة كذلك إلى أن الوصول إلى مراكز الامتحانات غير آمن، حيث ستخضع للامتحانات في برج قلاوية وهناك نقاط عدة ستمرّ بها للوصول إلى المركز قد تكون عرضة بأي وقت لغارات الاحتلال الإسرائيلي، متسائلة "هل يضمن لنا وزير التربية بقاءنا على قيد الحياة وعدم تعرّضنا للقصف خصوصاً أنّ الاحتلال سبق أن قصف باصاً مدرسياً ويستهدف الطلاب والمدنيين والعائلات؟".

وتستغرب زهراء كيف أنّ وزير التربية يصرّ على اجراء الامتحانات الرسمية ويرفض إعطاء الإفادات في وقت سبق لوزارة التربية أن منحت الإفادات ابان "ثورة 2019" وعندها لم يعترض طلاب الجنوب، ومنهم الأوائل الذين كانوا يفضلون الشهادات على الإفادات، سائلةً "أليس الوضع اليوم أخطر ودقيقا أمنياً؟ ألا يستدعي اتخاذ خطوات استثنائية؟ هو يقول إنه يريد أن يحافظ على قيمة الشهادة والتعليم، ولكن ماذا لو حصلنا على شهادة موت وليس شهاد النجاح؟".

من جهتها، تؤكد أوساط وزارة التربية أنّ الأوضاع الأمنية على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة ليست ذريعة لإلغاء الامتحانات الرسمية، والتي ستقام في مناطق آمنة، مع استثناءات في المنطقة الحدودية بحيث تم اختيار مراكز أخرى في محافظتي النبطية والجنوب، وهناك أخذ بعين الاعتبار لوضع طلاب القرى الحدودية وما تلقّوه من دروس خلال هذا العام.

وإثر البلبلة التي حدثت، أصدرت المديرة العامة للتعليم المهني والتقني الدكتورة هنادي بري تعميماً حول السماح للطلاب في محافظتي الجنوب والنبطية، الالتحاق بمركز امتحانات غير الموجود على بطاقة ترشيحهم. ويُطلب بحسب التعميم "السماح للطلاب المرشحين للامتحانات الرسمية والذين كانوا مسجلين في المعاهد الفنية الرسمية والخاصّة في كلّ من محافظة الجنوب والنبطية، الدخول إلى أيّ مركز امتحان آخر، والخضوع للامتحانات الرسمية فيه، على أن يُصار إلى إبلاغ مصلحة المراقبة والامتحانات بذلك فوراً، كما توضع مسابقات هؤلاء الطلاب في مغلّف خاصّ، يُكتب عليه اسم المركز الأساسي المفترض خضوع الطلاب للامتحانات الرسمية فيه".

وفي تصريحٍ سابقٍ له، حول اعتراضات طلاب جنوبي لبنان قال وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي إنّه "منذ أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي مواعيد إجراء امتحانات رسمية موحدة لشهادة الثانوية العامة في 29 يونيو 2024، وعدم اعتماد المواد الاختيارية فيها، ولامتحان الشهادة المتوسطة للطلبات الحرة والامتحان الموحد لتلامذة المتوسطة  في اختبار وطني إلى جانب الامتحان المدرسي، في 24 يونيو، خرجت أصوات كثيرة معترضة، ليس على موعد الامتحانات، بل على إجرائها في شكل طبيعي بلا استثناءات، وأخذ الأمر أبعاداً سياسية وطائفية لم تخل من توجيه اتهامات في غير محلها ضد وزارة التربية، بالتفرد في اتخاذ القرار من دون التدقيق في الاعتبارات التي انطلقت منها".

وأشار إلى أنّ "تحديد مواعيد الامتحانات وطبيعتها وملاحقها الإجرائية تقرّر وفاقاً لتقارير تربوية، وقد سبق ذلك تقليص وحذف دروس من مواد الامتحانات، وفقاً لدراسة أخذت في الاعتبار مستوى التحصيل والفاقد التعليمي في خلال السنوات الماضية"، مضيفاً "استندت الوزارة أيضاً إلى دراسات وتقارير أكدت عدم اتخاذ إجراءات استثنائية في ظل سنة طبيعية في التعليم، لأن ذلك سيزيد النزيف الحاصل وسيهدد الشهادة الرسمية. فالعودة إلى امتحانات طبيعية للتلامذة بكل المواد تعزز التعليم وتعيد الاعتبار لمستوى الشهادة".

وقال "إننا ومن باب المسؤولية قررنا الإبقاء على إجراء امتحانات موحّدة لكل تلامذة لبنان، وعدم سلخ الجنوب تربوياً عن باقي المناطق اللبنانية، وبالتالي عدم التسبب بتمييز أو نظرة دونية للشهادة التي سيحملها المرشحون في المناطق الحدودية، والتي تشهد يومياً اعتداءات إسرائيلية أوقعت شهداء وخسائر مادية جسيمة في كل المنطقة المذكورة، مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع غير الطبيعية التي انعكست على التعليم وبينها جوانب نفسية وصحية واجتماعية".

المساهمون