- تبذل المدارس في شمال غرب سوريا جهودًا لاستيعاب الطلاب العائدين عبر حصص للقراءة العلاجية ودروس تعويضية، لكن الاكتظاظ في الصفوف يظل تحديًا كبيرًا يؤثر على جودة التعليم.
- يشدد الخبراء على أهمية التعاون بين الأهل والمدارس والمنظمات الإنسانية لتوفير بيئة تعليمية داعمة، مع ضرورة توفير صفوف منفصلة ودروس مكثفة ودورات توعية للأطفال العائدين.
أصبح إتقان اللغة العربية والدراسة بمناهجها مشكلة للطلاب السوريين العائدين بعدما زاد عدد اللاجئين المرحلين من تركيا أو العائدين من لبنان إثر اندلاع الحرب الإسرائيلية، أو من بلدان أوروبية
يُعاني معظم الطلاب السوريين الذين عادوا من بلدان اللجوء بعد ترحيل عائلاتهم منها، صعوبات كبيرة في تعلّم اللغة العربية والاندماج في المجتمع الجديد، خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين وُلدوا في هذه الدول، أو أكملوا دراستهم طوال فترة الحرب فيها، وبلغات غير العربية.
تقول سمر خنسة البالغة 40 عاماً من مدينة بنش، وهي أم لأربعة أطفال من بينهم محمد الذي عاد إلى شمالي سورية، واستأنف الدراسة في الصف الخامس، وابنتان في المرحلة الإعدادية، لـ"العربي الجديد": "يعاني جميع أطفالي مشكلة اتقان اللغة العربية بعدما عادوا من لبنان قبل سبعة أشهر بسبب الأزمة الاقتصادية. وكنت قد مكثت 13 عاماً مع عائلتي في لبنان حيث التحق أطفالي بمدارس كان التعليم فيها باللغتين الإنكليزية والفرنسية، مع وجود كتاب بسيط لمادة اللغة العربية لا يركز على قواعد اللغة والإعراب. ولم يخطر في ذهني أننا سنعود إلى سورية، لكن ارتفاع إيجارات المنازل جعل العودة خيارنا الوحيد".
تتابع: "قُبِل محمد الذي وُلد ودرس في لبنان بمدرسة مصطفى عموري بمدينة بنش في الصف الخامس الابتدائي بعدما اطّلع المدرسون على معلومات عن وضعه الدراسي، ووافقت مديرية التربية على دخوله الصف الخامس، وهو يجد حالياً صعوبة كبيرة في التعلّم باللغة العربية، رغم أنه يتكلمها، لكنه كان يدرس المواد باللغة الإنكليزية، وهو يُعاني ضعفاً في القراءة والكتابة باللغة العربية لأنه لا يعرف حروف المد والحركات، ما يؤثر على دراسته لأن كل المواد باللغة العربية في سورية".
تضيف خنسة: "رغم مراعاة المدرسين الظرف الخاص لابني لم ينجح في صفه الدراسي لأنه يحتاج إلى دروس خصوصية في القراءة العلاجية كي يستطيع القراءة والكتابة بشكل صحيح. وبالنسبة لنا لا نملك القدرة على تسجيله في مدارس خاصة بسبب صعوبة وضعنا المعيشي، فأنا أعمل في الخياطة مع ابنتي الكبيرة التي تركت الدراسة كي تساعدني في إعالة عائلتي، علماً أن زوجي مفقود في مناطق سيطرة النظام منذ أن كنا نعيش في لبنان".
وتتحدث أيضاً عن أنها أدخلت ابنتيها مدرسة أحمد صادق، لكنهما عانتا أيضاً مشكلة عدم إتقان قواعد اللغة العربية كما يجب. وتقول: "لم تختلف البيئة والحياة الاجتماعية كثيراً على أولادي لأنهم تربوا على عاداتنا وتقاليدنا، ولم نواجه بالتالي أي مشكلة في إعادة دمجهم بمجتمعات أخرى. وبالنسبة إلى التعليم أناشد المدارس ووزارة التربية والمنظمات إيجاد حل لمشكلة عدم اتقان الطلاب العائدين اللغة العربية عبر تخصيص وقت لهم للقراءة العلاجية وإتقان القواعد كي يتخطوا مشكلة الضعف ويلتحقوا بزملائهم، ولمساعدتهم على إكمال دراستهم في بلدهم".
ويقول مازن حمدان، وهو مدير مدرسة خاصة في مدينة إدلب لـ"العربي الجديد": "يُقبل الطلاب بالصف ذاته في مدارس شمال غربي سورية في حال وجود أوراق نظامية أو جلاء مدرسي، أما اذا لم تتوفر فيحصل المعلمون على معلومات من أولياء أمورهم تمهيداً لوضعهم في صفوف تتناسب مع أعمارهم وتستند إلى المعلومات التي حصلوا عليها. أما بالنسبة للطلاب الذين لا يعرفون اللغة العربية نهائياً، وهم في سن الصفوف الأربعة الأولى من المرحلة الابتدائية، فنخصص لهم حصصاً للقراءة العلاجية، يتعلمون فيها الأحرف والتهجئة وتركيب الجمل، كما يحضرون الصفوف النظامية. وهذه الحصص العلاجية عبارة عن دروس تعليمية تعويضية تدعمها المنظمات غالباً، وتمهد لمعاملة الطلاب العائدين مثل الباقين. تقدم المدرسة أيضاً مساعدة في جميع المجالات والإمكانيات المتوفرة بالتعاون مع الأهل. ومن يملكون القدرات المادية يستطيعون تسجيل أطفالهم في دورات خاصة تسمح لهم بتلافي التقصير اللغوي في أسرع وقت".
ويشير إلى أن "عملية دمج الأطفال في البيئة الجديدة وإدراجهم في الأنظمة المدرسية والمجتمعية الجديدة عملية تتطلب تعاون الأهل والمدرسة لتخطي احتمال تعرّض الطلاب لأي مشاكل وحلّها بسرعة. وعموماً ليست اللغة العربية جديدة على الأطفال لأنها لغتهم المحكية، لكنّ لديهم ضعفاً في القواعد والقراءة والكتابة كونهم كانوا يدرسون بلغات أخرى مختلفة".
يتابع أن "هناك حالات نادرة لطلاب جاؤوا من أوروبا كانوا قد هاجروا منذ طفولتهم أو وُلدوا فيها، ولا يتحدثون العربية أبداً، وتعتبر لغتهم العربية ثقيلة جداً. ويعمل أهل هؤلاء الطلاب على توفير دورات خاصة لأبنائهم أو تسجيلهم في مدارس خاصة كي يستطيعوا دخول المناهج".
وفي مثال آخر على التأقلم الدراسي الصعب للطلاب السوريين الذين عادوا من الخارج، أنهت صفاء بكور التي تتحدر من القصير بمدينة حمص دراسة المرحلة الثانوية في تركيا، حيث مكثت عائلتها أكثر من تسع سنوات، ثم عادت مرغمة إلى سورية بسبب عرقلة الأوراق الثبوتية لعائلتها وترحيل شقيقيها، وأكملت دراستها باختصاص التغذية التجميلية الذي درّسته للمرة الأولى جامعات خاصة شمال غربي سورية.
وتقول لـ"العربي الجديد": "قُبلتُ في جامعة ماري الخاصة ببلدة حزانو في مدينة إدلب بعد معادلة شهادتي الثانوية، وإجراء امتحان معياري. وبلغت قيمة القسط 800 دولار سنوياً، وهو مبلغ مقبول بالنسبة إلى أقساط الجامعات الحكومية في مدينة إدلب، وكذلك بالنسبة إلى رسوم الدراسة في جامعات تابعة لتركيا تبعد أكثر من ثلاث ساعات عن مدينة إدلب حيث أسكن، في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية السيئة السائدة. لكن المشكلة التي أواجهها هي عدم الاعتراف بجامعات الشمال السوري إلا في مناطق سيطرة المعارضة، ما يحبط عزيمتي على إكمال الدراسة، وكذلك العودة إلى الدراسة باللغة العربية بعدما انقطعت عنها طوال فترة دراستي في تركيا. حالياً لا أملك خياراً آخر، وآمل أن يُعترفَ بهذه الجامعات لاحقاً".
من جهته، يقول مدير التربية والتعليم في مدينة إدلب أحمد الحسن لـ"العربي الجديد": "تعمل مديرية التربية والتعليم في مدينة إدلب على استيعاب جميع الطلاب من دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى. وقد عاد عدد كبير منهم لمتابعة الدراسة مع بداية العام الدراسي الحالي، ما خلق اكتظاظاً كبيراً في الصفوف التي تضم غرف بعضها أكثر من 50 طالباً، علماً أن بعضها في خيم". يتابع: "تسعى المديرية بعد إحصاء عدد الطلاب العائدين الذين يحتاجون إلى تقوية في اللغة العربية إلى مساعدتهم في تلافي التقصير والالتحاق بزملائهم في المدارس. وقد بلغ عدد الطلاب من خارج المناطق المحررة، من تركيا ولبنان 2014، وهو عدد قابل للزيادة مع استمرار توافد أهلنا النازحين من الخارج. ويتم الاعتراف بالشهادات ومعادلتها في حال توفر وثائق".
ويقول الاختصاصي الاجتماعي عادل قطف لـ"العربي الجديد": "شهدت المناطق المحررة في الشمال السوري في الآونة الأخيرة عودة آلاف العائلات التي كانت لجأت إلى الأراضي التركية خلال سنوات الحرب الـ14 التي جعلت جيلاً كاملاً من الأطفال يترعرعون في مدارس بتركيا أو لبنان أو دول أوروبية، ويبتعدون بالتالي عن لغتهم العربية. ولهذه الأسباب تخلق عودة هؤلاء الأطفال برفقة عائلاتهم إلى الشمال السوري مشاكل جوهرية بشأن الأساليب التي يجب أن يتبعها الأهل ومسؤولو المدارس والقيمون على المنظمات الإنسانية لتهيئة الظروف المناسبة من أجل تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم تمهيداً لتحفيزهم على متابعة التعليم وصولاً إلى المستقبل المشرق".
يتابع: "يجب التنبه إلى المسؤولية الملقاة على عاتق الجهات المسؤولة عن رعاية أطفال رحلوا من بلدان آمنة يعيش فيها المواطنون والمقيمون حياة طبيعية، وانتقلوا إلى مناطق غير مستقرة تشوبها توترات وشبه انعدام للأمن ولا تتوفر فيها الأساليب والوسائل التعليمية والترفيهية التي كانوا يتمتعون فيها في بلدان اللجوء.
يضيف: "يجب أن نبدأ من الأهل باعتبار أن البيئة التي يعيش فيها الأطفال بين آبائهم تخلق حوافز مهمة لمنحهم الثقة بالنفس رغم الظروف القاسية، وذلك من خلال تهيئة الظروف المناسبة لهم التي تتطلب بذل الآباء جهوداً مضاعفة لتعليمهم اللغة الأم، ومساعدتهم في تذليل أي عقبة تواجههم خلال المرحلة الأولى. كذلك يجب أن يخصص الأهل وقتاً أطول من المعتاد للأطفال، لمساعدتهم في تنمية قدراتهم التعليمية من خلال المواقع التعليمية والتوعية الموجودة على الإنترنت الذي يتضمن مئات من المنصات المجانية، يمكن أن تساعد الأهل والأطفال في اجتياز هذه المرحلة الصعبة. وبالنسبة للكادر التعليمي، فيجب اتباع أساليب محفّزة من خلال وضع الطلاب العائدين في صفوف منفصلة خلال الفترة الأولى من أجل تكثيف الدروس الخاصة الممنوحة إليهم، خاصة للغة العربية، كما هو الحال مع اللاجئين في البلدان الأوروبية. وتؤدي المنظمات التربوية والإنسانية كذلك دوراً مهماً في تنظيم دورات للتوعية والترفيه تراعي الضغوط النفسية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال خلال مرحلة اندماجهم في المجتمع الجديد الذي انتقلوا إليه".