تغص المشافي في مختلف المناطق السورية، سواء التابعة لسيطرة النظام أو المعارضة أو الإدارة الذاتية، بمئات المصابين من جراء الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وأثر على عدة محافظات سورية، لاسيما مناطق الشمال الغربي.
في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، تستقبل المشافي المصابين والناجين الذين يتم إخراجهم من تحت الأنقاض، في ظل إمكانيات متواضعة. زارت "العربي الجديد" عدداً من مشافي محافظة إدلب، ورصدت أعداد المصابين الذين قضوا ليلة الزلزال الأولى، ولا تزال سيارات الإسعاف التابعة للدفاع المدني والمشافي والمؤسسات الطبية تنقل المزيد من المتضررين إلى المشافي.
يقول الطبيب المقيم بقسم العناية المشددة في مشفى إدلب المركزي، يحيى الشيخ، إن "أعداد المصابين كبيرة، ولا يمكن أن تستوعبها المشافي، والمشفى الذي أعمل به وصل إليه 140 مصاباً، بينما لا يمكنه استيعاب نصف هذا العدد"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "النقص يطاول كل شيء، من الكادر إلى المعدات والأدوية، وبعض الحالات تحتاج إلى عنصر طبي متفرغ لمراقبتها على مدار 24 ساعة، أو عمليات جراحية دقيقة لإنقاذها. تدعم منظمة (سامز) 6 مشاف مثلنا، وبلغ عدد المصابين المتوافدين عليها نحو 900 مصاب، وهو عدد يفوق ضعف طاقتها الاستيعابية، ومثلها أغلب مشافي مناطق شمال وغرب سورية، ونطالب بدعم دولي لرفد القطاع الطبي بالمساعدات".
ويشير مدير إدارة الرعاية الأولية في مديرية صحة إدلب التابعة للمعارضة، دريد الرحمون، إلى أن مناطق شمال وغرب سورية تعتمد على المساعدات الخارجية منذ 11 سنة، ما يجعل القدرات متواضعة أمام حجم الكارثة. موضحاً: "لا توجد مشكلة بالكوادر، فقد دربنا طوال الأعوام الماضية الكثير من الكوادر الطبية، لكن حالياً لدينا نقص في المستلزمات التشغيلية، ويكفي أن نقول إن حجم التدفق على المشافي بلغ 400 في المائة من قدرتها الاستعابية ليتضح حج الاحتياجات. نطلب المحروقات لاستمرار تشغيل الكهرباء والأجهزة، ونحتاج إلى الأدوية والأدوات الجراحية والمعدات، بالإضافة إلى المواد الطبية اللازمة للإسعافات الأولية".
وكشف الرحمون أنه "بعد ساعات من الزلزال الأول، تشكلت خلية أزمة في مديرية صحة إدلب، مهمتها معرفة الاحتياجات عبر التواصل مع إدارات المشافي والمراكز الصحية، ثم التواصل مع الجهات المانحة، ونتج عن ذلك تأمين أكثر من 20 في المائة من الاحتياجات، وهناك تواصل مستمر مع تركيا لتوفير المستلزمات الأساسية لمشافي مناطق شمال غرب سورية، وكذا عدد من الدول والمنظمات المانحة".
استفاق محمد بكور في المشفى، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أنه لا يتذكر أي شيء مما حدث، ويقول والده الذي نجا أيضاً من تحت الأنقاض: "عائلتي المكونة من ثمانية أفراد نجت من الموت بعد انهيار المنزل بالكامل. تولى أهالي القرية إنقاذنا، وقاموا بنقلنا إلى المستشفى".
في مناطق سيطرة النظام التي تعرضت لأضرار الزلزال، مثل اللاذقية وحلب وحماة وطرطوس، بلغت المشافي طاقتها الاستيعابية القصوى، إذ لم تعهد في السابق استقبال هذه الأعداد من الإصابات والحالات الحرجة، كما خلفت سنوات الحرب دماراً واسعاً في القطاع الصحي، فضلاً عن النقص الكبير في الكوادر الطبية نتيجة الهجرة.
كان الطبيب بشار قصير مناوباً في أحد مشافي حلب عند حدوث الزلزال، ويقول: "لم أستوعب للحظات ما يحصل. كان همي الأول الاطمئنان على عائلتي، ولا أنكر أنني فكرت للحظات في مغادرة المشفى للاطمئنان على أهلي، لكنني قررت سريعاً البقاء لإسعاف المصابين. في الساعات الأولى، كان كل شيء قاسيا. المصابون في ممرات المشفى، والمرافقون كالعادة يريد كل منهم إسعاف مصابه أولاً، وأقسام الإسعاف والعناية المركزة لا تكفي الأعداد، كما أننا غير مؤهلين لاستقبال الحالات الناتجة عن الكوارث، على الرغم من أننا الأفضل من ناحية التجهيزات".
استعانت مشافي حماة بأعداد من طلبة الطب والتمريض لسد النقص في الكادر الطبي، ونشطت جمعيات إغاثية في إيصال الأدوية والمستلزمات للمصابين، فالكارثة لم تكن فقط في المشافي، بل تعدتها إلى إصابات ناتجة عن الهلع، والبرودة الشديدة. يقول حسان العلي، من حماة، لـ"العربي الجديد": "أصيبت والدتي بجلطة نتيجة الرعب، فانطلقنا بها إلى أحد المشافي، وبعد الوصول، نصحنا أحد الأطباء بنقلها إلى دمشق، فتحركنا فوراً، لكن لم تستقبلنا مشفى المجتهد لعدم وجود جهاز تخطيط عصب دماغي، فانتقلنا إلى مشفى المواساة العام، وهناك كان علينا الانتظار للحصول على دور للتصوير، ثم امتنعت إدارة المشفى عن استقبالنا بحجة عدم وجود أسرة كافية، فلم يكن أمامنا من حل سوى الذهاب إلى مشفى خاص".
استقبل مشفى حلب الجامعي خلال الساعات الأولى 37 وفاة و117 إصابة ناتجة عن الزلزال، من بينها 18 حالة تحتاج إلى العناية المشددة. يقول الناشط المدني وليد جليلاتي لـ"العربي الجديد": "قمت بإسعاف أحد المصابين إلى المشفى، وهناك وقفت عاجزاً أمام هول المشهد، فالمصابون على الأرض، والممرضون يتراكضون بينهم لإسعافهم، والمرافقون يحملون بعض المحاليل والأدوية، وبعضهم يتنقلون بين المشفى والصيدليات المجاورة لإحضار أنواع من المستلزمات الطبية والأدوية المفقودة في المشفى".
كان لإسعاف الهلال الاحمر السوري الدور الأهم في نقل المصابين إلى مشافي المحافظات المنكوبة، وقامت كوادره ذات الخبرة، وسياراته التي تزيد عن الأربعين بنقل أعداد كبيرة، خاصة في مدينتي حماة وطرطوس. استقبلت مشافي حماة في الساعات الأولى بعد الزلزال 43 وفاة و75 إصابة توزعت على مشافي حماه العام والسقيلبية والعموري والبدر، وكانت معظم الإصابات من مناطق حي الأربعين والعليليات وجنوب الملعب وحارة السمك وغرب المشتل وقصور.
يقول السيد عبد القادر، وهو أحد مصابي الزلزال في حلب، لـ"العربي الجديد": "استطعت أنا وزوجتى واثنتان من بناتي الخروج من المنزل قبيل انهياره. لكن ابني البالغ من العمر 13 سنة لم يستطع الخروج، فقد غمرته الأنقاض، لتبدأ معاناتي في البحث عنه مع فرق الدفاع المدني. لهفتي لإنقاذه جعلتني أنبش الركام بيدي، ةللحظات لم أكن أشعر بجسدي، ليس من البرد فحسب، بل من خوفي أن يكون ولدي الوحيد فارق الحياة. كنت أتخيله يستغيث بي، وأتخيل أن أعانقه حياً. لكن لم يشأ الله أن يكون ابني من بين الناجين".
ويقول علي محمد، المتطوع في فرق الإغاثة بمحافظة اللاذقية: "لا تستطيع أن تحبس دموعك عندما ترى المنكوبين بسبب الكارثة المأساوية التي لم ترحم بشراً ولا حجراً. الحالات كثيرة، وكلها حزينة، لكن أكثر الحالات التي استثارت مشاعري كانت لفتاة فقدت جميع ذويها، إذ لم يخرج أحد منهم حياً من تحت الأنقاض، فلم تفارق الدموع عيناها، ولم تكف عن النحيب والصراخ. لم تكن تريد أن تصدق المأساة الجديدة التي تضاف إلى مآسي هذا الشعب الذي باتت كل حياته أحزانا".
في شمال شرق سورية، حيث المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية، لم يكن تأثير الزلزال عنيفاً مقارنة مع محافظات أخرى، إذ اقتصرت الأضرار على بعض الإصابات وبعض الأضرار المادية، لكن المخاوف كانت حاضرة لدى الأهالي، وكذا أفراد القطاع الطبي من حدوث هزات ارتدادية عنيفة.
ويقول المتطوع في الهلال الأحمر الكردي، علي حسن، لـ"العربي الجديد": "ركزنا جهودنا على تجهيز مراكز إيواء، وكلها عبارة عن خيام بعيدة عن الأماكن السكنية، ومجهزة بطواقم طبية وإسعافية استعداداً لأي طارئ، ووفرنا جميع الإمكانات".
ويشير الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي في إقليم الجزيرة، طلعت يونس، إلى أن الإدارة الذاتية استعدت لمواجهة أية حوادث قد تنتج عن الهزات الارتدادية، موضحاً لـ"العربي الجديد": "جميع فرق الطوارئ في حالة تأهب، وكذا جميع مؤسسات الإدارة الذاتية، وجميع الفرق الطبية والإسعافية والمؤسسات الخدمية في حالة استنفار قصوى على مدار الساعة".
شارك في التغطية: عامر السيد علي – ليث أبي نادر – سلام حسن