يُعيق ارتفاع أسعار الأدوية بشكل مستمر حصول مرضى في إدلب الواقعة في شمال سورية على احتياجاتهم من الأصناف الدوائية المختلفة، منها أدوية الأمراض المزمنة. وبات الحصول على الدواء عبئاً جديداً يضاف إلى قائمة لا تنتهي من الأعباء التي يتحملها أهالي إدلب. وأدّت الظروف التي تعيشها إدلب وواقع الاستيراد وتراجع قيمة الليرة التركية في مقابل الدولار الأميركي، إلى التلاعب بالأسعار في بعض الصيدليات ومستودعات التوزيع. ويؤدي التحكم بأسعار الدواء من قبل الصيادلة والفوضى الناجمة عن التلاعب بمواصفات الأدوية ونوعيتها سواء كانت وطنية أو تركية أو أوروبية، إلى انعدام الثقة بين المرضى والصيادلة، الذين أصبح هدف معظمهم الأساسي جني الأرباح على حساب نوعية الدواء.
وفوجئ المريض سليم الحبوش (55 عاماً)، وهو من أهالي مدينة حزانو شمال إدلب، بأسعار مختلفة لدواء ضغط الدم، ويقول إنه معتاد على تناول دواء السارتان لعلاج ارتفاع ضغط الدم. وفي كل مرة يذهب إلى الصيدلية لشرائه، يجد أن سعره تضاعف. كان يدفع سابقاً 10 ليرات تركية (الدولار يساوي 26 ليرة تركية)، وقد ارتفع سعره ليصبح 80 ليرة تركية.
من جهتها، تتحدث سلوى الديبو (32 عاماً) لـ "العربي الجديد" عن تلاعب الصيادلة بالأدوية وبيع أخرى بديلة بفعالية أقل في حال عدم توفر النوع المكتوب في الوصفة الطبية. وتقول إنها اكتشفت الأمر حين لم يستفد ابنها الذي كان يعاني من السعال التحسسي من الدواء. ولدى مراجعة الطبيب، أخبرها أن الدواء مخالف لما كتبه في الوصفة، فيما نفى الصيدلي أنه باعها الدواء.
وترى أن الصيدلي بات "تاجر حرب يضاف إلى قائمة التجار الذين يجنون الأرباح على حساب المرضى الذين واجهوا الحرب وتبعاتها من نزوح وفقر وغلاء وتشرد وأمراض".
من جهتها، تقول الصيدلانية صفاء الأزرق (30 عاماً) إن "الصيادلة يجلبون الدواء من خلال مندوب خاص في المنطقة يعمل لدى مديرية الصحة التابعة لحكومة الإنقاذ. والجهات التي يستعين بها المندوب هي شركات محلية مثل ريما فارما، أنس فارما، حكمة فارما، الشمال، MPI، إلا أنها لا تؤمن جميع الأدوية". تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد" أنه يجري العمل حالياً على فتح خطوط جديدة لتأمين الكريمات على أنواعها وغير ذلك.
وتوضح أن الشركات تطرح حوالي سبعين صنفاً دوائياً بحسب المعايير العالمية، الأمر الذي يساهم في تغطية النقص الكبير في الأدوية ويخفف من أعباء استيرادها. وتشير إلى أنهم يستدركون النقص من خلال مستودعات أدوية مرخصة تخضع لإشراف مديرية الصحة بإدلب، وتجلب الأدوية من مناطق النظام عبر ريف حلب الغربي. وتوضح أن هذه المستودعات تؤمن كافة أنواع الأدوية وبكميات كافية، لافتة إلى وجود مستودعات أدوية أخرى مصادرها تركية - أوروبية.
وعن أسعار الأدوية، تشير إلى أنها مضبوطة من خلال مديرية الصحة التابعة لوزارة الصحة في حكومة الإنقاذ، التي تحدد أسعار الدواء الوطني بشكل كامل وموحد، لكن يمكن التلاعب بسعر الدواء من قبل بعض الصيادلة حين يصل الدواء من مناطق النظام من دون تسعيرة واضحة أو بالليرة السورية، فيضع الصيدلاني السعر الذي يريده بالدولار الأميركي أو الليرة التركية. وكذلك الأمر في ما يتعلق بالأدوية الأوروبية التي يختلف سعرها بين صيدلاني وآخر نتيجة عدم توضيح سعر المنتج من قبل مديرية الصحة حتى الآن، نظراً لاختلاف المستورد والشركات. لكنه يجري العمل على تسعيرها من قبل مديرية الصحة في الفترات المقبلة. تتابع أن بعض الصيادلية يجنون أرباحاً إضافية تضاف إلى نسبة ربحهم القانونية وهي 35 في المائة من سعر الدواء.
وتمكنت بعض الجهات الداعمة للدواء، كالمنظمات الطبية الإنسانية ومديرية الصحة بإدلب، من المساهمة بتأمين كميات من الأدوية التي توزع بشكل مجاني على المرضى المراجعين لمراكزها ومستشفياتها في المنطقة.
إلا أن تلك المراكز نفدت كمياتها بعد توقف الدعم عنها، وباتت توزع العديد من أصناف الأدوية التركية التي يشكك الكثير من المواطنين بفعاليتها، كما يقول رامي الحسن (36 عاماً) وهو نازح من مدينة كفرنبل جنوب إدلب. يضيف: "أشعر أن الدواء التركي أقل فاعلية من السوري".
إلى ذلك، يشكو البعض توزيع أدوية منتهية الصلاحية، أو امتناع مسؤولي الصيدليات المجانية عن إعطاء الأدوية الموجودة في الوصفات الطبية على الرغم من توفرها، ما يضطر المريض للتوجه إلى الصيدليات الخاصة. هذا ما حدث مع رانيا الشيخ (28 عاماً) التي لم تحصل إلا على صنف واحد من الأدوية المجانية التي وصفها لها الطبيب، لتضطر إلى جلب أنواع أخرى من الأدوية من الصيدليات الخاصة وعلى نفقتها الخاصة، على الرغم من توفرها داخل الصيدلية المجانية على حد تعبيرها.
وتتّهم الصيدليات المجانية بوجود محسوبيات في عملية توزيع الدواء المجاني، وعادة ما يمتنعون عن توزيعه للمحتاجين فتنتهي صلاحيته ويفضلون إتلافه على أن يتم توزيعه على المرضى الفقراء.
في المقابل، تنفي مسؤولة توزيع الدواء المجاني في مركز الدانا الصحي مرام المحمد (30 عاماً) أن يكون هناك محسوبيات في توزيع الأدوية، مؤكدة أن المستفيدين هم جميع المرضى المراجعين للمركز من الطبقة العامة من دون استثناء، والذين يحصلون على وصفة طبية من طبيب المركز الذي يقيم الحالة المرضية ويصف لها الدواء المناسب. وتؤكد أن صيدلية المركز كانت تحوي كافة أنواع الأدوية مع تفاوت في الكميات، إلا أن تضاؤل الدعم المقدم للقطاع الصحي مؤخراً ساهم في تراجع الكميات. وتقول لـ "العربي الجديد" إن هناك محاولات لاستقطاب الدعم لا تعلم مدى نجاحها في إنقاذ الواقع الدوائي المجاني في المنطقة.
وعن جودة أنواع الأدوية التركية التي توزع بكثرة على الصيدليات المجانية، تقول إن "الدواء التركي أثبت فاعلية أكبر من غيره، وتعود فكرة الناس المغلوطة عنه إلى لجوء التجار وأصحاب المستودعات إلى جلب أنواع رخيصة أو رديئة أو حتى قريبة انتهاء الصلاحية بالاتفاق مع أصحاب معامل الأدوية في تركيا للحصول عليها بسعر أقل، وكسب مناقصة الشراء على حساب الجودة، لكن هذا الأمر غير موجود حالياً بعد فرض المعنيين قيوداً وشروطاً على من يستورد الأدوية ونوعيتها".