تنطلق في لبنان خلال الفترة المقبلة، أولى مراحل علاج مجموعة من أطفال غزة الذين تعرّضوا لإصابات بليغة أو يعانون حالات حرجة، ضمن جهود "صندوق غسان أبو ستة للأطفال"، وهو الصندوق الذي تأسّس حديثاً بمبادرة إنسانية من مؤسّسي "متحف نابو" للآثار والطبيب الفلسطيني البريطاني غسان أبو ستة ومجموعات من أصدقاء الشعب الفلسطيني.
تهدف المبادرة إلى تقديم الدعم الطبي اللازم لأطفال غزة الجرحى الذين سبّبت إصاباتهم فقدان الأطراف أو أعضاء الجسد، وغيرها من الحالات التي تستدعي عمليات بتر، أو المصابين في العينين أو الفم والأنف أو الأذنين.
وتكشف إحدى مؤسّسي الصندوق المحللة النفسية، دانيا دندشلي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن المبادرة انطلقت في مطلع العام الحالي، وحظيت بتفاعل عالمي يُظهر مدى التعاطف مع الأزمة الإنسانية الكبيرة التي يتعرض لها سكان غزة في ظل العدوان الإسرائيلي. مضيفة: "بدأنا جمع التبرعات من كل أنحاء العالم، وفي انتظار مبالغ أكبر من المانحين عند انطلاق المشروع رسمياً، وستشمل المرحلة الأولى علاج مجموعة من أطفال غزة في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، على أن يتم التعاقد مع مستشفيات أخرى في مرحلة لاحقة، وكل ذلك سيحدده عدد الأطفال الذين يمكن نقلهم إلى لبنان لعلاجهم".
يهدف صندوق غسان أبو ستة للأطفال إلى تقديم الدعم الطبي والنفسي
وتوضح دندشلي أن "معايير الاختيار تستند إلى كون الحالات من بين الأكثر حرجاً من ناحية الحاجة إلى جراحات ترميمية أو تأهيلية نتيجة بتر الأعضاء، أو نوع الإصابة ومكانها. ستركز المبادرة على إيلاء الاهتمام لهؤلاء الأطفال من مرحلة ما قبل وصولهم إلى لبنان إلى عودتهم إلى قطاع غزة، سواء لناحية العمليات الجراحية والترميمية، أو الرعاية الصحية اللازمة، أو خدمات التأهيل الجسدي والدعم النفسي، فضلاً عن التدريب التعليمي الاجتماعي، وتعزيز القدرات على تقبّل الجسد بشكله الجديد، من أجل إعادة دمج هؤلاء الأطفال في مجتمعهم ومحيطهم، وسيقوم بذلك مرشدون تربويون ومعالجون نفسيون ومعلمات ومعلمون، وفق حاجة كل طفل وعمره، وبحسب وضعه الصحي، وقد أعرب عدد كبير من المتخصصين عن رغبتهم في التطوع للتعاون معنا في مساعدة هؤلاء الأطفال وتمكينهم، سواء خلال وجودهم في المستشفى، أو في مكان إقامتهم ضمن شقق سكنية في العاصمة بيروت، أو لدى عائلات لبنانية".
تضيف المحللة النفسية اللبنانية: "المبادرة تنشد تحفيز هؤلاء الأطفال كي لا يتخلوا عن أهدافهم وأحلامهم رغم الظروف الصعبة التي سيتعرضون لها، وتسعى إلى إحياء روح العلم والدراسة في نفوسهم، وتشعرهم كأن العام الدراسي متواصل، كي يكون لدى كل طفل هدف أكبر يشغله عن التفكير بمأساته، فيشعر عندها أن الحياة مستمرة، ويقتنع أنه لا يجوز الاستسلام لواقع أنه مريض يخضع للعلاج، وأن الحياة لا تزال في انتظاره. الهدف ليس إخراج الأطفال من غزة، وإنما إعادتهم إليها في وضع صحي ونفسي أفضل، ولا سيما بعد أن دمّرت إسرائيل الخدمات الصحية في القطاع".
وتتحدث دندشلي عن آلية العمل في المرحلة الأولى، قائلة: "سيأتي كل طفل مع أحد أفراد عائلته، سواء الأم أو الأب أو الأخ أو الجدة، أو من بقي منهم على قيد الحياة. سننسّق مع الهلال الأحمر الفلسطيني والهلال الأحمر المصري لإخراج بعض الحالات الموجودة داخل غزة، ومع وزارة الصحة المصرية والهلال الأحمر المصري للحالات الموجودة في المستشفيات المصرية التي تستدعي علاجاً متقدماً، وقد اخترنا لبنان كونه من البلدان المؤهلة للتعامل مع جروح الحرب وإصاباتها".
تضيف: "سنكون في استقبال هؤلاء الأطفال، وسيتكفل عناصر الصليب الأحمر اللبناني بنقلهم إلى المستشفيات، إذ إن بعضهم سيحتاجون إلى عمليات جراحية متعددة متتالية، بمعدل من 8 إلى 12 عملية، قبل أن تلتئم جروح جسده، وتواصل عظامه النمو، وسيبقى الأطفال في لبنان ما بين شهرين وستة أشهر لحين تحسّن حالاتهم، وبعضهم قد يكرر المغادرة والعودة إلى حين إتمام كل العمليات الجراحية اللازمة لحالته، أو إلى حين الانتهاء من مراحل التأهيل الجسدي والنفسي، وبعدها يعود نهائياً إلى أحضان عائلته في غزة".
تختم دندشلي بالإشارة إلى أن "الطبيب غسان أبو ستة سيتولى الإشراف المباشر على اختيار الحالات الحرجة التي تتطلب النقل إلى بيروت، وهو جزء من الفريق الطبي المعالج، وسيشارك في إجراء العمليات الجراحية إذا أتيحت له الظروف، كما أنه سيكون في لبنان لدى وصول أول دفعة من الأطفال المصابين، ومن المرجّح أن تصل المجموعة الأولى خلال شهر رمضان المبارك في حال سارت الإجراءات كما هو مخطط لها".