لم يشفع للناشطة الفلسطينية شيرين الأعرج (48 عاماً) وأصلها من قرية الولجة جنوب غربي مدينة القدس المحتلة، عملها في مجال حقوق الإنسان مع منظمة الأمم المتحدة، إذ طاولتها يد الاحتلال الإسرائيلي بالاعتقال في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد أقل من أسبوعين على وصولها إلى منزلها في مدينة القدس، آتية من تركيا.
يتهم الاحتلال شيرين الأعرج التي تعمل من تركيا، منذ نحو عامين مع مفوضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، اتهامات ثلاثة هي: "العمل مع تنظيم مُعادٍ، وتقديم خدمات لهذا التنظيم، والتخابر مع العدو" بحسب ما يؤكد لـ"العربي الجديد" شقيقها، المحامي خالد الأعرج. يقول الأعرج: "شيرين محتجزة منذ تاريخ اعتقالها في عزل مركز تحقيق بتاح تكفا، الإسرائيلي، ومنع الاحتلال محاميها أو عائلتها من زيارتها، ويتهمها الاحتلال بالتواصل مع تنظيمٍ مُعادٍ، ولا تتوفر لدينا أيّ تفاصيل حول الاتهامات الموجهة إليها".
تحمل شيرين الأعرج البطاقة الشخصية المقدسية، وجواز سفر دبلوماسياً تمنحه الأمم المُتحدة لموظفيها والعاملين في بعثاتها حول العالم، وخشيةً من محاميها من خسارتها البطاقة المقدسية، فقد دعاها للمجيء من تركيا، لتجديد أوراق الإقامة، وقُبيل انتهاء مدة الحجر الصحي (14 يوماً)، أخبرتها شرطة الاحتلال الإسرائيلي عبر اتصالٍ هاتفي، بضرورة التوجه إلى المحكمة بدلاً من الشرطة، وقد فعلت في اليوم التالي برفقة محاميها. يوضح الأعرج أنّ خمسة من أفراد جهاز استخبارات الاحتلال (شاباك) هاجموا شقيقته شيرين أمام "محكمة الصلح" الإسرائيلية في القدس، بطريقة يصفها بـ"الاستعراضية والقذرة" قبيل اعتقالها، وذلك بعد إنهائها جلسة المحاكمة الأولى بالاتهامات الموجهة إليها.
مدد الاحتلال اعتقال الموظفة الأُممية مرتين منذ تاريخ اعتقالها، ومن المُقرر أن ينتهي منع زيارتها غداً الخميس، فيما تطالب عائلتها بالإفراج الفوري عنها، والتعامل بجدية أكثر مع قضية اعتقالها، والسماح للمحامي بزيارتها، وهو ما سيحصل في حال وافق المستشار القانوني لحكومة الاحتلال على ذلك وفق ما تؤكد عائلتها.
شيرين الأعرج عُرفت بنشاطها المُكثف ضد الاستيطان في الضفة الغربية، واعتقلها الاحتلال مرات عدة، لفترات قصيرة، قد لا تتجاوز الساعات أحياناً. وهي عمة الشهيد باسل الأعرج، الذي قتلته قوات الاحتلال قبل نحو أربعة أعوام، وقد عملت في أماكن نزاعات عدة ضمن بعثات الأمم المتحدة، مثل دارفور في السودان وسورية.
اعتقال شيرين دفع بالمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان للقول إنّه ينظر بعين القلق لاعتقال موظفة أممية، داعياً إلى التدخل الحاسم من قبل الأمم المتحدة للإفراج عنها، إذ قال المستشار القانوني لدى المرصد الأورومتوسطي محمد عماد: "اعتقال السلطات الإسرائيلية الموظفة الأممية شيرين الأعرج، إجراء مقلق يستوجب تحركاً جاداً من الأمم المتحدة والأجهزة المعنية، خصوصاً أنّ خلفية الاعتقال والاتهامات الموجهة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك تعمّد السلطات الإسرائيلية خرق القواعد القانونية الدولية التي توفر الحماية الخاصة لموظفي الأمم المتحدة والوكالات المنبثقة عنها، وهو ما يمثل تحدياً واضحاً للاتفاقات الصادرة عنها في مجال الحصانة الدبلوماسية والقانونية لتلك الفئات". وشدد عماد على ضرورة عدم السماح لما حدث مع الأعرج بـ"المرور دون محاسبة" مؤكداً على الحاجة إلى تدخل حاسم من الأمم المتحدة، وعدم السماح لإسرائيل بالاستمرار في تعدّيها على الحقوق المكفولة للموظفين الأمميين.
وذكر المرصد الأورومتوسطي أنّ اعتقال الأعرج، يخالف العديد من الاتفاقيات الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللذين يحظران الاعتقال التعسفي والتوقيف من دون أساس قانوني، كما يعارض هذا السلوك ما ورد في الاتفاقية الخاصة بشأن سلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، إذ نصت المادة السابعة من الاتفاقية على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، وبوجه خاص، تتخذ الدول الأطراف جميع الخطوات المناسبة لحماية موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، في إقليمها". وطالب المرصد الأورومتوسطي السلطات الإسرائيلية بالإفراج الفوري غير المشروط عن الناشطة والموظفة الأُممية شيرين الأعرج، واحترام القواعد القانونية الخاصة بحماية موظفي الأمم المتحدة، كما دعا الأجهزة المختصة في الأمم المتحدة إلى التحقيق في الحادثة، وإلزام إسرائيل بتقديم توضيحات حول ملاحقتها الموظفين الأمميين في الأراضي الفلسطينية.