سياسة الهجرة واللجوء... توافق أوروبي منتظر على التشدّد

30 سبتمبر 2023
وصلوا إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية (زكريا عبد الكافي/ فرانس برس)
+ الخط -

مع استمرار قوارب الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، ترفع كل من إيطاليا واليونان الصوت عالياً طلباً لنجدة دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة وصول عشرات آلاف المهاجرين. في المقابل، تعرقل دول أخرى اعتماد سياسة لجوء أوروبية شبه موحدة، من بينها المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، وغيرها من الدول في شمال القارة. أول من أمس الخميس، تقدّم الأوروبيون خطوات إضافية نحو الدفع بمقترحاتهم ليتبناها البرلمان الأوروبي. وأعرب مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن تفاؤلهم حيال إمكانية توصل التكتل إلى اتفاق بشأن إصلاح سياسة الهجرة، بعدما أكّدت ألمانيا تأييدها لها. وقال المفوّض مارغريتيس سخيناس لدى توجهه للمشاركة في اجتماع لوزراء داخلية الاتحاد الأوروبي: "نقترب حالياً من الاتفاق الكبير الذي تحتاجه أوروبا بعد سنوات عديدة من الإخفاقات". بدورها، قالت مفوّضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية يلفا يوهانسون: "آمل أن يتفقوا اليوم على الجزء الأخير من الاتفاق" الذي يعطّل تبنيه. 
وأمس، التقى قادة تسع دول متوسطية في الاتحاد الأوروبي في مالطا لتوحيد مواقفهم على صعيد الهجرة خصوصاً، مستندين إلى توافق غير متوقع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وعلى خلفية مفاوضات صعبة في بروكسل.
ويهدف الاتفاق الأوروبي المعدل إلى تخفيف الضغط على الدول الواقعة في خط المواجهة الأمامية مثل إيطاليا واليونان، من خلال نقل بعض الوافدين إلى دول أخرى في أعضاء الاتحاد. ويريد كل من ميلوني وماكرون أيضا تجنب انطلاق القوارب من شمال أفريقيا، من خلال العمل بشكل أوثق مع تونس، على الرغم من التساؤلات حول معايير حقوق الإنسان في هذا البلد وتعامله مع المهاجرين.
يُبرّر البعض القلق الأوروبي بسبب أزمة 2015 ـ 2016، حين وصل القارة أكثر من مليون إنسان، وكان نصيب ألمانيا والسويد منهم الأكبر. وخلال العام الحالي، وصل نحو 130 ألف إنسان عبر قوارب البحر الأبيض المتوسط نحو شواطئ إيطاليا، وقد استقبلت لامبيدوزا الإيطالية عشرات الآلاف، علماً أن عدد سكانها لا يتجاوز 6500 نسمة. 
وقضى أكثر من 2500 مهاجر أو فقدوا أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا منذ مطلع العام، كما أعلنت مديرة مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في نيويورك روفين مينيكديويلا. وقالت إنه "حتى 24 سبتمبر/ أيلول، تم إحصاء أكثر من 2500 شخص بين قتيل ومفقود". ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة تناهز 50 في المائة مقارنة بـ "1680 شخصاً خلال الفترة نفسها من عام 2022".  
وفي ظل غياب تطبيق سياسات موحدة بين الدول الأوروبية، زادت خلال الأشهر الأخيرة الخلافات في القارة العجوز. وبقيت التعهدات بتحمل مسؤوليات مشتركة وتوزيع اللاجئين تصطدم بتعنت بعض الدول. عام 2022، تقدّم نحو 962 ألف شخص بطلبات للجوء في أوروبا، هي الأكبر منذ 2016. وبحسب إحصاء وﻛﺎﻟﺔ اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ ﻟﻠﺠﻮء، فإنه حتى النصف الأول من هذا العام، تقدم 519 ألف شخص بطلبات للحصول على اللجوء في الاتحاد الأوروبي. وينتهي الأمر بمنح ما يزيد قليلاً عن نصف طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي حق الإقامة.
ويبدو أن قرار الدول الأوروبية مواجهة توقعات بأن يصل تدفق الهجرة إلى ما كان عليه عام 2015 قد اتخذ بالفعل. ميلوني أعربت مراراً عن امتعاضها من غياب الدعم الأوروبي. وانتهجت إيطاليا منذ سنوات سياسة البوابات المفتوحة أمام آلاف اللاجئين لمواصلة طريقهم نحو دول أوروبية وبريطانيا الخارجة من النادي الأوروبي منذ 2016.
واعتبرت ميلوني أن مواقف ألمانيا التي أعلن عنها خلال سبتمبر/ أيلول الماضي متناقضة. أغلقت حكومة المستشار أولاف شولتز الباب أمام القادمين من إيطاليا، وأصرت في الوقت نفسه على السماح للمنظمات غير الحكومية العمل في البحر الأبيض المتوسط لإنقاذ المهاجرين بسبب حوادث الغرق الكثيرة. وتدرك إيطاليا أن غالبية سفن الإنقاذ غير الحكومية ستتجه نحو شواطئ إيطاليا بشكل عام، وهو ما قد ينسف أرضية حكومة ميلوني المتشددة التي نجحت بخطاب يعد بوقف الهجرة في خريف العام الماضي. 

في المقابل، يواجه شولتز أزمة مزدوجة؛ فمن ناحية يرفض حزب الخضر الخطة الأوروبية القاضية من بين أمور أخرى بحبس طالبي اللجوء لنحو 10 أشهر أو 44 أسبوعاً أثناء دراسة طلباتهم. وفي الوقت نفسه، تظهر استطلاعات الرأي أن الحزب اليميني المتشدد البديل لأجل ألمانيا بات يكتسح الشارع، متقدماً في بعض الولايات على الاشتراكي الديمقراطي بسبب مواقفه من الهجرة واللجوء. 
وبحسب أرقام رسمية ألمانية، فإنه حتى نهاية أغسطس/ آب الماضي، زادت نسبة طلب اللجوء في البلاد بنحو 77 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي 2022، وسجل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين نحو 204 ألف طلب لجوء أولي. وتوقعت المعارضة، كما جاء على لسان زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي ماركوس سودر لصحيفة "أوغسبورغ ألغماينه"، ارتفاع الرقم في بقية أشهر العام الحالي إلى 400 ألف طلب، وسيكون هذا ثالث أعلى رقم يتم قياسه في الدولة الاتحادية بعد عام 2015.

إيطاليا (ستيفانو غويدي/ Getty)
إنتظار في جزيرة لامبيدوزا (ستيفانو غويدي/ Getty)

وتحدث المواقف الألمانية إرباكاً على مستوى القارة. وأعربت ميلوني عن "دهشتها" باتخاذ برلين موقفاً يدعم جهود سفن الإنقاذ غير الحكومية في المتوسط "من دون التنسيق مع الحكومة الإيطالية". في ذاكرة إيطاليا والدول المعارضة لسياسات القارة السابقة في استقبال المزيد من المهاجرين، وبينهم دول في شرق ووسط وشمال القارة، ما يطلق عليه "سياسة فتح الأبواب" التي انتهجتها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عام 2015، محملين إياها مسؤولية وصول مئات آلاف اللاجئين خلال فترة قصيرة أربكت السويد وألمانيا نفسها. وحصل الأمر نفسه في دول أقصى غرب القارة، كهولندا وبلجيكا، بالإضافة إلى تزايد محاولات الوصول إلى بريطانيا سواء عبر كاليه الفرنسية أو من خلال قوارب الهجرة وغيرها من دول لا تزال تتصلب في مواقفها.
إيطاليا التي تشعر بضغط اللجوء، وخصوصاً مع ارتفاع أرقام الواصلين حتى الآن إلى أكثر من 130 ألفاً، تستهجن كيف أن برلين راحت تغلق حدودها مع بولندا بحجة وقف تدفق اللاجئين عبرها، في وقت تبدو غير مكترثة حيال ما تقوله حكومة ميلوني عن "إغراق البلد بمهاجري القوارب"، بعدما أصبحت لامبيدوزا مصدراً لتدفق المهاجرين. ترغب إيطاليا بدعم أوروبي واضح بشأن الخطط الأوروبية التي ناقشها وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في بروكسل أول من أمس، وبصورة خاصة تلك المتعلقة بضبط الحدود الخارجية لأوروبا. وتتركّز مساعي إيطاليا واليونان وإسبانيا على المزيد من العمل، بعيداً عن رفض بعض الأطراف الأوروبية اتخاذ خطوات متشددة يرونها تقترب من حافة انتهاك المواثيق الدولية بشأن حق طلب اللجوء. 

أُنقذوا من الموت (مانويل رومانو/ Getty)
أُنقذوا من الموت (مانويل رومانو/ Getty)

الدول المؤيدة لمواقف متشددة من الهجرة تضغط أيضاً في سبيل ما يسمى "عمليات الصد"، أي طرد القادمين بأنفسهم إلى حدود أوروبا. ويعول هؤلاء على مواقف المحافظين واليمين القومي في برلمان الاتحاد الأوروبي، الذي يتوجب عليه تمرير أية خطة لإصلاح سياسات الهجرة قبل أن تصبح نافذة في وقت لاحق من هذا العام أو بداية العام المقبل. ومع أن المحادثات حملت نبرة تفاؤلية، يرجح أن تستمر النقاشات الأوروبية بهدف تبني الإصلاحات في اتفاق الهجرة.
وتتضمّن خطط الإصلاح في نظام اللجوء تسريع عمليات ترحيل المرفوضين. ووفقاً لأرقام البرلمان الأوروبي، لا تجري إعادة سوى ربع الذين رفضوا في أوروبا. وحتى الآن، لا تزال القارة تُعاني لإرجاع مئات آلاف الذين يعتبرون مقيمين غير قانونيين، وخصوصاً من الجزائر والمغرب وباكستان. 
وفي حال استطاع الأوروبيون الاتفاق على نقاط الاختلاف والدفع بخطتهم الجديدة إلى البرلمان الأوروبي، فسيكون لذلك تأثيره على الحد من تدفق المهاجرين إلى الداخل الأوروبي. وتقضي الخطة بتسريع الإجراءات ودراسة القضايا على حدود القارة، بهدف الحسم والإعادة السريعة لمن تكون فرصهم ضئيلة في الحصول على اللجوء. وتذهب الخطة الأوروبية نحو إصلاح جذري لعمليات دراسة ملفات الوافدين الجدد، بما يشمل دراسة أمنية وصحية وتسجيل في قاعدة بيانات أوروبية "يوروداك". ونظام يوروداك هو حجر الزاوية لاتفاقية دبلن، فعندما يطلب شخص ما اللجوء، بغض النظر عن مكان وجوده في الاتحاد الأوروبي، يتم تخزين بصمات أصابعه على النظام المركزي يوروداك.
والهدف من هذا النظام هو تسهيل تحديد البلد الأوروبي المسؤول عن البت بطلب اللجوء، والتأكد من أن الناس لا يقدمون طلبات اللجوء في بلدان متعددة، وهو ما يعرف أحياناً بـ"التسوق لطلب اللجوء".

وعانت أوروبا خلال سنوات أزمة اللجوء بسبب تطبيق معاهدة دبلن، وهي حجر زاوية سياسات اللجوء الأوروبية. وسابقاً، كان يعاد الشخص إلى البلد الآمن الذي وصله في القارة. وفي وقت تجاوزت ألمانيا هذا الإجراء في كثير من الحالات، عانت السويد وغيرها من الدول بسببه. وعليه، يجري التركيز الآن على مسألة التحقق الصارم من الهويات والبصمات في قاعدة بيانات متاحة سريعاً لجميع المعنيين بمسائل دراسة طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي. 
واقترحت المفوضية الأوروبية، قبيل المفاوضات الأخيرة في بروكسل، تجميد نظام دبلن والعمل على توزيع اللاجئين بصورة جديدة تخفف عن الدول التي تعاني ضغطاً. ومع ذلك، فإن المقترحات في الخطة الأوروبية تبقي مسؤولية أخذ البصمات على الدولة الأولى التي يصلها طالب اللجوء. كما سيكون على دول الاتحاد الأوروبي مساعدة الدولة التي تطلب دعماً، كإيطاليا أو اليونان، في قضايا إعادة المرفوضين تحت مسمى "رعاية العودة". وتكون الدولة التي تساعد الأخرى مسؤولة عن التواصل مع سلطات الدولة الأصلية لأجل العودة الطوعية للمرفوضين خلال 8 أشهر. 
ومن أبرز ما يسعى إليه الأوروبيون في خططهم الجديدة، تبني سياسات التشدد البريطاني والدنماركي، لتكون المفوضية الأوروبية أمام مهمة "التعاون مع دولة ثالثة"، أي فتح مراكز ومعسكرات استقبال في دول خارج الاتحاد الأوروبي.  

المساهمون