سوريو تركيا... فرحة سريعة بالتحرير وعودة بطيئة

إسطنبول
عدنان عبد الرزاق
عدنان عبد الرزاق
عدنان عبد الرزاق مراسل العربي الجديد في سورية
20 ديسمبر 2024
لاجئون سوريون في تركيا يواصلون العودة لبلادهم عقب سقوط نظام الأسد
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتريث اللاجئون السوريون في تركيا في العودة إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد، مفضلين إنهاء ارتباطاتهم في تركيا مثل الممتلكات والعمل والدراسة. عاد 9000 سوري فقط خلال فترة قصيرة، بينما عاد 737 ألف سوري طوعاً منذ فتح باب العودة الطوعية.

- تتباين مواقف السوريين في تركيا بشأن العودة، حيث يفضل البعض البقاء بسبب الاستقرار، بينما يخطط آخرون للعودة بعد إنهاء ارتباطاتهم. الحكومة التركية أكدت أنها لن تجبر أحداً على العودة الإلزامية.

- يواجه اللاجئون تحديات اقتصادية تعوق عودتهم، ويقترح البعض تقديم دعم مالي للعائدين كما تفعل بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا والدنمارك، مما قد يشجع البعض على العودة.

يتريث معظم اللاجئين السوريين في تركيا في تنفيذ رغبة العودة إلى ديارهم لاستكمال إنهاء ارتباطاتهم بهذا البلد على صعيد الأملاك والموجودات والعمل وانتهاء العام الدراسي.

أثّرت جملة عوامل في الحجم الحالي المتوقع لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم بعد تحريرها وهروب رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، إذ لم تتجاوز أعداد من سلموا بطاقة الحماية المؤقتة وقرروا العودة نهائياً، عشرات الآلاف، فيما تحدثت الأرقام الرسمية التركية عن أعداد أقل.
وقال وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا: "بعد سقوط نظام الأسد، عاد 9000 سوري إلى بلدهم نهائياً خلال الفترة بين 6 و14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، علماً أن 737 ألف سوري سبق أن عادوا طوعاً وبشكل آمن وكريم منذ أن فتحت تركيا باب العودة الطوعية، بمعدل يناهز 11 ألفاً شهرياً. وهكذا هبط للمرة الأولى منذ عام 2015 عدد اللاجئين السوريين في تركيا عن 3 ملايين، وبلغ عدد الخاضعين للحماية المؤقتة مليونين و936,000". وأعلن زيادة الطاقة الاستيعابية للمعابر الحدودية مع سورية من 3 آلاف إلى 20 ألف شخص يومياً.
يقول المهندس محروس الخطيب الذي يُقيم في الريحانية على الحدود التركية السورية: "ارتفعت أعداد العائدين السوريين قليلاً خلال اليومين الماضيين بعدما تدبّروا أمور منازلهم ومفروشاتها، وأنهوا أوضاعهم في تركيا، فيما سهّلت السلطات التركية العودة عبر معابر باب السلامة وجرابلس وباب الهوى، كذلك فتحت معبر يايلاداغي - كسب لتجنب حدوث اكتظاظ على باقي المعابر. لكن معوقات العودة السريعة تبقى كثيرة، فالجميع تفاجأ بمساحات التحرير وسقوط نظام الأسد، لذا أتوقع أن تبدأ العودة الكثيفة بعد انتهاء العام الدراسي لمن لديه أولاد في المدارس التركية، أو بعد انقضاء فصل الشتاء حتى يتدبر بعضهم أمورهم وينهوا ارتباطاتهم ويبيعوا ممتلكاتهم".
ويقول العامل في قطاع الزيوت والصابون بولاية غازي عنتاب، عمر الحسين، لـ"العربي الجديد": "حسمت قرار العودة إلى سورية رغم أنني اعترف بما قدمه الأتراك طوال سنوات لجوئي الذي امتد منذ عام 2012، لكن الغربة أتعبتني، كذلك فإن الدخل الذي اتقاضاه من العمل 9 ساعات في معمل صابون أنفقه على إيجار المنزل الذي ارتفع من 6 آلاف ليرة تركية (171 دولاراً) إلى 12 ألف ليرة (342 دولاراً)، كما حال الفواتير ونفقات المعيشة. سأعود إلى سورية بعد عيد الفطر حين أنهي ارتباطاتي وأتدبر شؤون المنزل وأنقل المفروشات".  
أما محمد مرندي، المتحدر من حلب، فحسم أمره منذ أن سقط بشار الأسد وعاد إلى سورية مع زوجته وابنيه الصغيرين في 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعدما سلّم بيته المستأجر في غازي عنتاب. ويقول لـ"العربي الجديد": "ذهبت إلى معبر باب السلامة عند الساعة السابعة صباحاً، وفوجئت بوجود مئات، ولم أستطع العبور حتى السابعة مساءً بعدما سلمت بطاقة الكيملك، ووضعت البصمة على العودة الطوعية. كأن السوريين ناموا عند المعبر، و80 في المائة من العائدين عائلات".

يتوقع أن تبدأ عودة كثيفة للسوريين بعد انتهاء العام الدراسي في تركيا

من جهته، يقول عمار المتحدر من حلب لـ"العربي الجديد": "لا أفكر في العودة هذه الفترة لأنني لا أملك شيئاً في سورية. أتوقع أن يتحسن عملي وأجري هنا بعد عودة إخوتي السوريين، فيما تواصل ابنتاي دراستهما في تركيا، وقد اندمجتا في المجتمع التركي، علماً أن الجيران والزملاء في العمل لا يعاملوننا كلاجئين".
وبعد سقوط نظام الأسد، تعالت نبرة المعارضة التركية للمطالبة بعودة اللاجئين السوريين، ما دفع كثيرين إلى التفكير جدياً في تنفيذ هذا الأمر، لكن تصريح مسؤولين أتراك، في مقدمهم الرئيس رجب طيب اردوغان، بأنهم لن يجبروا أي سوري على العودة الإلزامية بدّل آراء كثيرين وجعلهم يتريثون، بحسب ما يقول بلال العبد الذي يقيم في ولاية غازي عنتاب، لـ"العربي الجديد".
ويرى المهندس محروس الخطيب أن التصريحات التي أدلى بها أردوغان ووزراء شكلت عوامل مهمة لتريث معظم السوريين في العودة قبل إنهاء ارتباطات تشمل الأملاك والموجودات والعمل وإنهاء العام الدراسي.
ويعبّر مدير بيت الإعلاميين العرب في تركيا، جلال ديميريل، عن حزنه لبدء فراق السوريين بعدما عمل وتعامل معهم نحو 13 سنة، ويصفه بأنه "رحيل مؤلم رغم فرحتي بتحرير سورية من عصابة الأسد، وبدء سريان الحرية والأمان، وسيعرف الأتراك أي فراغ ستتركه عودة السوريين".
وفي شأن استمرار أحزاب المعارضة في العزف على وتر اللاجئين، يقول: "ستستمر المعارضة في استغلال اللاجئين لأغراض سياسية انتخابية، لكن بعد فراغ المعامل وتراجع حركة الأسواق، وحتى غياب البركة التي ترافقت مع لجوء السوريين على صعيد العمران والإخاء ونقل أنماط السوريين الاستهلاكية والحياتية، سيشعر هؤلاء بقيمة السوريين وأهميتهم".

أتعبت الغربة سوريين كثيرين، 17 ديسمبر 2024 (لالي كوغلو كاراغوز/ الأناضول)
أتعبت الغربة سوريين كثيرين، 17 ديسمبر 2024 (لالي كوغلو كاراغوز/الأناضول)

وعبّرت أحزاب المعارضة التركية عن سعادتها بعودة اللاجئين السوريين، ودعتهم إلى الإسراع في تنفيذها بعد سقوط نظام الأسد، وبالتالي عدم بقاء أي عذر للبقاء. وقال رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، الذي ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض: "رحل بشار الأسد ولم تبق أي حجة لعدم عودتهم إلى بلدهم. ونحن مستعدون لتسهيل هذه العودة".
أما رئيس حزب النصر، المعارض والمناهض للاجئين في تركيا، أوميت أوزداغ، فكان أكثر فجاجة، وواصل تحميل أردوغان المسؤولية والتبعات، وقال: "لم يفكر أردوغان قَطّ في إعادة اللاجئين السوريين، ولم يرغب في التصالح مع الأسد، والآن بعد سقوط نظام الأسد أصبح من الضروري بحسب القانون أن يعود اللاجئون السوريون إلى وطنهم، لكن أردوغان يقول إن من لا يريد العودة يمكن أن يبقى، ومكانه فوق رأسنا". 
أيضاً، قال رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، المعروف بعدائه للاجئين السوريين: "فعلياً ودعت بولو السوريين قبل 5 سنوات، وأدعو الولايات التي تؤويهم إلى ترحيلهم بسرعة. لنضرب الحديد وهو ساخن، وأنا مستعد لدعم جميع البلديات التي تحتاج إلى مساعدة في توفير النقل".
وطاولت دعوات ترحيل اللاجئين حزب "الجيد" بزعامة درويش أوغلو الذي قال: "ذهب الأسد وانتهت الضيافة. لست من أنصار تطبيق نهج عنصري يدعو إلى طرد السوريين، لكنني قوة سياسية مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة ضد أي تطورات سلبية قد تحدث على أراضي تركيا".
إلى ذلك، أطلقت بلديات يديرها حزب الشعب الجمهوري المعارض حملات دعت إلى مساعدة اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد، ما أثار انتقادات واسعة بسبب لغتها ونبرتها التي وُصفت بأنها "تمييزية وعنصرية". 
وبعد سقوط نظام الأسد، أظهر استطلاع للرأي بعنوان "أبحاث المهاجرين السوريين" أعدته مؤسسة "آريا ريسيرش" عن رأي السوريين والأتراك في العودة إلى بلادهم، تباين مواقف الأتراك والمهاجرين السوريين في ملف الهجرة ومستقبل السوريين في تركيا، علماً أن الاستطلاع أُجري في مدينتي غازي عنتاب وكلس الحدوديتين مع سورية، وشارك فيه أكثر من 2400 من المواطنين والمهاجرين.

وأبدى 81.3% من الأتراك آراءً سلبية في سياسات الحكومة الخاصة بالمهاجرين السوريين، وانتقدوا دعوة الرئيس أردوغان إلى التضامن مع السوريين. إلى ذلك رفض 60.7% من المهاجرين السوريين في تركيا الذين شاركوا في استطلاع الرأي العودة إلى بلدهم، وبرر 40.2% منهم قرارهم بأنهم أسسوا نظاماً مستقراً في تركيا، واعتبر 16% منهم أن تركيا توفر حياة أكثر أماناً وراحة، وذكر 13.6% منهم أن لا عائلات لديهم في سورية.
يقول العامل حسين العلو الذي يسكن في منطقة أفجولار بإسطنبول لـ"العربي الجديد": "لم أوفر مبلغاً مالياً كي أعيش وأؤمن حياة كريمة في سورية، وسأؤخر بالتالي عودتي إلى منطقة سراقب شماليّ سورية حتى يتحقق هذا الأمر".
ويقترح عدنان حسن الذي يقيم في القسم الآسيوي من مدينة إسطنبول، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تصرف تركيا مبلغاً ولو صغيراً للعائدين، لأن الوضع المادي يعوق عودة سوريين كثيرين في تركيا اليوم، علماً ان دولاً أوروبية دعت إلى عودة اللاجئين طوعاً مع توفير دعم مالي بلغ 1050 دولاراً في النمسا. 
وفي ألمانيا، الدولة الأكثر استضافة للسوريين في أوروبا، أعلن المستشار أولاف شولتز عدم رغبته في إعادة أي لاجئ سوري مندمج في شكل جيد حتى بعد سقوط نظام الأسد، علماً أن المستشارية تدعم أيضاً العائدين طوعاً عبر تغطية مساعدات وتكاليف السفر والدعم الطبي عند العودة، بكلفة 8.2 ملايين دولار هذا العام.
بدورها أعلنت السلطات الدنماركية أنها ستقدم مبلغاً يراوح بين 20 و25 ألف دولار إلى اللاجئين السوريين الراغبين في العودة طوعاً إلى بلدهم. 

ذات صلة

الصورة
قد يستغرق كشف مصير المفقودين في سورية سنوات، 23 ديسمبر 2024 (كريس ماكغرات/ Getty)

مجتمع

تتداخل المعاناة الإنسانية مع الفراغ القانوني في قضية المفقودين في سورية، ما يجعلها تتطلب تضافر الجهود لتحقيق العدالة، وإقرار قوانين لكشف الحقائق.
الصورة

سياسة

لعب الأسد على جميع الحبال، إلى أن لفظه الحليف قبل العدوّ، وفرّ عاريًا في ليلة دمشقية باردة، وأخذ معه قاعدة النفوذ الإيراني المتقدّمة في بلادنا
الصورة
فرع فلسطين / سورية / ديسمبر 2024 (العربي الجديد)

سياسة

عند أبواب سجون الأسد ومقرّاته الأمنية، كانت الإنسانية تُذبح. لا شيء أو كلام يختصر المشهد. القمع والظلم يتكشفان بأبشع الصور من جدران الزنازين الواسعة والانفرادية
الصورة

منوعات

لم يكن لأحد في سورية أن يظن أنّ بإمكانه تحويل آل الأسد، والطبقة الحاكمة في البلاد، إلى أضحوكة يتناقلها الكبار والصغار. لكن هذا ما حدث يوم الثامن من ديسمبر