تُلاحق تركيا وتُرحّل مخالفي القوانين وشروط الإقامة على أراضيها. وبعدما وصل عدد اللاجئين السوريين إلى حوالي خمسة ملايين، باتت تستخدمهم المعارضة كورقة ضغط ضد الحكومة. تركيا التي تسعى للتشدد بتطبيق القانون اليوم، هي نفسها التي تغافلت عنه بالأمس وسمحت للسوريين بدخول أراضيها أو غضت الطرف، وتساهلت بإقامة بعض أصحاب بطاقات الحماية المؤقتة "كيملك" من ولايات أخرى في إسطنبول.
يقول الشاب السوري حافظ ع. إنّ قوات الجندرمة التركية ألقت القبض عليه خلال محاولته الهجرة عبر ولاية أدرنة إلى اليونان، فنقل إلى أكثر من مخفر شرطة ثم إلى مركز الترحيل توزلا بالقسم الآسيوي من إسطنبول. ويوضح في حديثه لـ
"العربي الجديد" أنه دخل الأراضي التركية عن طريق التهريب ودفع 1200 دولار، "لأن سبل العيش بالشمال السوري صعبة وبلا أفق. أعترف أنني مخالف، لكن لماذا الإساءة والعنف خلال احتجازنا؟".
يكشف في حديثه لـ "العربي الجديد" سوء المعاملة خلال ترحيله إلى الشمال السوري، عدا التوقيع رغماً عنه على العودة الطوعية. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لعناصر الجندرمة التركية وهم يسيئون للمرحلين، ويضربون مهاجرين تم توقيفهم بالشارع، الأمر الذي زاد من سخط ومخاوف السوريين في تركيا.
كما رُحلت زينب إلى مدينة سرمدا (تتبع إدارياً ناحية الدانا منطقه حارم فى شمال مدينة إدلب بمحافظه إدلب) بعدما بصمت على ورقة تُفيد بأنها رحلت طوعياً. وكانت الجندرمة بمنطقة إسينورت قد ألقت القبض عليها وهي حامل في الشهر السادس. ويقول زوج زينب ياسر، إنه يملك وأولاده بطاقة الكيملك، وقد حاولا مراراً الحصول عليها لزوجته من دون جدوى.
ومن منطقة سلطان غازي بإسطنبول، تقول بتول لـ "العربي الجديد" إنها لا تجرؤ على الخروج من المنزل لأنها لا تملك بطاقة كيملك، على الرغم من أن زوجها وولدها يحملان البطاقة. تضيف: "دخلت بشكل غير شرعي منذ ثلاث سنوات وحاولت الحصول على كيملك ولو من ولاية أخرى من دون جدوى".
بعض حالات الترحيل تتعلق بإقامة اللاجئ بغير الولاية التي حصل منها على بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك). بلال حسين الحاصل على كيملك من ولاية غازي عنتاب اعتقل في ولاية إسطنبول، فرحل بعد الحجز والإذلال إلى غازي عنتاب، تاركاً عمله وبيته.
وفي إطار الحملة المتشددة التي أعلنتها تركيا ضد اللاجئين غير الشرعيين، وخصوصاً بولاية إسطنبول، احتجز المواطن اليمني م. م. بعد مخالفة مرورية، وتم سوقه إلى مركز الترحيل ضمن حافلة تضم سوريين. يضيف خلال تسجيل لـ "العربي الجديد" أنه "ذاق كل أشكال التعذيب والإذلال قبل الإفراج عنه".
ومن حي الفاتح بإسطنبول، يقول محمود ح. لـ "العربي الجديد": "أنا متزوج من تركية وأولادي يحملون الهوية التركية، لكنني أحمل بطاقة كيملك".
إلى ذلك، يقول الناشط المتخصص بقضايا اللاجئين طه الغازي: "بحسب قانون الحماية، لا يحق للسطات التركية ترحيل أي لاجئ على أراضيها، حتى وإن كان لا يحمل بطاقة كيملك". وكان نائب وزير الداخلية التركي قد أكد سابقاً أن بلاده تأخذ بالحسبان الظروف الخاصة للناس. لكن ما يجري اليوم، واستناداً إلى الطرح غير الأخلاقي الذي يقول إنه من حق تركيا ترحيل المخالفين، يطرح تساؤلات من قبيل: "من يبرر السلوك غير القانوني والإذلال والإساءات النفسية والجسدية التي يتعرض لها المرحلون حتى يوقعون على قرار العودة الطوعية؟ أليس ذلك دليلا على عدم قانونية الترحيل حتى لمن لا يملك أوراقاً رسمية وهو لاجئ؟".
ويؤكد الغازي أن ثمة مرحلين يملكون بطاقة كيملك، مضيفاً: "نحن مستعدون لإرسال القائمة لإدارة الهجرة، فهل يعدوننا بعودتهم إلى تركيا؟". كما يتحدث عن مشكلة كبيرة تحصل خلال الترحيل، فالسوري طارق رحلته السلطات التركية خلال تحديث بياناته التي بينت أنه مخالف، فيما أبقت زوجته وأولاده بتركيا. وحين حاولت الزوجة العودة إلى سورية (الشمال المحرر)، رفضت إدارة المعبر السماح بعودة الأولاد، متذرعة بضرورة وجود تصريح من الأب. وحين تقدم الأب بتصريح عبر السلطات من الداخل المحرر، رفضت السلطات التركية التصريح بذريعة أنه غير نظامي، "كأنهم يريدون من طارق العودة لمناطق النظام ليرسل التصريح"، يقول الغازي.
إساءات بالجملة
وتزداد حوادث الإساءة بحق اللاجئين والسياح السوريين. وانتشر مقطع فيديو لسائق سيارة أجرة يضرب سائحة إلى أن أدمى وجهها، وفيديو آخر لمواطن تركي دخل مطعماً لمستثمر سوري بمنطقة سلطان غازي بإسطنبول، فكسّره وأهان صاحبه من دون أن يرد الأخير خشية الترحيل. إذ تؤكد مصادر لـ "العربي الجديد" أن الترحيل هو الحل الدائم خلال الشكاوى سواء كان الحق مع السوري أو عليه.
وحول أسباب زيادة الحملة ضد اللاجئين، يقول رئيس تجمع المحامين الأحرار بتركيا غزوان قرنفل: "كأن هناك تنسيقا إقليميا لترحيل السوريين. فما نراه في الآونة الأخيرة في كل من الأردن ولبنان وتركيا وحتى العراق، لا يمكن النظر إليه ببراءة. حتى دولياً، هناك إعادة نظر للتشدد في قضايا اللاجئين. وللأمر علاقة بسياسة الدول مع النظام السوري، بمعنى تقدم خطوات باتجاه تطبيع العلاقات مع النظام أو العكس. وعودة اللاجئين من أهم أسباب تطبيع العلاقات مع النظام".
لكنه يلفت إلى أن "التعامل مع اللاجئين السوريين كشف عن عري أخلاقي على المستويين القانوني والإنساني". لكن أليس من حق تركيا ملاحقة المخالفين؟ يقول إن "الناس تأتي إلى المدن الكبرى بسبب وجود فرص عمل. وعلى عكس أوروبا، لا يتلقى السوري في تركيا معونة، وإلا لكانوا قد التزموا بالولايات التي منحتهم بطاقة الحماية المؤقتة"، كاشفاً عن التضييق خلال منح أذونات السفر. ويقول إن "تركيا منحت فقط 36 ألف إذن عمل للسوريين خلال عشر سنوات على الرغم من أن طاقة العمل تفوق المليونين".
وحول ترحيل دفعة من السوريين إلى رأس العين وتل أبيض في كل من الحسكة والرقة، على الرغم من أن بعض المرحلين من إدلب، يقول: "أعتقد أن في ذلك يعود إلى فوضى إدارية ليس أكثر". ويرى قرنفل أن من الطبيعي أن يتقدم السوريون في تركيا بطلبات إعادة التوطين للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نتيجة عدم القدرة على العيش بتركيا.
تركيا جديدة
يقول كثيرون إن تركيا التي فتحت حدودها ومنازل أهلها للاجئين السوريين منذ بداية الثورة عام 2011 ، ونعتت عبر رئيس الدولة رجب طيب أردوغان السوريين بالمهاجرين والأتراك بالأنصار، تبدلت اليوم. ويرى البعض أن اللاجئين السوريين بتركيا باتوا ورقة سياسية تشهرها المعارضة في وجه الحكومة قبل وإبان أي استحقاق سياسي، وترد الحكومة بحملات وتضييق لتبعد عن نفسها تهمة التساهل مع غير الشرعيين.
ويرى أستاذ علم الاجتماع رجب شان تورك أن "حكومة العدالة والتنمية تعاني هذه الفترة ضغطاً من المعارضة، بعدما خسرت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لتكسب أصواتاً وتحافظ على البلديات الكبرى أي إسطنبول وأنقرة وإزمير. لذلك، حركت ملف اللاجئين فردت الحكومة بحملات لملاحقة اللاجئين غير الشرعيين وخصوصاً في إسطنبول. ويحق لتركيا وأي دولة ملاحقة المخالفين على أراضيها". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الكثير من الأتراك يستجيبون لحملات التحريض من المعارضة، لدرجة الإساءة لبعض اللاحئين أو تحميلهم وزر التردي المعيشي والبطالة وتراجع سعر صرف الليرة، وهذا غير صحيح. ربما يساهم اللاجئون بالاقتصاد أكثر مما يستفيدون".
وحول إساءة التعامل مع المخالفين وما يتعرضون له من عنف وإساءة وإذلال، يؤكد شان تورك على ضرورة محاسبة مرتكبي هذه الأفعال من الشرطة وغيرهم، مبدياً أسفه لما آل إليه وضع السوريين بتركيا ودول جوار سورية، قائلاً إنهم "صاروا كبش فداء".
ويشير إلى أن السوريين في تركيا يعيشون وضعاً صعباً. فظروف بلدهم غير مناسبة للعودة وبلدان اللجوء ضاقت بهم. في الوقت نفسه، يحق لكل بلد ملاحقة المخالفين، داعياً كل من يمكنه العيش في الشمال المحرر أن يذهب "من دون إساءة وبعزة وضمانات لأن الواقع المعيشي في تركيا لم يعد مغرياً بالنسبة للسوريين".
وعود
أكد وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، خلال لقائه ممثلي منصات صحافية عربية وإعلاميين عربا في مقر والي إسطنبول يوم السبت الماضي، أن "الدولة التركية تولي اهتماماً كبيراً بحقوق المهاجرين الشرعيين في البلاد"، كاشفاً عن إطلاعه الرئيس رجب طيب أردوغان على تطورات حملة مكافحة الهجرة غير الشرعية، وقد أعطى الأخير تعليمات لاتخاذ خطوات في ما يتعلق بقضية التجنيس.
ويكشف الوزير أن "تركيا وضعت آلية جديدة للتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين في البلاد"، نافياً أن "تطاول هذه الإجراءات المهاجرين الشرعيين الذين يعيشون في البلاد بأوراق ثبوتية قانونية، على أن تطاول أولئك الذين يعيشون من دون أي أوراق ثبوتية وقانونية، لأن وجودهم يتسبب في مشاكل للشعب التركي، وكذلك للمهاجرين الشرعيين في البلاد، والذين يبلغ عددهم 5 ملايين".
وفي ما يتعلق بالإساءة من عناصر الشرطة، يقول برلي قايا إن الدولة تتعامل مع هذه التجاوزات، ولن تسمح بها مرة أخرى. يضيف: "سترون ما ستقوم به الدولة التركية لمنع هذه التجاوزات".
بدوره، يقول مدير إدارة الهجرة الجديد فاتح آينا، إن الداخلية وزعت مجموعة من التعليمات على عناصر الشرطة، تتضمن كل المعايير التي يجب تطبيقها حال توقيف أحد الأشخاص في الشارع، وحتى لا يتم توقيف أشخاص دون وجه حق، مشدداً على أنه تم اعتماد بعض الإجراءات التي تحول دون حدوث أي تجاوزات مرة أخرى. يضيف أن السلطات أنشأت مركز احتجاز جديدا في منطقة أرناؤوط كوي في إسطنبول لتخفيف الضغط على منطقة توزلا، ومنع أي تجاوزات أخرى كما حدث في توزلا خلال الأيام الماضية، كاشفاً أن بلاده اعتمدت البصمة كمسار من مسارات الحصول على بيانات الشخص الذي يتم توقيفه في الشارع، فلا يكون الشخص الموقوف في حاجة إلى إظهار أي مستندات للشرطة في حال توقيفه.
وكانت رئاسة إدارة الهجرة التركية قد كشفت أن "إجمالي عدد المهاجرين الموجودين في عموم البلاد، قد بلغ حتى اليوم 4 ملايين و893 ألفاً و753 شخصاً". أضافت أن "نسبة المهاجرين في 1169 حياً بعموم تركيا، تجاوزت حتى الآن 20 في المائة من إجمالي عدد السكان الأتراك في تلك الأحياء"، قائلة إنه بهدف تقليل الكثافة المتركزة فيها، أغلق باب تسجيل الأجانب الجدد في تلك الأحياء.
وعقدت ولاية إسطنبول اجتماعاً حضره مسؤولون أتراك ومنظمات سورية، بحثوا خلاله قضايا الهجرة غير الشرعية وحملة ترحيل السوريين، وتأثيرها على الأشخاص القانونيين. وتقول مصادر لـ "العربي الجديد" إنه تم طرح استمرار حملة مكافحة الهجرة غير القانونية، مع القيام بالتحسينات اللازمة لعدم تعرض الأشخاص القانونيين لأي ضرر. كما سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد أي موظف يستخدم العنف دون مبررات قوية وحاسمة. ولن يكون هناك حاجة لإصدار محاضر الشرطة للسوريين الذين فقدوا هوية الحماية المؤقتة من أجل الحصول على هوية جديدة، بل سيكون الإعلان في الجريدة كافياً. وسيتم إيقاف إجراء إعادة السوريين الذين لا يحملون هوياتهم المؤقتة إلى مراكز العودة.
كما يُنصح بأن يحمل السوريون بطاقة الحماية المؤقتة معهم، أو أن يحفظوا على الأقل الرقم الوطني، كي يتجنبوا التعرض للمشاكل ويتمكنوا من تجاوز مرحلة التفتيش بسرعة إذا لم يكونوا يحملونها. وفي المرحلة المقبلة، لن يتم إجراء تفتيش للهويات في أماكن العمل، مع التأكيد على تعزيز التعاون من أجل حل المشكلات. ولهذا الغرض، سيتم عقد اجتماع أسبوعي لمناقشة أبرز المستجدات والبحث عن كل الحلول الممكنة لتدارك المشاكل.
ويقول مدير "منبر منظمات المجتمع المدني" محمد أكتع، إن "الأشخاص القانونيين يتعرضون للضرر في ظل الإجراءات القائمة، التي تسببت بانزعاج كبير لدى الناس، وزيادة الخوف وعدم الثقة بين السوريين"، مشيراً إلى أن الانتهاكات التي حصلت في أثناء هذه الإجراءات، والتي وصلت إلى حد استخدام العنف "غير مقبولة".
تمثيل السوريين
يرفض عضو الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري الإساءات التي لحقت ببعض السوريين، خلال إلقاء القبض عليهم أو خلال علميات الترحيل، مؤكداً في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الائتلاف يعمل ما بوسعه لتسوية مخالفات السوريين والتواصل مع الجهات التركية المعنية. يضيف أن "الائتلاف يتواصل بشكل مكثف مع السطات التركية ومدراء الهجرة، وطلبنا من بعض الجهات تحديد النقاط وحصر المشاكل وطرق معالجتها، بهدف تسوية أوضاع من لديهم أذون عمل أو دراسة أو علاج، ووضع آلية واضحة وقانونية للترحيل، مؤكدين على تسوية الوضع وإبعاد فكرة الترحيل لأن الداخل السوري غير مناسب للعودة. ويستدل بما يعانيه مرضى السرطان، مبدياً ارتياحه من التصريحات التركية الرسمية. لكن ما نراه من بعض الأجهزة التنفيذية مخالف للتصريحات.
وكان الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري وعضو حزب المستقبل خالد خوجة، قد انتقد "صمت بعض النخب العربية في تركيا على ترحيل المهاجرين إلى بلادهم وفي مقدمتهم السوريين". يضيف: "من المؤلم أن ينطبق المثل التالي: فلتعش الحية التي لا تعضني ألف عام، على فئات غير قليلة من المهاجرين الصامتين رغم فاعليتهم في المجتمع التركي"، مشيراً إلى أن سياسة التهجير المتبعة تتعارض كلياً مع المواثيق الدولية وأبسط مبادئ حقوق الإنسان، مؤكداً أن غياب موقف واضح من مؤسسات المعارضة الرسمية والدينية ومنظمات المجتمع المدني يشجع على زيادة وتيرة الانتهاكات.
من جهتها، تقول مديرة الاتصال باللجنة السورية التركية المشتركة إيناس النجار لـ "العربي الجديد": "نطالب بتسوية أوضاع المخالفين بدلاً من ترحيلهم. نتفهم موقف تركيا وعدم إعطاء بطاقات كيملك جديدة. في المقابل، نطالب بتسوية أوضاع كثيرين وخصوصاً ممن كانت مخالفاتهم ترتبط بأخطاء بالنظام المعمول به أو بعض الموظفين". وتشير إلى أن ثمة مبالغة بطرح القضايا خلال هذه الفترة. فما يقال عن ترحيل اللاجئين من حملة الكيملك لوجودهم بولاية أخرى غير صحيح"، داعية إلى عدم تصديق كل ما يقال لأن ذلك يزيد من مخاوف السوريين.