سوريون: حديث الإدارة الانتقالية عن عمل المرأة خاطئ ومرفوض

18 ديسمبر 2024
شابة سورية وجدارية في حمص، 8 ديسمبر 2024 (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثارت تصريحات عبيدة الأرناؤوط حول قيود مستقبلية على عمل المرأة جدلاً في سوريا، حيث اعتبر أن بعض المناصب لا تناسب طبيعة المرأة البيولوجية، مما قوبل بانتقادات لخطاب إقصائي في دولة مدنية.
- الناشطة رنا الشيخ علي أكدت أن المرأة السورية كانت دائماً جزءاً من الحياة السياسية والاجتماعية، وأن تحديد أدوارها بناءً على الجنس إشكالي وغير تاريخي.
- انتقدت الناشطة أميرة مالك تصريحات الأرناؤوط، مؤكدة قدرة المرأة السورية على تولي مناصب قيادية، ودعت الصحافية رنيم خلوف إلى تعديل وجهة نظر الإدارة السياسية.

ما إن خرج المتحدّث الرسمي باسم الإدارة السياسية عبيدة الأرناؤوط، أمس الثلاثاء، عبر شاشة قناة الجديد اللبنانية، وتحدّث عن تحديدات سوف تحكم عمل المرأة السورية في المستقبل، حتى انهالت التعليقات التي تنتقد هذه التصريحات في دولة مدنيّة ليست حديثة العهد مثل سورية، ولا يقبل تكوينها المجتمعي ولا الثقافي أن يُفرَض أيّ خطاب إقصائي تجاه أيّ فئة من الشعب.

وقد ورد في إجابات الأرناؤوط بشأن تمثيل المرأة السورية وزارياً ونيابياً، بأنّها عنصر مهمّ وهي مكرّمة ولا بدّ من أن تكون المهام متناسبة مع وظيفة المرأة التي تستطيع أن تضطلع بها، مشيراً إلى أنّ تسلّم المرأة منصب وزارة الدفاع على سبيل المثال لا يتناسب مع كينونتها وطبيعتها البيولوجية، وليس من الصواب أن تستخدم المرأة السلاح أو أن تكون في مكان معيّن لا يتناسب مع تكوينها وقدراتها. وقال إنّ للمرأة الحقّ في التعليم والتعلّم في أيّ مجال من مجالات الحياة، لكنّ تسلّمها ولاية قضائية أمر قد يكون محطّ بحث أو دراسة من قبل أهل الاختصاص.

ولأنّ الشارع السوري، بأهل الاختصاص فيه وبمثقّفيه وبأطيافه كافة، هو المعنيّ بمثل تلك التصريحات، رصد "العربي الجديد" آراءً حول ذلك. وقال الخبير في الشؤون التنموية ماهر رزق إنّ ما صرّح به الأرناؤوط "يمثّل التيّار الذي يتبع له وذا الصفة الإسلامية البحت. لكن دعونا لا ننسى أنّ الحكومة الحالية هي حكومة تسيير أعمال، وبالتالي، فإنّ الحكومة المقبلة هي التي سوف تنظم عملية صياغة الدستور. وما قاله المتحدّث الرسمي لا يرقى إلى أن يكون قراراً، إنّما هو مجرّد وجهة نظر جرى التعبير عنها وهي قابلة للنقاش بالطبع". وأضاف "الفرق العسكرية كانت قد صرّحت، منذ دخولها المحافظات السورية كافة بعد سقوط النظام السابق، إنّها أتت للتحرير وليس لاستلام إدارة البلاد إلا في الفترة الحالية. وقد جرى تشكيل حكومة تحت عنوان تسيير الأعمال، وذلك حتى بداية شهر مارس/ آذار من العام المقبل". ويرى رزق أنّ "من الضروري، في الوقت الراهن، عدم الالتفات إلى مثل تلك الآراء التي تمثّل بمضمونها فتنة، وترك الخلافات للمجالس الانتقالية والخبراء الذين سوف يعملون لصياغة الدستور من أجل طرح ما يتّفق عليه السوريون".

قولبة المرأة السورية تحدّ من التنمية

في الإطار نفسه، تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان والرئيسة التنفيذية لمبادرة دارة سلام رنا الشيخ علي لـ"العربي الجديد" إنّ "المرأة تشكّل نصف المجتمع السوري، علماً أنّ مشاركتها في الحياة السياسية وكذلك الاجتماعية ليست جديدة. فهي مُنحت تاريخياً حقّ التصويت في 1948، وشاركت في البرلمان، وعملت قاضية ووزيرة وتبوّأت مناصب أخرى في مفاصل ونواح مختلفة في الشأن العام". وتلفت الشيخ علي إلى "اعتبارات كثيرة كانت مفروضة على عمل المرأة السورية في خلال عهد النظام السابق. على سبيل المثال، لم تكن ثمّة أحزاب سياسية تدعم قيادة المرأة للعملية السياسية بطريقة حرّة، إذ عوملت المرأة السورية بوصفها من الصفّ الثاني، كذلك لم تُعطَ منصب وزيرة دفاع على سبيل المثال، لكنّ وجودها كان واضحاً في الشرطة والجيش وغيرهما، علماً أنّ ثمّة كلية عسكرية كانت مخصّصة للإناث". وتؤكد الشيخ علي أنّ "كلّ ما سبق لم ينتقص من شأن المرأة أو ينتج عن أسباب بيولوجية أو لأنّ النساء يعانينَ من المزاجية المفرطة والحساسية وغير ذلك".

وتوضح الشيخ علي أنّ "تحديد ما يمكن للمرأة أن تمارسه من أدوار بناءً على جنسها يُعَدّ أمراً إشكالياً وهو خارج التاريخ. فثمّة نساء كثيرات استطعنَ تحقيق إنجازات عديدة عند فقدان الزوج وغياب الابن، على الرغم من تمكينهنّ الضعيف في السنوات التي سبقت الحرب في سورية". وتبيّن أنّ النساء السوريات "تمكّنّ من تأسيس مشروعات لإعالة أسرهنّ، ومن بينهنّ من استطعنَ المشاركة في أعمال البناء على سبيل المثال، علماً أنّ هذا العمل كان حكراً على الرجال في سورية".

وشدّدت الشيخ علي على "عدم إمكانية الرجوع اليوم إلى وضع المرأة السورية في قوالب تصلح لمجتمعات تعود إلى ما قبل 300 عام، علماً أنّها لم تكن صحيحة. فمن شأن تلك القوالب أن تحدّ من فرص التنمية في المجتمعات، وبالتالي ثمّة ضرورة للإدراك أنّ مشاركة المرأة في كلّ مفاصل العمل والحياة السياسية والاجتماعية لا تعني إقصاء الرجل أو إحداث شرخ في القيم المجتمعية، بل بخلاف ذلك تماماً فإنّ الأمر يرفع تلك القيم لأنّ المجتمع غير قادر أن يقوم على يد جنس واحد لأنّ الحاجات كبيرة". وتابعت: "طالما أنّ ثمّة أصواتاً تطالب بأن يكون الرجل في ساحات العمل والإنتاج وأن تبقى المرأة في مجال تربية الأولاد وإدارة شؤون المنزل فقط، فإن ذلك سوف يؤدّي إلى حالة اختلال كبيرة في المجتمع".

تصريحات لا تمثّل السوريين

وقالت الناشطة الاجتماعية والنسوية أميرة مالك لـ"العربي الجديد" إنّ "السوريين حاربوا 13 عاماً من أجل الوصول إلى الحرية والمساواة والعدالة الجندرية. وتصريح المتحدّث الرسمي باسم الإدارة السياسية خاطئة ولا يعبّر عن رؤية استراتيجية صحيحة لنسيج المجتمع السوري. وربما طُرح نتيجة قلّة وعي بتفاصيل المجتمع وسذاجة، لذا من الضروري أن يُصار إلى مراجعة هذا الخطاب والتأكّد من الأفكار التي طُرحت من خلاله"، داعية إيّاه إلى "مقابلة النساء السوريات ومعرفة آرائهنّ بما طُرح".

وقالت آلاء عدرة، وهي مسؤولة علاقات عامة في مجال الإعلام، لـ"العربي الجديد" إنّ "تصريح الأرناؤوط لا يمثّلها. فهو المتحدّث الرسمي باسم العمليات العسكرية، أي يجب أن يتحدّث عن المعارك وما يخصّ الأمور العسكرية والتسليح وما إلى ذلك". وترى أنّه "أوقع نفسه في ورطة كبيرة من خلال ما أدلى به، أمس الثلاثاء، لقناة الجديد اللبنانية، لأنّ سورية تضمّ جيشاً عظيماً ومتنوّعاً من النساء، وفي حال جرت محاربته من خلال هذا الجيش فإنّه سوف يكون خاسراً بالتأكيد"، لافتةً إلى أنّ "المرأة، حتى في زمن النظام السابق، كانت تتولّى مناصب وأماكن قيادية، بالإضافة إلى العمل المدني والإنساني والاجتماعي".

وتبيّن عدرة أنّ "النساء السوريات، خصوصاً الناشطات في مجال حقوق المرأة، عملنَ أعمالاً عظيمة لوقف العنف القائم على النوع الاجتماعي (المرأة تحديداً) الذي تَمثَّل بحرمانها من التعليم أو التعبير عن نفسها. فثمّة نساء يطالبنَ بحقوق أخريات اعتدنَ الصمت، فكيف يطالب اليوم السيّد الأرناؤوط هؤلاء النساء بالسكوت أو أن يمرّ كلامه مرور الكرام؟". تضيف أنّ "تلك التصريحات تنمّ عن عدم إدراك وعدم معرفة برجال سورية الحقيقيّين الداعمين للمرأة قبل النساء اللواتي يُمثّلنَ جزءاً لا يتجزّأ من المجتمع". وتتابع عدرة أنّ "خلال فترة الحرب على مساحة الأرض السورية كاملة، لا يمكن أن ننسى أنّ المرأة السورية كانت تدير شؤون أسرتها وترتّب الحياة وتؤمّن الطعام، وتعمل في كلّ المجالات التي اعتاد المجتمع أن يقوم الرجل بها. والدليل أنّنا رأينا نساءً يعملنَ سائقات سيارات أجرة أو غير ذلك"، مؤكدةً أنّ "ذلك خير دليل على أنّ من غير الممكن تحجيم المرأة والقول إنّ طبيعتها البيولوجية لا تسمح لها بالقيام بالأعمال كافة".

سورية دولة مدنيّة بدليل تاريخها

وقالت الصحافية رنيم خلوف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما تقدّم به الأرناؤوط غير مقبول لأنّ المرأة السورية منذ خمسينيات القرن الماضي وقبل ذلك موجودة في كلّ مفاصل صنع القرار، أي أنّ ذلك لا يرتبط بحقبة النظام السابق أو الأسبق (الأب والابن). فهي انتزعت حقوقها انتزاعاً، وهذا أمر عكسته الدراما السورية التي تناولت تاريخ نضال المرأة السورية عن طريق خروج السوريات في تظاهرات تطالب بحقوقهنّ، أو من خلال عكس صورة المرأة المتعلّمة والعاملة وصاحبة القرار". تضيف خلوف أنّ "من غير الممكن تطبيق ذلك في سورية، لأنّها دولة مدنيّة وتضمّ عدداً كبيراً من الطوائف والإثنيات المختلفة، بالإضافة إلى أنّ نساء مثقّفات كثيرات يرفضنَ ذلك، وسوف يحاولنَ مجدّداً انتزاع حقوقهنّ. لذلك من الأفضل تعديل وجهة نظر الإدارة السياسية حول هذا الموضوع، وترك الحياة تسير كما هي عليه".

في سياق متصل، ترى الشابة السورية سارة حبيب التي تعمل في مجال الاتصالات أنّ "في إمكان المرأة المشاركة في المجالات كافة، والدليل أنّها أثبتت قوّتها وجدارتها وقدرتها على اتّخاذ القرار بالعدل". وتشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "كلّ شخص قادر على التحديد ما إذا كانت إمكانياته تسمح له باستلام مراكز قرار أو غير ذلك، علماً أنّ هذا الأمر يتوقّف على معايير عدّة، من قبيل شخصية الفرد وخلفيته العلمية والعملية"، مشدّدة على "وجوب أن يكون للمرأة دور في كلّ واحدة من مؤسسات الدولة التي يُعَدّ العمل فيها حقّاً لكلّ أطياف المجتمع، وهي ليست حكراً على فئة معيّنة أو جنس معيّن". وتوضح أنّ "التغيير الذي أمل به السوريون طويلاً يهدف إلى ضبط الفساد في معظم الدوائر والمؤسسات، وليس تغييب المرأة وحصرها في مجالات معيّنة مثل التعليم أو العمل المكتبي فحسب"، لافتةً إلى "عدم وجوب اتّخاذ تلك القرارات من قبل حكومة انتقالية مؤقتة".

المساهمون