سورية: مستشفيات متهالكة في مناطق النظام

14 نوفمبر 2020
كورونا زاد الأوضاع سوءاً (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

تصرخ انتصار، من ألمها وهي تتمدد على أحد أسرة قسم الإسعاف في مستشفى عام وسط العاصمة السورية دمشق. يطلب الطبيب لها مجموعة من التحاليل وصور الأشعة، وبسبب عدم وجود كادر تمريضي كافٍ، يسحبها مرافقها بسريرها من مختبر التحاليل إلى مختبر الأشعة ثم يعيدها إلى قسم الإسعاف، ليعود ويحضر نتائج التحاليل وصور الأشعة، وبعدها عليهم انتظار توجيهات الطبيب المختص غير المتواجد في المستشفى عند المساء، فالأطباء المتواجدون هم أطباء مقيمون، ما زالوا في مرحلة دراسة الاختصاص ويتواصلون مع الطبيب المختص عبر الهاتف.
يقول مرافق انتصار، لـ"العربي الجديد": "أخبرنا الطبيب أنّها في حاجة إلى تجهيزات طبية لإجراء عمل جراحي لزرع مفصل الفخذ، لكنّه لا يتوفر في المستشفى ويجب شراؤه من السوق"، لافتاً إلى أنّ "ثمن المفصل مليونا ليرة (2840 دولاراً بحسب السعر الرسمي، ونحو 800 دولار في السوق الموازي) تضاف إليه تكاليف الدواء، التي تبلغ مئات آلاف الليرات، بينما وضعنا المادي لا يسمح لنا بتأمين هذه المبالغ، ونحاول الآن التواصل مع الجمعيات الخيرية علّنا نتمكن من جمع ثمن المفصل وتكاليف العلاج".

صحة
التحديثات الحية

ويُعتبر تأمين الدواء مهمة مرهقة بالنسبة لغالبية المرضى، بحسب أبو زياد عبد الفتاح، الذي يقول لـ"العربي الجديد": "الوضع في المستشفيات من سيئ إلى أسوأ، واليوم غالبية الأدوية التي يحتاجها المرضى غير متوفرة في المستشفى، ويطلب تأمينها من ذوي المريض، في حين ترتفع أسعار الأدوية بشكل متواصل". يضيف: "المشكلة أنّ هناك من يستغل انتشار فكرة نقص الأدوية، لدفع المرضى لشرائها من السوق، في حين هناك من يأخذ مخصصات الأدوية في المستشفيات ويبيعها في السوق". يتابع: "حتى المختبرات غالباً ما تكون نتائجها غير دقيقة، فتجد الطبيب أو الممرض يطلب من ذوي المرضى أن يجروا التحاليل الطبية وصور الأشعة حتى خارج المستشفى أو العيادة العامة، وغالباً ما يطلب الأطباء صوراً وتحاليل من المراكز الخاصة، ولا أستبعد أنّ منهم من يتقاضى عمولة عن كلّ مريض يرسلونه إلى تلك المراكز". يتابع أنّ "غالبية السوريين لا يفكرون بالدخول إلى مستشفى خاص، بسبب تكلفته المرتفعة جداً، إذ قد يدفع المريض يومياً مئات آلاف الليرات، حتى أنّ كلفة الإقامة في اليوم الواحد من دون تلقي أيّ علاج، هي بعشرات آلاف الليرات".
من جانبها، تقول الممرضة سلوى حسين، لـ"العربي الجديد": "الضغط في المستشفيات كبير جداً، والكادر التمريضي والطبي انخفض عدده بشكل كبير، وبالتالي فإنّ المريض لا يمكن أن يأخذ حقه في الرعاية، ما يجعلنا مضطرين للاعتماد على المرافقين لمساعدة المرضى، فتجدهم ينقلون المرضى إلى غرف تصوير الاشعة أو المختبر أو لأخذ استشارة في قسم آخر". تضيف: "يعيش الطاقم التمريضي ضغوطاً كبيرة أولها ضغوط اقتصادية فالرواتب ضعيفة، ولا تكفي لتأمين الاحتياجات الشخصية، أو وجبتي الطعام التي نتناولها أثناء المناوبة، فما بالك بالحديث عن باقي احتياجات الحياة، ما يضطرنا للعمل في مستشفيات خاصة، كما نقدم خدمات لمرضى في المنازل، وكلّ ذلك في محاولة لتأمين دخل مقبول. وبالرغم من كلّ ذلك، فإنّ ما نجنيه غالباً هو أقل مما نحتاج إليه، بسبب ضعف الرواتب عموماً". وتلفت حسين إلى أنّ "الكادر التمريضي هو من يتحمل دائماً سخط ذوي المرضى، واتهامهم له بالتقصير، في حين أنّ هناك نقصاً بالدواء والمستلزمات الطبية، فما يجري تسليمه لنا يعتمد على تقديرات الحدّ الأدنى من عدد المرضى، وعندما يزيد عدد المرضى تجدنا نبحث في الأقسام الأخرى عن دواء أو مستلزمات طبية لنغطي احتياجات مريض ما".

صحة
التحديثات الحية

وقد يكون الوضع المادي المتردي والتنمر على الكادر الطبي وأخيراً انتشار فيروس كورونا الجديد، من أهم أسباب تناقص أعداده وتردي مستوى خدمات المستشفيات، بحسب الدكتور طارق (42 عاماً)، الذي طلب عدم ذكر شهرته. يقول لـ"العربي الجديد": "الوضع في المستشفيات العامة مزرٍ جداً. ضغوط العمل زادت بشكل كبير، مع هجرة أعداد كبيرة من الأطباء، كما أنّ الرواتب زهيدة، فراتبي مثلاً لا يكفيني لشراء بدلة رسمية أو حذاء ذي نوعية جيدة. خلال الفترة الماضية في ظل أزمة البنزين، كنت أشتري البنزين من السوق السوداء، فلا يمكن أن أقف على محطات الوقود ليوم أو أكثر بانتظار مخصصات السيارة من الوقود، وراتبي من المستشفى لا يكفيني ثمن بنزين حتى. ولم نتحدث عن احتياجات الحياة الأخرى، الأمر الذي يجبر الأطباء على العمل في عياداتهم والمستشفيات الخاصة، إذ إنّ لدى الأطباء عائلات تحتاج إلى من يعيلها". يتابع: "الوضع المادي مسألة، وغياب مقومات العمل الصحي، والبيئة السليمة، مسألة أخرى، فقد وصلنا إلى مرحلة متردية في المستشفيات لجهة النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، خصوصاً سبل الوقاية من فيروس كورونا". يضيف: "هناك أطباء اختاروا السفر عبر عقود عمل أو هجرة أو حتى طلب لجوء... في النهاية يجدون فرصة خلاص فلا يمكن مقارنة ما يجنيه الأطباء في الخارج مع الداخل، حتى أنّ الأطباء الجراحين اليوم يتوجهون للسفر إلى الصومال بعقد عمل مقابل أربعة آلاف دولار أميركي، وفي أوروبا يصل الراتب إلى 6 آلاف دولار، في حين أنّ راتب الطبيب المختص سقفه 80 ألف ليرة (113 دولاراً بالسعر الرسمي، ونحو 32 دولاراً في السوق الموازي)، وهذه الضغوط المعيشية لم يأخذ النظام أيّاً منها في حساباته، غير آبه بنزيف الكفاءات الذي تشهده البلاد".