نشر "مركز حرمون للدارسات" في 12 سبتمبر/ أيلول الجاري دراسة تحت عنوان "الهجرة من مناطق سيطرة النظام السوري بعد عام 2019 (الدوافع - الوجهات - الآثار)"، مع شبه توقّف العمليات العسكرية وتهجير السكان في مناطق سيطرة المعارضة السورية الأخيرة، مثل درعا وريف دمشق وريف حمص.
حاولت الدراسة الإحاطة بدوافع الهجرة، والطرقات التي يسلكها المهاجرون، ومَن هم هؤلاء، وتداعيات هذه الهجرة على المجتمع والمهاجرين أنفسهم. وقد شرح المركز أنّ الباحث معدّ الدراسة "اعتمد في جمع البيانات على استبيانات توضّح تصوّرات سوريين مقيمين في تلك المناطق، وعلى مقابلات مع أشخاص مقيمين ومهاجرين، بالإضافة إلى مراجعة الأدبيات والدراسات القريبة من موضوع الدراسة".
وتوصّلت الدراسة إلى أنّ المقيمين في مناطق سيطرة النظام السوري يرغبون بأغلبهم في الهجرة، وتزداد هذه النسبة تحديداً بين أوساط الشبّان. أضافت أنّ الدافع الاقتصادي وما يرتبط به من عدم قدرة على تلبية احتياجات الحياة الأساسية من مياه وكهرباء وغيرهما بالإضافة إلى فقدان الأمل، هما العاملان الأكثر دفعاً إلى الهجرة. يُذكر أنّ المهاجرين بمعظمهم هم من المتعلّمين، وأصحاب المهن والحِرف، ومن الذين هم في سنّ الدراسة الجامعية، ومن رجال الأعمال والمستثمرين والصناعيين.
يتحدّث معدّ الدراسة سمير العبد الله لـ"العربي الجديد" عن العوامل والأسباب التي تدفع الناس إلى الهجرة من مناطق سيطرة النظام، موضحاً أنّه "بعدما كان العامل الأمني هو العامل الأكثر تأثيراً قبل عام 2019، صار عامل فقدان الأمل وكذلك العامل الاقتصادي وما يرتبط به من خدمات وظروف معيشية العاملَين الأساسيَّين للتفكير في الهجرة، بالإضافة إلى تأثير العوامل الأخرى. فعلى الرغم من الانتصارات التي يدّعي النظام تحقيقها وغياب العمليات العسكرية الكبيرة، فإنّ شيئاً لم يتغيّر في حياة الناس الذين فقدوا الأمل بتحسّن الأوضاع. وبالتالي صاروا بغالبيتهم يفكّرون في الهجرة". يضيف أنّ دراسته بيّنت أنّ "71 في المائة من المقيمين في تلك المناطق يفكّرون في الهجرة، وهي نسبة تزداد بالنسبة إلى من هم في سنّ الشباب"، لافتاً إلى أنّه "كلما ارتفع المستوى التعليمي ازدادت الرغبة في الهجرة".
إلى جانب الهجرة النظامية، تأتي تلك غير النظامية، بحسب التوصيف المعتمد من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عبر طرق التهريب بتكاليف باهظة ومخاطر مرتفعة. وعند سؤال العبد الله عن كيفية تأمين التكاليف وعن المخاطر، يجيب أنّ "الراغبين في الهجرة يعمدون بمعظمهم إلى بيع أملاكهم لتأمين تكاليف التهريب، وأن ثمّة أسراً بدأت تبيع بيوتها وتنتقل إلى بيوت مستأجرة فقط لتأمين مصاريف تهريب أبنائها. وتُضاف إلى ذلك الاستدانة وغيرها من الأساليب، على الرغم من المخاطر التي تواجه المهاجر، خصوصاً إذا كانت الهجرة عن طريق التهريب، ومنها مخاطر النصب عليه وسرقته، أو حتى تهديد حياته في بعض المسارات، لا سيّما إلى الشمال السوري ومناطق سيطرة قسد (قوات سورية الديمقراطية) أو إلى لبنان". يتابع العبد الله أنّ "كثيرين من الذين يهاجرون بعد عام 2019، صاروا يستخدمون مطار دمشق أو مطار بيروت، لذلك فإنّ المخاطر أقلّ بالنسبة إليهم، فيما يتبقّى تحدّي تأمين فرص عمل في بلد الهجرة، خصوصاً في الإمارات وكردستان العراق ومصر التي تشكل الوجهات الأساسية للمهاجرين من تلك المناطق في هذه الفترة".
ويرى العبد الله أنّ "الهجرة سوف تستمرّ بالتأكيد، خصوصاً في ظلّ استمرار أسباب الهجرة ودوافعها، من ظروف اقتصادية سيئة، وعدم وجود أيّ تطوّر في مسار الحلّ السياسي والذي دفع الكثير لفقدان الأمل من البقاء بسورية، والدلائل كثيرة على استمرار الرغبة في الهجرة، من بينها الازدحام على فروع الهجرة والجوازات للاستحصال على جوازات سفر، وكذلك عروض بيع البيوت، والمشاريع في مناطق النظام والتي تزداد مع الزمن بهدف الهجرة، واستمرار اليأس لدى كثيرين من احتمال تحسّن الأوضاع في تلك المناطق".
أمّا عن سلطات الأمر الواقع وطريقة تعاملها مع ظاهرة الهجرة، وهل في إمكانها اتّخاذ خطوات للحدّ منها، يوضح العبد الله: "يمكن القول إنّها غير قادرة على ذلك وفي الوقت نفسه لا ترغب في الأمر، خصوصاً أنّ ثمّة منتفعين من هذه الهجرة من خلال إصدار جوازات السفر، وكذلك الفرقة الرابعة التي تشرف على معظم طرقات التهريب، لا سيّما إلى مناطق المعارضة السورية ومناطق قسد، فهذه الهجرة تحقّق مكاسب مالية لسلطات الأمر الواقع هناك".
ويأتي الحصول على حياة أفضل في مقدّمة مطالب المهاجرين إلى جانب اللجوء إلى أوروبا. ويقول العبد لله: "طالما أنّ الدول التي تشكّل الوجهة النهائية للمهاجرين ما زالت تمنح لجوء وإقامة، فلن تستطيع الدول الراغبة في قطع طرقات التهريب القيام بذلك إذ إنّ المهاجرين سوف يجدون دائماً طرقات بديلة، حتى وإن كانت مكلفة أكثر"، مشدّداً على أنّ الموضوع "ليس في قطع الطرقات، إنّما في تحسّن الظروف في البلدان مصدر الهجرة، ومن بينها سورية".
وتُعَدّ أوروبا الوجهة الرئيسية للمهاجرين السوريين، سواء من مناطق سيطرة المعارضة السورية أو من مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) وحتى مناطق سيطرة الجيش الوطني، علماً أنّ طرقات التهريب تتنوّع. وفي هذا الإطار، يقول عيسى وهو شاب سوري يتابع دراسته الجامعية لـ"العربي الجديد": "في الوقت الحالي، لا أريد أن أتخرّج من الجامعة"، فالتخرّج يعني حرمانه من "ورقة تأجيل الخدمة العسكرية. لذا أنتظر أن أصير قادراً على تأمين مبلغ من المال للخروج إلى لبنان أو إلى تركيا، ثمّ الهجرة إلى أوروبا". ويوضح الشاب الذي فضّل عدم الكشف عن هويته كاملة، أنّ "ثمّة أصدقاء لي كلّفتهم عملية التهريب نحو 20 ألف دولار أميركي للوصول إلى ألمانيا. المبالغ ضخمة جداً، فيما أحاول البحث عن طريق أقلّ تكلفة".
من جهته، يخبر الأربعيني أحمد أبو علي لـ"العربي الجديد": "غادرت ريف دمشق قبل نحو ستّة أشهر ودخلت إلى تركيا. وقد تعرّضت أخيراً إلى عملية احتيال في إسطنبول في خلال محاولتي التوجّه إلى أوروبا. سوف أحاول من جديد، إذ يصعب عليّ البقاء هنا. لا أستطيع العمل وأخاف من الترحيل إلى سورية، كوني لم أحصل على بطاقة حماية مؤقتة (كملك) لذلك أحاول المغادرة بأقرب فرصة".
تجدر الإشارة إلى أنّ الدراسة بيّنت أنّ نحو 77 في المائة من المقيمين في سورية يطمحون إلى مستقبل أفضل، وهذا من العوامل الجاذبة للهجرة، بالإضافة إلى تأمين حياة كريمة بنسبة 70 في المائة، في حين أنّ 14 في المائة يجذبهم نقل النشاط الاقتصادي للهجرة. أمّا المهاجرون، فإنّ 60 في المائة منهم وفق عيّنة الدراسة، هدفهم العيش بأمان، و58 في المائة منهم تأمين مستقبل أفضل، و51 في المائة تأمين حياة كريمة، في حين أنّ تسعة في المائة منهم هدفهم نقل النشاط الاقتصادي.