استمع إلى الملخص
- تعرضت البنية التحتية التعليمية لأضرار جسيمة، حيث انخفض عدد المدارس العاملة من 22 ألف إلى 14 ألف مدرسة بين عامي 2010 و2023، مما أثر على جودة التعليم ونتائج الامتحانات.
- يحتاج قطاع التعليم إلى دعم كبير لإعادة بناء المدارس المتضررة ومعالجة مشكلة الأمية، حيث أن نصف الأطفال في سن الدراسة خارج المدرسة، مما يتطلب جهوداً مشتركة لتحسين الوضع التعليمي.
لا يمكن اعتبار إعلان عودة الحياة الطبيعية والإدارات في سورية إلى العمل، وبالتالي بدء العام الدراسي بموجب قرار وزاري، بداية لانتظام الأمور في إطارها الطبيعي. فالعملية التعليمية هي تلاميذ ومعلمون ومناهج ومدارس وتجهيزات، وتتطلب قبل كل شيء بشراً يملكون الكفاءات التربوية، ويتقاضون أجوراً تتلاءم مع شهاداتهم، تؤمن لهم ولعائلاتهم العيش الكريم، ما يدفعهم للتفرغ إلى مسؤولياتهم، فضلاً عن التقدير المعنوي الذي يجب أن يقدمه لهم المجتمع الذي يقومون على خدمته.
ومن المعروف أنه خلال الفوضى والحروب الأهلية، تتقزم قيم المجتمعات التي تقوم على خدمة العلم والإنتاج والحقوق، وتحل محلها قيم حاملي البنادق وما يرتبط بهم من أعمال القتل والنهب والسرقة والخوات. وفي سورية، أضيف إلى المعجم مصطلح "التعفيش" وسواه من تعابير تلائم واقع حال دولة السجون والكبتاغون، والتي كانت تضع العلم خارج الاهتمامات.
بعد سقوط نظام الأسد، يأمل المرء أن تكون قد زالت جميع هذه المصطلحات، وحلت محلها قيم العلم والاجتهاد والمثابرة.
كانت أوضاع المناطق متباينة، وكل منها ذات وضع تعليمي خاص، لكن ما كان يجمعها هو تراجع موقع العلم في سلّم منظومات المجتمع والاهتمام الرسمي، وما زاد الطين بلة حالة الفوضى والاحتراب، ما أوصل الأجيال الجديدة إلى حصاد من الأمية والتجهيل.
وتعرضت المدارس السورية طوال أعوام للتدمير، ولحقت ببعضها أضرار معنوية ومادية تتطلب الإصلاح الجذري للعب دورها. وتبعاً لما ذكره وزير التربية السوري السابق، دارم طباع، في يوليو/ تموز 2023، فإنه من إجمالي 22 ألف مدرسة عاملة قبل عام 2010، تبقى 14 ألف مدرسة عاملة، وقد تضرر عدد منها في كارثة الزلزال في فبراير/ شباط 2023.
هذه الأرقام كارثية بكل معنى الكلمة، وتدلل على عمق الانهيار الحاصل، ليس فقط في عديد المدارس، بل في النواتج التي يمكن أن تؤدي إليها حالة تراجع الموازنة. بالطبع، لم يقتصر هذا على مناطق سيطرة قوات النظام، بل شمل سواها، وبنسبة أفدح في مناطق المعارضة.
مع زوال الكابوس راهناً، يحتاج قطاع التعليم إلى قيم ديمقراطية متنوعة، وتوحيد وتوجيه رئيسي من مقدرات الدولة والمجتمع للنهوض به من القاع الذي سقط فيه. لكن تتطلب عمليات البناء المدارس المدمرة وترميم المدارس المتضررة تأمين نفقات لا قبل بتأمينها في بلد اقتصاده متداعٍ.
هناك أيضاً قضية شيوع الأمية، إذ ظهر أن قرابة نصف الأطفال في سن الدراسة (نحو 2.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة) هم خارج المدرسة، بحسب أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف". ما يعني كارثة بالمعنى الفعلي للكلمة.
وتكشف مؤشرات عدة حجم التراجع في المستوى التعليمي، إذ أظهرت نتائج شهادة التعليم الأساسي (الإعدادية) لدورة العام الماضي تراجع نسب النجاح من 77.11% إلى 66.07%، أما نتائج شهادة الدورة الأولى من الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي، والثانوية الشرعية والثانوية المهنية بفروعها الزراعية والصناعية والتجارية لدورة عام 2024، فقد كانت نسب النجاح فيها تقارب نصف عدد المتقدمين تقريباً.
وهناك قائمة بالأولويات التي يرى البعض أنها تحول دون إيلاء التعليم ما يستحقه من نفقات، خصوصاً أن التباين الذي ظهر في إحصاءات الأعوام الماضية بين المناطق السورية لم يعد له من مبرر، فما حصل كان يفرضه الأمر الواقع.
يمكن الجزم أن التغيير الذي حدث لا بد أن ينعكس على العملية التربوية إيجاباً، إذا ما أضيف إليه تحسن الوضع الاقتصادي، وينبغي تضافر جهود الدولة والمجتمع لتعويض ما خسرته أجيال سورية الجديدة.