تواظِب الفلسطينية أم صهيب أبو العنزين، والدة الطفلة ختام، والتي تُعاني من فقر الدم على مُتابعة حالتها الصحية داخل جمعية أرض الإنسان في مدينة غزة، سعياً لعلاجها وتحسين وضعها الصحي.
ووفق الإحصائية التي بدأت بها الجمعية المُتخصصة في مجال أمراض الطفولة الشائعة والتغذية والصحة المجتمعية في قطاع غزة مُنذ مطلع العام الحالي، وحتى نهاية شهر يونيو/ حزيران، واستهدفت حوالي 5053 طفلا وطفلة، فقد تبين وجود ما نسبته 70.2% من الأطفال المُصابين بفقر الدم، بنسب مُتفاوتة، بين الإصابة الخفيفة، والمتوسطة والشديدة.
وتعتني الجمعية من خِلال مراكِزها، في مدينة غزة، ومدينة خان يونس جنوبي القطاع بنحو 3500 طفل من الأطفال دون سِن الخامِسة، من الأطفال المُصابين بفقر الدم، عبر تقديم الخدمات الوقائية والعلاجية والإرشاد الأسري والتثقيف الصحي، في مسعى لحماية الأطفال من مخاطر سوء التغذية ومضاعفاته.
وتقول أبو العنزين، والتي بدت ملامح التوتر عليها وهي تُتابع حالة طفلتها، إنه وبعد التشخيص المبدئي لطفلتها، تم تحويلها من مستشفى كمال عدوان، شمالي قِطاع غزة، إلى جمعية أرض الإنسان، لمُتابعة حالتها، وعِلاج ضعف الدم، والضعف العام في جسدها، واتباع الجداول والنصائح الصحية اللازمة للتغلب على فقر الدم.
وتوضح أبو العنزين لـ"العربي الجديد" أن طفلتها ختام (8 أشهر) خضعت منذ اللحظة الأولى لوصولها إلى الجمعية لعدة خطوات، بدأت بالتقييم المبدئي، وقياس الطول، والوزن، وفحص الدم، وقد تبينت إصابتها بضعف الدم، وتضيف: "بدأت بالحصول على الأدوية، والفيتامينات، والمُكملات الغذائية لإعانة طفلتي على استعادة عافيتها".
وترجِع الأمراض والأنماط المُتعددة لسوء التغذية، لعدة عوامل، ومنها فقر الدم، والنحول، وقصر القامة التغذوي، ونقص العناصر الغذائية الدقيقة، إلى جانب أمراض الطفولة الشائعة، كالإسهال، والتهابات الجهاز التنفسي، علاوة على أمراض الجهاز العصبي الناجمة عن التمثيل الكيميائي في الجسم.
أما الفلسطيني محمود أبو وطفة، والذي بدا مُنشغلًا بطفله يحيى، فيقول إنه يتابع حالة طفله منذ ثلاثة أشهر في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، حيث يُعاني من نقص في الدم، وفيتامين D، وقد تم تحويله إلى جمعية أرض الإنسان للحصول على الخدمات الخاصة بتحسين حالة الطفل.
ويضيف لـ "العربي الجديد": "بدأنا بالحصول على بروتوكول علاجي، إذ تم التعامل مع الطفل من قبل المُختصين، وتحويله للطبيب المُعالِج، بعد تحليل الدم، والوزن، والطول، وذلك للمُتابعة، والحصول على نظام غذائي مناسب".
ووفق التوصيف الطبي، فقد ترجع الإصابة بمرض فقر الدم إلى عدة عوامل، ومنها تردي الأوضاع الاقتصادية في المناطق التي تُعاني من انعدام في الأمن الغذائي، إلى جانب سوء التغذية، أو عدم اتباع الأنظمة الغذائية الصحية للأطفال في مراحل نموهم، في السنوات الأولى.
يقول مدير جمعية أرض الإنسان في قِطاع غزة الدكتور عدنان الوحيدي، إنه يتم تقييم الحالات المُحولة إلى الجمعية من الناحية الصحية والغذائية وتشخيصها ووضع الخطة العلاجية المناسبة من خلال البرامج المختلفة، ومتابعتها مع ذوي الاختصاص، أو المستشفيات، وتوفير الأدوية الخاصة بفقر الدم، وسوء التغذية بأنواعها، ودرجاتها المختلفة، والتركيز على الأدوية المزودة بالعناصر الغذائية، إلى جانب العناية اليومية، والمتابعة للأطفال، والإرشاد الدائم داخل المراكز بالإضافة إلى معالجة الأمراض المصاحبة.
ويُبين الوحيدي لـ"العربي الجديد" أن الجمعية تستقبل حالات الأطفال التي تصل بشكل تلقائي، أو التي يتم تحويلها من المستشفيات، أو من برنامج العمل الميداني، ومنذ بداية شهر يناير/ كانون الثاني، لعام 2023، أجريت عملية تقييم لنحو 5053 طفلا، في ما يتعلق بالوضع الصحي، والوضع التغذوي، والتقييمي للقدرات التطورية، ومن بين هؤلاء الأطفال يُعاني نحو 70.2% من فقر الدم، بمعنى أن الهيموغلوبين أقل من 11 غراما لكل ديسي لتر من الدم (بناء على توصيات وتصنيفات منظمة الصحة العالمية).
ويلفت الوحيدي إلى أن عدد الأطفال المُصابين بفقر الدم، بحالاته الثلاث، والذين تم فحصهم منذ بداية العام يُقدر بنحو 3548 طفلا، من بينهم 1927 طفلا يعانون من فقر الدم البسيط، (أقل من 11 غراما لكل ديسي لتر من الدم)، ونحو 1611 طفلا يُعانون من فقر الدم المتوسط، (الدم أقل من 10 غرامات)، فيما وصل عدد الأطفال المُصابين بفقر الدم الشديد (من بين الأطفال الذين خضعوا للفحص داخل الجمعية) إلى 13 حالة، (الدم فيها أقل من 7 غرامات لكل ديسي لتر).
ويُبين الوحيدي أن النسب المُرتفعة تُشكل عبئاً، إذ إن حالات الإصابة البسيطة بفقر الدم قد تتطور إلى الحالات المتوسطة، فيما قد تتحول الحالات المتوسطة إلى حالات شديدة، في حال عدم الحصول على الرعاية المتواصلة، والمُتابعة والعناية الحثيثة، ما يُشكل تحديا كبيرا في العلاج، يتطلب تضافر الجهود، لخفض تلك النسب ومراحلها.
ويخضع الطفل لمنظومة كاملة من الإجراءات لحظة دخوله أرض الإنسان، تبدأ بتسجيل الحالة، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، ومن ثم تقييم الطفل غذائيا، وجسديا من خلال قسم التمريض، تمهيدا للانتقال إلى قسم المختبر لإجراء الفحوصات، ومن ثم تقييم حالته، ما بين سوء تغذية، أو فقر دم، أو تأخر في التطور، وصولا إلى مرحلة صرف العلاجات والأدوية والأغذية المُلائمة لحالة الطفل.
ويُنبه الوحيدي إلى تحدٍ إضافي، في حال إكمال الطفل البروتوكول العلاجي والتغذوي، ونجاح تخلصه من فقر الدم، يتمثل في عودة الطفل إلى الأنماط الغذائية السابقة، بفعل الظروف الاقتصادية المُتردية لأسرته، والظروف الاقتصادية الصعبة، والتي يُعاني منها مُعظم أهالي قِطاع غزة، بفعل تواصل الحِصار الإسرائيلي مُنذ 17 عامًا.
ويواجِه الواقِع الصعب في قِطاع غزة العديد من التحديات الأساسية، وفي مقدَّمها التحديات المُتعلقة بالواقع الصحي، والغذائي، إذ تعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجي، والذي بات مرهونًا للأزمات الخارجية والإقليمية والعالمية، والتي تؤثر على الحَد من البرامج، والحلول العلاجية.
وتتوافق النسبة لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مع النسبة التي توصلت إليها جمعية أرض الإنسان، إذ توضح رئيسة برنامج الصحة في "أونروا" غادة الجدبة أن الفحوصات الخاصة بالأطفال تبدأ مع بلوغهم العام الأول، وتسبقها الإجراءات الوقائية والتثقيفية لأنماط التغذية، وقد وصلت نسبة الأطفال المُصابين بفقر دم في قِطاع غزة إلى 70 في المائة.
وتلفت الجدبة لـ"العربي الجديد" إلى أنه ورغم كافة التدخلات العلاجية والوقائية، والتي تشمل توزيع المُكمّلات الغذائية والحديد، والتثقيف الغذائي للأمهات، إلا أن نسبة فقر الدم بين الأطفال في سنوات عُمرهم الأولى لا تزال مُرتفعة، مُرجعة الأسباب إلى الفقر، وانعدام الأمن الغذائي.
في الإطار، يوضح الناطق باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، عدنان أبو حسنة، أن أزمة فقر الدم، هي أزمة عامة، تتعلق بالأوضاع الاقتصادية في قِطاع غزة، خاصة مع ارتفاع نسب البطالة، والتي باتت تُشارِف على 50% بشكل عام، إلى جانب القُدرة المحدودة لأرباب الأسر على توفير المواد الغذائية، بمكوناتها المُختلفة، ما يؤثر بشكل مُباشِر على النساء الحوامِل.
ويلفت أبو حسنة في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن هناك الكثير من الأطفال يولدون ناقصي الوزن، والطول، بفعل سوء التغذية، والذي يُلقي بظلاله على البُنى الهيكلية للأطفال، وأن تلك البُنى في تراجع، بفعل تواصل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة.
وبخصوص جهود المؤسسة الدولية، يُشير أبو حسنة إلى أن الأزمة كبيرة ومُتفاقِمة، و "على الرُغم من إيجابية التدخلات المؤسساتية الجُزئية في الحد من الأزمة وتقليصها، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى حلول جذرية ومُجتمعية عامة".
ويُعاني نحو 73% من سكان قطاع غزّة من انعدام الأمن الغذائي، وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إلى جانب نحو 56% يعيشون تحت خط الفقر، (تحصيلهم أقل من خمسة دولارات أميركية يوميًا)، وفق جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، كما يعتمد ما يزيد عن 80% من أهالي قِطاع غزّة على المساعدات الغذائية التي تقدمها "أونروا"، أو المُساعدات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة، خاصة بعد ارتفاع نسب البطالة وفق إحصائية البنك الدولي إلى نحو 70%.