أزهار "أبو خنجر" أو "الثالوث" أو "لسان الثور" وغيرها من الأسماء التي قد تبدو غريبة على مسامع التونسيين، تُشكّل حلم سنية إبيضي (42 عاماً)، منذ أكثر من عشر سنوات. من عالم الصحافة إلى عالم آخر لم يألفه التونسيون الذين اعتادوا أزهار الزينة أو بعض الأزهار العلاجية، اختارت إبيضي إطلاق مشروعها الزراعي في منطقة طبرقة، شمال البلاد، لزارعة الأزهار القابلة للأكل. لم تدرس الزراعة أو الإعلام، بل الموسيقى، إلّا أنّها خاضت تجربة العمل في مجال الصحافة منذ أكثر من عشر سنوات في بعض المؤسسات الإعلامية المحلية والعالمية. وعلى الرغم من نجاحها في تلك المهنة وحصولها على جوائز في مجال الإعلام السياحي، إلا أنّ فكرة إطلاق مشروع لزراعة الأزهار القابلة للأكل كانت تراودها على مدى سنوات عدّة.
تقول إنّها كانت على مدى تلك الأعوام تقرأ عن نباتات الزينة والأزهار العلاجية وتلك القابلة للأكل. وعام 2018، قررت إطلاق هذا المشروع في منطقتها الزراعية في طبرقة، التي تتميز بمناخها الرطب ووفرة مياهها، وذلك بعد مشاركتها في مسابقة سوق التنمية وتقديمها مشروعاً خاصاً بزراعة الأزهار البيولوجية المعدّة للاستهلاك الغذائي، والذي يُعد الأول من نوعه في تونس والوطن العربي.
حصلت إبيضي على أرض زراعية بعد إبرام عقد مع إدارة الغابات لتشغيل تلك الأرض على مدى خمس سنوات، وذلك بعدما نالت الدراسة التي قدّمتها موافقة اللجنة، لتحصل على تمويل بقيمة 35 في المائة من الكلفة الإجمالية لمشروعها. واضطرت إلى بيع سيارتها والحصول على قرض مصرفي لتأمين كامل مصاريف المشروع التي بلغت نحو 40 ألف دولار.
أسماء بعض الأزهار في قرية إبيضي تعد غريبة ولا يألفها التونسيون، لكنّها في الوقت نفسه من بين أفضل أنواع الأزهار الصالحة للأكل، إذ إن مذاقها قريب من الخضار. ركزت على أنواع الأزهار التي يألف التونسيون مذاقها في أطباقهم. وتشير إلى وجود نحو 44 نوعاً من الأزهار المُعدّة للاستهلاك وذات فوائد صحية، وقد اختارت الاكتفاء بزراعة خمسة أنواع، منها زهرة "لسان الثور" ذات اللون الأزرق، ويشبه طعمها الخيار، وزهرة "أبو خنجر" ذات اللونين الأصفر والبرتقالي والتي يشبه مذاقها الفجل وتوضع في السلطة، وتعد ملكة الزهور الصالحة للأكل. ومن فوائدها أيضاً علاج الجروح، كما تستخدم كمضاد حيوي لنزلة البرد. كما تزرع إبيضي زهرة "الثالوث" التي تُستخم في إعداد الحلويات، وزهرة "البنفسج" ذات المذاق الحلو، بالإضافة إلى الخزامى والبابونج وغير ذلك.
تقول: "نستمتع بشكل ولون العديد من الأزهار التي تنمو في الحدائق والغابات من دون أن نعلم حقيقة منافعها الصحية واستعمالاتها العلاجية أو قيمتها الغذائية. لكن اطلاعي المستمر على المعلومات الخاصة بكلّ نوع من الأزهار جعلني أكتشف العديد من الحقائق عن بعض الأزهار المتوفرة في تونس. كما أتنقل في العديد من الجهات للبحث عن أنواع من الأزهار تنمو في مناطق دون أخرى".
في قريتها الصغيرة، جهزت إبيضي بيوتاً مكيّفة لحفظ مشاتل نباتاتها، وخصصت مكاناً لتجفيف تلك الأزهار. كانت قد استقبلت العديد من الزوار الأجانب للاطلاع على مشروعها وتفاصيل تلك الزهور. في البداية، فكرت في توجيه غالبية إنتاجها إلى السوق الخارجية، ولكن منذ نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي تعريفاً عما تنتجه، وصلتها اتصالات من قبل العديد من أصحاب المطاعم والفنادق، وقد باتوا اليوم من أبرز زبائنها. واليوم، تعمل معها العديد من النساء. كما أن مشاركتها في بعض المعارض أدّت إلى التعريف بما تنتجه لزوار المعارض من المواطنين العاديين الذين باتوا أيضاً يقبلون على ما تنتجه.
كلّما تحدّثت عن زهرة، تقطف واحدة منها وتدعو الزبون لتذوقها علّه يستطيع تمييز مذاق بعضها، التي تشبه بشكل كبير مذاق العديد من الخضار، على غرار الفجل أو البصل أو الخيار، أو بعض النباتات الأخرى المألوفة لدى التونسيين.
وأخيراً، تشير إبيضي إلى أنّ العمل في ضيعتها الصغيرة تحديداً يحتاج إلى متابعة يومية وتفقد مستمر لأوراق أزهارها حتى لا تصيبها الأمراض، ولا سيما أنّها لا تستخدم أي أسمدة أو أدوية كيميائية. تضيف أنّها فكرت في زراعة بعض الفاكهة التي يمكن غلي أوراقها، لكنّها لقيت معارضة من إدارة الغابات التي منعتها من زراعة أنواع من الخضار أو الفاكهة التي لا تعتبر من الثروات الغابية، وقد تحتاج إلى استعمال بعض الأدوية الكيميائية، الأمر الذي يُمنع في تلك الجهة كونها مصنفة غابة.
لكنّ إبيضي تعمل اليوم على توفير أنواع أخرى من تلك الأزهار التي تؤكل والتي جلبت غالبية بذورها من الخارج. وتشير إلى أنّها تلقت العديد من العروض من بعض رجال الأعمال في عدد من الدول العربية، على غرار المغرب والجزائر، لإطلاق مشروع مماثل في تلك الدول، بالإضافة إلى تطوير مشروعها من خلال زراعة العديد من أنواع النباتات والأزهار المعدّة للتقطير أو استخراج زيوت تُستعمل كعلاج طبي أو في مجال التجميل.