سكان النصف الشمالي من الأرض اختبروا عواقب الاحترار المناخي الوخيمة في صيف 2022

02 سبتمبر 2022
الحرائق التي شهدها صيف 2022 غير مسبوقة (ميغيل ريوبا/فرانس برس)
+ الخط -

شهد النصف الشمالي من الكرة الأرضية من أقصاه إلى أقصاه في صيف 2022 كوارث طبيعية، من بينها فيضانات قاتلة في باكستان وجفاف تاريخي وموجات حرّ في الصين وأوروبا وأمطار غزيرة في الولايات المتحدة الأميركية، شكّلت على نحو لم يسبق له مثيل ترجمةً لواقع الاحترار المناخي لمسها ملايين البشر.

يقول عالم المناخ ستيفان رامستورف لوكالة فرانس برس: "أدركنا في خلال هذا الصيف أنّنا في خضمّ الأزمة المناخية وأنّ تداعياتها حاضرة في كلّ مكان حولنا"، مضيفاً "نتّجه نحو كارثة مناخية عالمية في حال عدم اتّخاذنا أيّ خطوات سريعة وحازمة".

وتوالت في الواقع وتيرة الظواهر المناخية الحادة، إذ بدأت موجات الحرّ في الهند منذ الربيع حين تخطت درجات الحرارة 45 درجة مئوية. وفي يونيو/حزيران، عانى 120 مليون أميركي من موجة حرّ، تلتها موجة من العواصف والفيضانات أحدثت دماراً في متنزّه يلوستون الشهير. ثمّ اندلعت حرائق غابات ضخمة في إسبانيا والبرتغال وسقط ضحايا في انهيار نهر جليدي في إيطاليا، فيما طاول نصف الصين جفاف تاريخي أدّى إلى جفاف نهر يانغتسي الذي يشكّل مصدراً حيوياً لمياه الشفة وللكهرباء.

توقعات في محلّها

ومع أنّّ من المبكر استنتاج ارتباط الظواهر المناخية الحادة بالاحترار المناخي، إلا أنّ حدوث هذه الظواهر بصورة متكررة يتطابق مع ما كان متوقعاً. ويشرح رامستورف، من معهد بوتسدام للأبحاث المتعلقة بالتأثيرات المناخية، أنّ "التنبّؤ العائد إلى سبعينيات القرن الماضي والقائل بأنّ درجات الحرارة سوف تشهد ارتفاعاً في العالم كله نتيجة استخدام الوقود الأحفوري كان في محلّه".

ويشير رامستورف إلى أنّ موجات الحرّ تحصل بصورة متكررة وتكون في كلّ مرة أطول وأشدّ، فيما "يتوافق حجم هذه الظاهرة مع ما كان متوقعاً على المستوى العالمي"، من قبيل "ما تمّ التنبؤ به قبل ثلاثة عقود" لجهة ازدياد وتيرة هطول الأمطار الشديدة والجفاف، ويلفت إلى أنّ "أوروبا تشكل نقطة ساخنة لجهة موجات الحرّ، إذ لديها اتجاهات تصاعدية للحرارة أسرع بثلاث إلى أربع مرّات من بقية المناطق الواقعة على دوائر العرض المتوسطة الشمالية".

وفي المملكة المتحدة، تخطت هذا الصيف درجات الحرارة للمرّة الأولى 40 درجة مئوية، فيما شهد ساحل المحيط الأطلسي الفرنسي أحياناً درجات حرارة قياسية ارتفعت عن معدلاتها الموسمية بمقدار أربع إلى خمس درجات مئوية.

ويقول عمر بدّور، وهو خبير في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهو في صدد إعداد تقييم علمي لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين (كوب 27) المزمع عقده في مصر مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لوكالة فرانس برس: "نتساءل إذا كان الجفاف الذي ضرب النصف الشمالي من الكرة الأرضية في عام 2022 هو من بين الأخطر في التاريخ الحديث لجهة حجمه وشدّته".

وصارت الآثار الناجمة عن موجات الحرّ والجفاف متراكمة. وبحسب خبراء من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيّر المناخي، تؤدي كلّ درجة حرارة إضافية يسجّلها الاحترار إلى زيادة تبخّر المياه في الجوّ بنسبة سبعة في المائة.

صيف 2022 معيار

وقد حملت الظواهر المسجّلة تداعيات على المستويات كلها، فأدّت الرياح الموسمية في باكستان إلى مقتل أكثر من 1100 شخص وأغرقت ثلث البلاد، كما تسبّبت في تدمير المحاصيل وطاولت أضرارها أكثر من 33 مليون نسمة. أمّا الصين التي شهدت صيفاً هو الأشدّ سخونة منذ ستة عقود، فزادت إنتاجها من الفحم الذي يؤدّي إلى انبعاث كميات كبيرة من غازات الدفيئة المسؤولة عن الاحترار المناخي، للتعويض عن وقف عمل سدودها الكهرومائية. وفي دول أوروبية عدّة، اندلعت حرائق في الغطاء النباتي الذي يشهد جفافاً شديداً، فاحترقت حقول من الذرة في فرنسا، فيما بدت الأوراق اليابسة متناثرة في شوارع لندن ابتداءً من أغسطس/آب الماضي.

فهل سيكون صيف 2022 الأصعب في حياتنا؟ أجاب عالم المناخ جان جوزيل عن هذا السؤال جازماً "كلا. سوف نشهد فصولاً صيفية أكثر سخونة من عام 2022"، مضيفاً أنّ "وتيرة المواسم الصيفية الحارة سوف تزداد، في حين أنّ صيف 2022 سوف يصيرمعياراً عندما نصل تقريباً إلى 2040 و2050". وكان جوزيل قد أدلى بتصريح، أمس الخميس، عبر قناة "بي إف إم تي في" قال فيه إنّ "المطلوب هو أن نعطي أملاً للبشر وللشباب وتحديد الخطوات التي ينبغي اتّخاذها للوصول إلى الحياد الكربوني في عام 2050".

وهل من شأن هذا الصيف الساخن أن يرفع الوعي لدى الأشخاص لتحقيق الهدف المذكور سابقاً؟ يحذّر عالم الجغرافيا من المركز الفرنسي للبحوث العلمية كزافييه أرنو دو سارتر قائلاً إنّ "عدم تحرّكنا ليس ناجماً عن تشكيكنا في حقيقة الاحترار المناخي، وليس لأنّنا نعدّه مؤشّراً إلى المباشرة في العمل. ففي المواضيع البيئية ينبغي الفصل بين الإدراك والتدابير العملية". ويلفت دو سارتر تحديداً إلى "نقص في الإرادة" في ما يتعلق بالتحرّك في إطار هذه المسألة.

تجدر الإشارة إلى أنّه في داخل منظمة "يونيون أوف كونسورند ساينتستس" الأميركية غير الحكومية، أُعيد توصيف الصيف من "الموسم الجميل" إلى "موسم المخاطر".

(فرانس برس)

المساهمون