في سدّ سيدي البراق بمدينة نفزة الواقعة في ولاية باجة التابعة لإقليم الشمال الغربي، على بعد 140 كيلومتراً شمال العاصمة التونسية، يبدو المشهد صادماً. فالسدّ يكاد ينضب من المياه والأرض متشققة والأشجار المحاذية تموت ببطء نتيجة موسم جفاف ثالث يضرب تونس.
تعاني تونس من نقص كبير في الأمطار منذ سبعة مواسم ومن جفاف مستمرّ للعام الثالث على التوالي، الأمر الذي يزيد من المخاطر التي تحدق بالأمن الغذائي في بلد يعاني أصلاً من ويلات اقتصادية. كذلك يهدّد الجفاف مناطق عديدة في البلاد، من بينها العاصمة، بالعطش نتيجة تراجع مخزون السدود إلى مستوى غير مسبوق.
ويقول المسؤول في وزارة الفلاحة حمادي الحبيب إنّ "الوضع خطر جداً بسبب سنوات الجفاف المستمرة... الآن يبلغ منسوب السدود في تونس 25 في المائة من سعتها، فيما وصل في بعضها إلى 10 في المائة فقط". يضيف: "فقط 660 مليون متر مكعّب هي كميات المياه في 37 سداً بالبلاد".
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2022، سقطت 110 ملايين متر مكعّب فقط من الأمطار في تونس، أي نحو خمس المعدّل الطبيعي، علماً أنّ المعدّل الاعتيادي لا يقلّ عن 520 مليون متر مكعّب، وهو ما يشير إلى أنّ خطر العطش والجوع يحدقان بتونس.
وفي سليانة، لا تتجاوز الكميات الحالية أربعة ملايين متر مكعّب في سدّ سليانة الذي يتّسع لنحو 27 مليون متر مكعّب، وسط حيرة الفلاحين الذي ينتظرون موسماً زراعياً صعباً جداً. ويتوقّع المزارعون واتحاد الزراعة حصاداً هزيلاً للحبوب هذا العام، بسبب الشحّ الكبير في الأمطار.
كذلك تواجه الزراعات الباقية مثل الزيتون، والذي يمثّل أبرز صادرات تونس، بدورها خطر التراجع الكبير، وبالتالي زيادة عجز الميزان التجاري الغذائي للبلد الذي توشك ماليته العامة على الانهيار.
وبينما كان الفلاح حاتم النفرودي يملأ المياه في شاحنة من سدّ سليانة، لم تفارق علامات الحيرة والوجوم وجهه وهو يقول "الكارثة تتعاظم.. الجفاف مخيف". يضيف وهو يتّجه إلى سقي أشجاره: "لم أعتد سقي أشجار اللوز والزيتون في خلال فترة الشتاء. لكنّني ها أنا أفعل بسبب الجفاف. منذ عام 1990، لم أرَ جفافاً مثل هذا العام. لم تعد الفلاحة مصدر ربح".
وبسبب الجفاف وندرة الأعشاب وغلاء الأعلاف، اضطرّ مزارعون كثيرون إلى التخلي عن آلاف الأبقار، الأمر الذي خلّف تراجعاً كبيراً في إنتاج الحليب الذي اختفى عن رفوف أغلب المتاجر. وقد فاقم ذلك غضب السكان الذين يعانون من الويلات للحصول على سلع أخرى من السكر والزيت والزبدة والأرز.
ونشرت مراكز تنمية فلاحية في البلاد بيانات محلية تدعو الفلاحين إلى وقف استخدم مياه الريّ في الزراعات السقوية (القائمة على السقي إمّا بواسطة الأنهار أو العيون أو المياه الجوفية) للخضراوات، قائلة إنّ الأولوية للحبوب والزيتون ثمّ بعد ذلك لأشجار الفواكه. وكإجراء عاجل، بدأت السلطات بمنح الأولوية لمياه الشرب عبر الحدّ من الحصص المائية الموجّهة إلى القطاع الزراعي، لكنّ ذلك أدّى إلى ندرة بعض المنتجات الزراعية وارتفاع أسعار الخضراوات. وفي حين قفز المعدّل العام للتضخّم إلى 10.1 في المائة في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022، ارتفع تضخّم السلع الغذائية إلى ما يقارب 15 في المائة.
ومع ندرة مواردها المائية، تتعاظم الخشية في تونس من العطش هذا العام، ولجأت الحكومة في شهر ديسمبر الماضي لرفع أسعار المياه الصالحة للشرب الخاصة بالبيوت والفنادق سعياً إلى ترشيد استخدامها. ويقول الحبيب: "إذا لم نتّخذ قرارات في يناير/ كانون الثاني (الجاري) لتقليص مياه الريّ ومنح الأولوية لمياه الشرب، تأكّدوا أنّه في أغسطس/ آب (المقبل) لن نجد مياه الشرب في العاصمة والساحل وصفاقس (وسط)".
من جهته، يشير المسؤول في شركة توزيع المياه المملوكة للدولة عبد السلام السعيدي إلى قرارات حازمة لم يعلن عنها، لكنّها من المرجّح أن تنصّ على قطع المياه لفترات وفقاً لخبراء. ويقول السعيدي في حديث إلى التلفزيون الرسمي إنّ "الوضع خطر. وإذا استمرّ على هذا النحو، فسوف نضطر إلى اتّخاذ إجراءات لن نعلن عنها الآن".
وبينما دعا خبراء إلى إعلان حالة الطوارئ المائية في البلاد بسبب الجفاف المستمرّ والتراجع المخيف لمنسوب السدود، شجّعت الحكومة التونسية في قانون ميزانية 2023 السكان على حفر مخرّات لتجميع مياه الأمطار. وتقول الباحثة في مجال المياه ومنسقة مشاريع في المرصد التونسي للمياه راضية سمين: "لقد حان الوقت لإعلان حالة الطوارئ المائية. كلّ المؤشّرات تدل على أنّنا إذا التزمنا الصمت سوف نصل إلى مرحلة العطش. آلاف العائلات سوف تُحرَم من مياه الشرب".
وفي الإطار نفسه، أفاد وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد وكالة رويترز، في وقت سابق من هذا الشهر، بأنّ تونس في صدد إعداد دراسات لبناء سدود ومحطات لتحلية مياه البحر في محافظات عديدة في داخل البلاد من ضمن المخطط التنموي الممتدّ من عام 2023 إلى عام 2025.
(رويترز)