تحلم الفتاة الفلسطينية فرح اسليم، البالغة من العمر 12 عاماً، بأن تصبح طبيبة، وهي تشارك في نشاط تعدّه جمعية "سبارك للابتكار والإبداع" الخيرية في غزة، والذي يحاول تهيئة الأطفال والشبّان لوضعهم على الطريق المناسب بهدف الانطلاق بمشوارهم الطويل العلمي والعملي.
وتنظّم جمعية "سبارك" في مدينة غزة فعاليات عديدة للأطفال والشبّان في مختلف المجالات، بهدف إثارة شغف العلوم لدى الفتيات والفتيان وتمكينهم من المعرفة والثقة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والبرمجة والهندسة والرياضيات، ليصبحوا قادة في حلّ المشكلات في المستقبل.
ومن خلال ما توفّره جمعية "سبارك"، تُفتَح للملتحقين بعدد من الأنشطة التدريبية والتعليمية والفنية نوافذ للاطلاع على ملامح المهن المستقبلية المحتملة. وهذا ما تستفيد منه فرح وأقرانها، إذ إنّ "السعي إلى مهنة المستقبل يتطلب الإرادة والشغف بهدف النجاح"، بحسب ما تؤكد الفتاة.
من جهته، يقول الفتى عبد الله العلمي، البالغ من العمر 12 عاماً، إنّه التحق بنشاط جمعية "سبارك" بسبب شغفه بالهندسة، لافتاً إلى أنّ أفراد أسرته بمعظمهم يعملون في هذا المجال. ويشير إلى أنّه حصل على "دروس وتدريبات عملية عديدة متعلقة بالهندسة، وقد زاد ذلك من شغفي نحو مهنة المستقبل".
وتعمل الجمعية من خلال أنشطتها التدريبية مع الأطفال واليافعين على إحداث قفزة نوعية، بهدف خلق جيل من الشباب المبدعين والمنتجين والمشاركين في عملية التغيير المجتمعي الإيجابي، وبما يضمن المشاركة العادلة بين الجنسَين. كذلك تُعزّز الجمعية الإبداع والابتكار لتوليد قيمة في المجتمع، فيكون مجتمعاً مزدهراً وناجحاً يتمتّع فيه الأفراد جميعاً بالأدوات اللازمة لإطلاق أفكار جديدة لخلق فرص عمل إبداعية.
وتهدف "سبارك" إلى توظيف الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة، والمتمثل في الابتكار، للعمل على التعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والعمل اللائق، والتغيّر المناخي، فيما يتركّز العمل مع اليافعين والشبّان.
يغطّي برامج اليافعين في الجمعية الفئة العمرية 12 - 17 عاماً، فيحظى هؤلاء بالجزء الأكبر من البرامج التي ترتكز على منهجية "ستيم" (STEM) القائمة على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والتي يسيطر فيها الجانب العملي. وفي هذا الإطار، يأتي مشروع "غزة ميكرسبيس" (Gaza Makerspace) تلك المساحة المفتوحة التي تتيح للأطفال واليافعين والشبّان اختبار أمور كثيرة يرغبون فيها. وفي هذا المشروع الذي يُعَدّ الأوّل من نوعه في غزة، يستطيع اليافعون والشبّان استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد وآلات التحكّم الرقمي الإلكتروميكانيكية وغيرها للعمل على مشاريعهم.
أمّا برامج الشبّان فتستهدف الفئة العمرية 19 - 25 عاماً، وترتكز فلسفة العمل فيها على قاعدة "تعليم من أجل العمل". ويأتي نادي التصميم الغرافيكي ونادي البرمجة في هذا السياق. وفي الأخير، يتعلّم المستهدَفون بهذه البرامج برمجة مواقع الإنترنت وتطبيقات الهاتف النقال وغيرها من خلاله، ومن شأن ذلك أن يساعدهم في إيجاد عمل في المستقبل.
يقول أحمد مخيمر، خرّيج هندسة ميكاترونيكس، إنّ "جمعية سبارك توفّر بيئة تدريب مناسبة للطلاب والخرّيجين، من خلال توفير المعدّات اللازمة للعمل على المشاريع بهدف تطوير مهاراتهم، وتتيح الفرصة المناسبة لتطبيق المناهج النظرية التي درسوها وتطوير قدراتهم العملية وتجهيزهم وتأهيلهم بشكل جيد لسوق العمل". يضيف أنّه تلقّى "تدريبات على أنظمة الذكاء الاصطناعي، والطابعة ثلاثية الأبعاد، وآلات التحكّم الرقمي الإلكتروميكانية، والبرمجة، وتقنيات الرؤية الحاسوبية، إلى جانب التدرّب على تصميم الدوائر الإلكترونية".
من جهتها، تخبر الخرّيجة لمياء الداعور أنّها حُوّلت إلى جمعية "سبارك" من خلال مشروع "سلالِم"، وبدأت بتدريب ملتحقين بالأنشطة على الطباعة ثلاثية الأبعاد. تضيف أنّها متحمسة للعمل مع الشبّان، إذ إنّ هؤلاء في مرحلة حاسمة ما بين حياتهم العلمية وتلك العملية.
وتتضمّن البرامج المتعلقة بفئة الشباب كذلك مجموعات "الميكرز" (Makers) التي يعمل فيها الشبّان بعضهم مع بعض على برامج التصنيع الرقمي، من أجل زيادة مهاراتهم في هذا المجال ونقل خبرتهم إلى الذين يلتحقون بدورات تدريبية في "سبارك". والمشاركون هم بمعظمهم من طلاب وطالبات كليات الهندسة بمختلف تخصصاتها.
وفي سياق متصل، توضح مؤسّسة ومديرة جمعية "سبارك للابتكار والإبداع" هيام الحايك، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجمعية تنموية وقد تأسست في عام 2018، وهي لا تهدف إلى الربح المادي. وتعمل في مجالات الثقافة والعلوم، وقد سُجّلت من خلال وزارة الداخلية في رام الله في يناير/ كانون الثاني من عام 2019".
وتشير الحايك إلى أنّ "الجمعية تضمّ برامج رئيسية، وهي برنامج التحوّل الرقمي ومنهجية تعليم ستيم، وبرنامج البيئة والمناخ، وبرنامج القيادات الشابة والمواطنة الإيجابية"، مؤكدة أنّها "تهدف بمجملها إلى صقل مواهب الأطفال والشبّان ودفعهم نحو مهن المستقبل".
وتشرح الحايك أنّ "برنامج التحول الرقمي التفاعلي يركّز على الدمج ما بين العلوم والتكنولوجيا والعمل مع الناس لتشكيل عالم أفضل، من خلال الجمع ما بين الفهم العميق للتقنيات الجديدة الناشئة وتطبيقها لحلّ مشكلات مجتمعية. ويوظّف البرنامج مساحات العمل المجّهزة بتقنيات التصنيع الرقمي والعِدد والإلكترونيات من أجل خلق تجربة تعلّم فريدة من نوعها".
ويتضمّن برنامج التحوّل الرقمي التفاعلي مجموعة من المشاريع والأنشطة والبرامج الفرعية، من قبيل برنامج "الفتيات في مجال ستيم" الذي تُزوَّد الفتيات الصغيرات من خلاله بفرصة التعمّق في مواضيع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، من أجل سدّ الفجوة ما بين الجنسَين في هذه المجالات. كذلك يضمّ برنامج الرقمنة والشمول، وتُنفَّذ فيه أنشطة وبرامج وفعاليات لمساعدة اليافعين والشبّان في الوصول الشامل إلى التكنولوجيا والأدوات الرقمية، من خلال تزويدهم بأدوات من شأنها تحسين قدرتهم على التعامل مع المنصات والتطبيقات الرقمية والوسائط، وتعزيز وصولهم إلى سوق العمل الرقمي، وزيادة فرصهم في المنافسة في بيئة العمل الرقمية، مع ضمان امتلاكهم المهارات الأمنية للمجموعة المستهدَفة للتعامل مع التهديدات الأمنية الرقمية.
أمّا برنامج البيئة والمناخ، فيدعم الإجراءات التي تمكّن الشبّان من ترجمة برامج تغيّر المناخ إلى سياسات فعّالة، بما يضمن تجنيب الأجيال المقبلة آثار تغيّر المناخ القاسية، وذلك من خلال مشاريع وأنشطة متعدّدة، من قبيل برنامج "غو غرين" (Go Green) لاستقطاب المواهب والقادة الشباب من مختلف المجالات، وتوفير المعارف والفرصة أمامهم للانطلاق في مجال الحلول النظيفة، وبرنامج "مدن مستدامة" لتعزيز المسؤولية الاجتماعية وقيادة الشبّان لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبرنامج "سفراء العدالة المناخية" لنشر رؤية العدالة المناخية والمواطنة العالمية.
وبالنسبة إلى برنامج القيادات الشابة والمواطنة الإيجابية، فترتكز رؤيته حول يافعين وشبّان قادة، ومواطنين فاعلين، ومسؤولين قادرين على إدراك الواقع الذي يعيشون فيه على المستويَين المحلّي والعالمي، وإحداث التغيير من أجل تحقيق تنمية مستدامة في مجتمعاتهم.