تشهد الشواطئ التي تطل على البرك والأنهار في العاصمة الروسية موسكو وضواحيها ازدحاماً ملحوظاً، وسط بحث المواطنين عن حصتهم من الشمس لتخزين فيتامين "دي" قبل انتهاء فصل الصيف الذي لا تتعدى مدته ثلاثة أشهر في البلاد.
يُسعد الاستجمام في الشمس والطقس الدافئ الروس الذين يجنون أيضاً فوائد صحية من درجات الحرارة المرتفعة التي تجاوزت معدلاتها 30 مئوية بداية أغسطس/ آب الجاري، علماً أن معدلات الحرارة فاقت تلك في العام الماضي بـ2.5 - 3 درجات مئوية، بحسب بيانات أصدرها مركز "فوبوس" للأرصاد الجوية.
لكن ثمّة تحذيرات من المخاطر طويلة الأجل لاستمرار الاحتباس الحراري الذي تعتبر وتيرته في روسيا أعلى من دول أخرى في العالم، وتشمل تداعياته الأكبر مناطق شمال روسيا والبنى التحتية المشيّدة فيها، باعتبار أن نسبة أكثر من 60 في المائة من أراضي روسيا تقع ضمن منطقة التربة الصقيعية، وهي تسمية الأرض المجمّدة في شكل دائم، والتي توفر دراستها حالياً نافذة على الماضي والمستقبل لمحاولة فهم كيفية استجابتها للأحداث السابقة لتغيّر المناخ.
ويلفت رئيس منظمة "الصندوق الأخضر" المعنية بحماية البيئة، أوليغ إيفانوف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن البشر لن يشعروا بارتفاع درجة الحرارة درجتين أو ثلاث درجات، لكن روسيا يجب أن تتأهب لمواجهة التحديات الناجمة عن الاحتباس الحراري الذي بات واقعاً لا يمكن تغييره"، محذراً من تعرّض مواقع البنى التحتية في مناطق أقصى الشمال الروسي لمخاطر كبيرة.
يضيف: "يعيش البشر في كل الظروف المناخية، وقد أنشئت مدن خلف الدائرة القطبية الشمالية، ومحيط حقول الموارد الطبيعية. والظروف المناخية الصعبة لا تثني الراغبين عن الذهاب إلى أقصى الشمال للعمل بنظام التناوب للحصول على أجور مغرية".
ويعتبر الجزء الأكبر من مساحة روسيا غير صالح للعيش، ما دفع السلطات في موسكو إلى استثمار المناطق الشمالية الثرية بالموارد الطبيعية، ومنح امتيازات كبيرة للعاملين فيها.
وفي الأسابيع الأخيرة، اهتم العلماء بظاهرة ذوبان الثلوج في باتاغايكا، وهو أكبر منخفض صقيعي في العالم، ويقع في جمهورية ساخا (ياقوتيا) أقصى شرقي روسيا، وذلك بعد نشر مقطع فيديو أظهر تسلّق مستكشفين منخفضاً خالياً من الثلوج، وتحدث علماء عن أن وتيرة الاحتباس الحراري في روسيا تحصل أسرع بمقدار لا يقل عن 2.5 ضعف عن باقي أنحاء العالم. لكن إيفانوف يقلل من المخاطر الناجمة عن تشكّل هذه المنخفضات الفارغة، طالما أنها تقع بعيداً عن بلدات سكنية وعناصر البنى التحتية الحيوية، مثل خطوط نقل الكهرباء".
ويلفت الناشط إلى أن روسيا قد تجني مكاسب من التغّير المناخي، بينها تمديد موسم الملاحة البحرية عبر الممر البحري الشمالي، من دون استخدام كاسحات جليد، لكنه لن يجري الاستغناء بالكامل عن مرافقة الكاسحات للسفن في المستقبل المنظور".
ويعد الممر البحري الشمالي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ عبر منطقة القطب الشمالي، حلقة وصل بين روسيا وبلدان جنوب شرقي آسيا واليابان والصين وغيرها من الدول، وهو بالتالي من الشرايين البحرية الشمالية المهمة لحركة التجارة العالمية التي تزداد أهمية مع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان الثلوج.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، توقع نائب رئيس اتحاد تنسيق استخدام الممر البحري الشمالي، فلاديمير خارلوف، ألا تحتاج السفن التجارية إلى مرافقة كاسحات جليد بحلول منتصف القرن في حال استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري بوتيرتها الحالية، ما سيترجم في انخفاض تكلفة الملاحة، ويزيد فرص منافسة قناة السويس.
ويحظى تطوير الممر البحري الشمالي بأولوية استراتيجية لدى السلطات الروسية، إذ تقتضي الخطة الحكومية زيادة حركة النقل عبره من 34 مليون طن عام 2022 إلى 220 مليوناً بحلول عام 2035.
والعام الماضي، كشفت دراسات أنّ سطح الجليد البحري يتقلّص بمعدل 9 في المائة في الشتاء، و48 في المائة في الصيف منذ بدء التقاط الصور الأولى بالأقمار الصناعية عام 1979، فيما انخفضت سماكته بنسبة 66 في المائة.
وأشارت إلى أن حرارة الغلاف الجوي للمنطقة القطبية الشمالية ارتفعت أربع مرات أسرع من أي مكان آخر على مدار الأربعين عاماً الماضية، ما يوازي ضعف المستوى الوارد في النماذج المستخدمة من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وعلى عكس الغلاف الجوي الذي يسخّن سطح القطب الشمالي في الربيع والصيف فقط، يتسبب ارتفاع درجة حرارة المحيط في ذوبان الجليد البحري على مدار السنة، خصوصاً في فصل الشتاء. ويؤدي اختفاء الجليد البحري إلى تسريع الاحترار، بسبب ظاهرة تسمى "تضخم القطب الشمالي". ويحدث ذلك عندما يذوب الجليد البحري الذي يعكس بشكل طبيعي حرارة الشمس، ويتحول مرة أخرى إلى مياه بحر داكنة تمتص مزيداً من الإشعاع الشمسي وتسخن.