روسيا: تكنولوجيا رقمية تكشف التعذيب في السجون

02 مارس 2021
تحقيق العدالة مطلوب بقوة (ستانيسلاف كرازيلينيكوف/ Getty)
+ الخط -

يأمل حقوقيون أن تساهم التكنولوجيا في الكشف عن حالات التعذيب في السجون الروسية التي ظهر بعضها إلى العلن أخيراً

تشهد روسيا، في الوقت الراهن، مجموعة من فضائح التعذيب التي وقعت داخل السجون، في مناطق مختلفة من البلاد، ووصلت إلى حدّ اعتراف الهيئة الفيدرالية لتنفيذ العقوبات، بتلك الحوادث وتوقيف المتسببين ومحاكمتهم، وسط آمال الحقوقيين في أن يزيد الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية داخل السجون من احتمالات الكشف عن الانتهاكات والحدّ منها.
في هذا الإطار، حصل صندوق "الحكم المجتمعي" (منظمة حقوقية غير حكومية) مؤخراً على مقاطع فيديو جديدة لوقائع ضرب وتعذيب مروعة بالإصلاحية رقم 1 في مقاطعة ياروسلافل، غربي روسيا، أدت إلى وفاة معتقل في مستشفى في مدينة ريبينسك في عام 2017. وجرى رفع قضية جنائية جديدة للتحقيق في الواقعة بعد نشر صحيفة "نوفايا غازيتا" ذات التوجهات الليبرالية المعارضة، مقطع الفيديو الذي يظهر تعرض السجناء للضرب المبرح بالعصي، بينما هم راقدون على طاولة. وحقق الفيديو نحو 180 ألف مشاهدة منذ نشره على "يوتيوب" في 23 فبراير/ شباط الماضي، ما ساهم في إثارة القضية لدى الرأي العام.

وفي الوقت الذي خرج أحد السجناء الذين تعرضوا للضرب من الإصلاحية بسلام وتمكن من الإدلاء بشهادته، لم ينجُ سجين آخر جورجي الجنسية، واسمه فاجا بوتشوريشفيلي، من الاعتداءات، بل لفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفى ريبينسك متأثراً بالنزيف وإصابة الكبد. من جهتها، سعت إدارة الإصلاحية للتستر على تعرضه لانتهاكات جسدية، ولم يتسلم أقاربه جثمانه سوى بعد مرور بضعة أيام على وفاته، وكان بلا أعضاء داخلية، وفق شهادة شقيقه.   
وفي مقاطعة إركوتسك الواقعة في سيبيريا، شمالي روسيا، رصدت لجنة المراجعة التابعة للهيئة الفيدرالية لتنفيذ العقوبات أدلة على استخدام العنف بحق 75 معتقلاً، وجرى رفع تسع قضايا جنائية على خلفية ذلك. وذكرت وكالة "نوفوستي" الحكومية الروسية أنّ هيئة تنفيذ العقوبات ولجنة التحقيق والنيابة تراجع منذ بضعة أسابيع ظروف الاعتقال في مراكز الحبس الاحتياطي وإصلاحيات مقاطعة إركوتسك، كما تبين أنّ 41 شخصاً لهم ضلوع في أعمال العنف بحق المعتقلين.  
مع ذلك، يرجع الخبير القانوني والحقوقي، بافيل ماروشاك، تزايد حالات اكتشاف حوادث التعذيب بالسجون الروسية إلى اعتماد التكنولوجيا الرقمية والكاميرات بالإصلاحيات، متوقعاً أن يساعد ذلك في الحدّ من الانتهاكات الجسدية بحق السجناء الروس وتحسين أوضاعهم بشكل عام. ويقول ماروشاك في حديث إلى "العربي الجديد": "يظهر من الفيديو أنّه جرت في ياروسلافل ممارسة أساليب بالغة القسوة، لكن رُفعت قضية جنائية بعد ثلاث ساعات فقط على نشر الفيديو، مما يؤكد أنّ السلطات لا تنوي السكوت على القضية. أظهرت واقعة ياروسلافل أنّه يمكن إيصال مثل هذه الحوادث إلى القضاء". وحول العوامل التي تساعد في الكشف عن الانتهاكات بحق السجناء، يضيف: "هناك استثمارات في منظومة تنفيذ العقوبات تتركز على مجال التكنولوجيا، ومنها إلزام موظفي الهيئة الفيدرالية لتنفيذ العقوبات بتثبيت كاميرات فيديو على بدلاتهم، ومن دونها لما كنا علمنا بما جرى. والأهم أنّ الجهاز المركزي لا يسعى للتستر على هذه الحوادث أو الاكتفاء بإجراءات تأديبية بسيطة، وبالفعل جرى توقيف بضعة مسؤولين عن حوادث التعذيب". 
ماروشاك الذي سُجن أكثر من ثلاث سنوات في روسيا، بقضية ذات خلفية سياسية، يعلق على مقطع الفيديو الأخير، قائلاً: "من جانب، فإنّ هذا الفيديو مثير للصدمة كونه يظهر أعمالاً أدت إلى وفاة سجين يحمل الجنسية الجورجية، لكن، من جانب آخر، هناك ردّ فعل عليه، إذ يتضح أنّه يمكن، بل يجب، مراقبة الوضع بواسطة التكنولوجيا الحديثة". كذلك، يلفت الخبير الحقوقي الروسي إلى أنّ هناك تحسناً عاماً لأوضاع السجناء في روسيا، بالإضافة إلى تراجع عددهم، مؤكداً أنّ "هذه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها حتى الحقوقيون الأكثر تشدداً" قبل أن يضيف: "أصبحت وزارة العدل وهيئة تنفيذ العقوبات، في وقتنا الحالي، تتبنيان موقفاً مفاده أنّ منظومة الإصلاحيات يجب أن تؤدي مهمتها المباشرة، وهي عزل الجناة عن المجتمع وليس تعذيبهم".  

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

تجدر الإشارة إلى أنّ العام الماضي شهد تراجع عدد المعتقلين في روسيا إلى ما دون نصف مليون سجين، إذ تشير أرقام هيئة تنفيذ العقوبات الصادرة في أغسطس/ آب الماضي، إلى أنّ عددهم بلغ نحو 497 ألف معتقل، وهو رقم يشمل المدانين (نحو 392 ألفاً) ومن جرى وضعهم رهن الحبس الاحتياطي، على حدّ سواء. وأعادت الهيئة السبب في هذا التراجع إلى "الاستخدام الواسع لعقوبات بديلة لا تقتضي حبساً، وزيادة ليبرالية السياسات الجنائية - التنفيذية"، بالإضافة إلى تراجع عدد من سُجنوا عند ارتكاب أول جنحة بنسبة 26 في المائة. مع ذلك، تبقى روسيا في المرتبة الأولى بين بلدان مجلس أوروبا (المنظومة التي تضمّ 47 بلداً أوروبياً) لجهة عدد السجناء، لتبلغ حصتها نحو الثلث من بين إجمالي المعتقلين في الدول الأعضاء بالمجلس، في القارة العجوز.

المساهمون