لم تعد إجراءات الوقاية من كورونا في روسيا مشددة كما في بداية الجائحة قبل عام، وإن كانت الإصابات المسجلة يومياً تناهز عشرة آلاف، كما يزداد الاطمئنان بالترافق مع توسع حملة التطعيم
في مثل هذه الأيام قبل عام، كان العالم أجمع يتابع بدء تمدد جائحة كورونا وسط إسراع في اتخاذ إجراءات حازمة، من دون أن يتوقع أحد في ذلك الوقت أنّ الفيروس سيغير نمط حياة العالم، بلا انتصار نهائي على الوباء في الأفق المنظور. لم تكن روسيا استثناء عن غيرها من الدول، إذ بدأت السلطات الروسية في منتصف مارس/ آذار 2020 بفرض قيود صارمة لمنع تفشي كورونا، من بينها تحويل تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والموظفين إلى نظام التعليم والعمل عن بُعد، وتعليق نشاطات القطاع الخدمي، وحتى وقف حركة الطيران الدولي وإغلاق الحدود الخارجية للبلاد.
لكن، بعد مرور عام على بدء الجائحة، تكاد الحياة اليومية في روسيا تبدو طبيعية باستثناء فرض القيود على بعض الفعاليات الجماهيرية، وسط توسع نطاق التطعيم وتزايد الآمال في تأقلم العالم مع كورونا في أقرب وقت، على الرغم من تسجيل نحو 10 آلاف إصابة جديدة في البلاد يومياً.
في هذا الإطار، يعتبر كبير أطباء مركز "ليدير" الطبي في موسكو، يفغيني تيماكوف، أنّ الوضع مع الجائحة في روسيا بات مستقراً ولم يعد يتطلب إجراءات حازمة، متوقعاً أن يصبح الوضع تحت السيطرة الكاملة بحلول منتصف الصيف المقبل. ويقول تيماكوف لـ"العربي الجديد": "الجائحة مستمرة، لكنّ الوضع مستقر، وما زالت هناك بعض الإجراءات التقييدية، وتجرى حملة تطعيم واسعة النطاق، ومن المنتظر أن يكون الوضع تحت السيطرة التامة بحلول منتصف الصيف بعد تشكل المناعة الجماعية". وحول تقييمه للإجراءات الحازمة التي اتخذت عند بدء جائحة كورونا، يضيف: "كانت هذه الإجراءات أكثر من مبررة، إذ أتاحت كسب وقت لإعداد أسرّة إضافية بالمستشفيات وبدء تطوير اللقاح بعد فرض الإغلاق الكلي وإغلاق الحدود لمنع تسلل مزيد من حالات الإصابة".
من جانب آخر، يقلل مدير عام شركة "إنفوموست" للاستشارات في مجال البنية التحتية والنقل، بوريس ريباك، من أهمية إسهام إغلاق الحدود وتعليق حركة الطيران في الحدّ من انتشار كورونا، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم تثبت أيّ دراسة أنّ كورونا ينتشر عبر الطيران، بل المصدر الرئيسي للعدوى هو مترو الأنفاق في المدن الكبرى وقطارات الضواحي". وعلى الرغم من فتح روسيا حركة الطيران مع مزيد من الدول بشكل تدريجي، فإنّ ريباك يستبعد احتمال عودة الطيران إلى صورته ما قبل الجائحة، مضيفاً أنّ "قطاع الطيران لن يعود إلى صورته ما قبل كورونا أبداً، مثلما لم يعد إلى ما قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لجهة إجراءات مكافحة الإرهاب. كذلك، سيأتي اللقاح المضاد لكورونا بنتائج إيجابية، لكن ليس فوراً".
دفعت روسيا، خلال عام مضى، ثمناً غالياً لجهة عدد الوفيات سواء أكان كورونا سبباً مباشراً فيها أم لا. وفي الوقت الذي تشير فيه أرقام موقع "ستوب كورونا فيروس" الحكومي إلى تسجيل أكثر من 93 ألف وفاة بكورونا حتى أمس الثلاثاء، تؤكد بيانات هيئة الإحصاء "روس ستات" أنّ معدل الوفيات العام في روسيا ازداد في يناير/ كانون الثاني الماضي بنسبة 34 في المائة تقريباً مقارنة ببداية عام 2020، ليبلغ نحو 220 ألفاً بزيادة تقارب 68 ألفاً.
ويقرّ تيماكوف بأنّ الإغلاق الكلي أدى إلى زيادة عدد الوفيات حتى بين غير المصابين بكورونا، قائلاً: "هناك وفيات متعلقة بكورونا بشكل مباشر وأخرى بشكل غير مباشر نتيجة لعوامل مثل تعطل تقديم الخدمات الطبية، لكن تسنى الحدّ من تداعياتها بفضل الاعتماد على خدمات الإسعاف وتطوير التطبيب عن بعد".
وعلى الرغم من توسع نطاق حملة التطعيم من كورونا لتشمل نحو 5 ملايين شخص في روسيا حتى الآن، فإنّ أغلبية الروس ما زالوا ينظرون بعين الريبة إلى اللقاح، إذ أظهر استطلاع أجراه مركز "ليفادا" أنّ نسبة المستعدين للتطعيم بلغت 30 في المائة فقط في فبراير/ شباط الماضي، بتراجع نسبته 8 في المائة مقارنة بديسمبر/ كانون الأول الماضي. في المقابل، أعرب 56 في المائة من الروس عن عدم تخوفهم من الإصابة بكورونا "بشكل عام" مقابل 43 في المائة ما زالوا يخافون. ويعلق تيماكوف على ريبة الروس تجاه اللقاح من كورونا، مضيفاً: "هناك قطاع من الناس يخافون دائماً من اللقاحات ولا يخضعون للتطعيمات أبداً. أما الآن، فبات الناس منقسمين إلى عدة فئات، بمن فيهم من ينتظرون تداعيات التطعيم على الآخرين، ومن قد أصيبوا أو لم يصابوا، والمترددون، والرافضون، لكنّهم جميعاً سيرون فاعليته بعد مرور شهر أو شهرين".
وتشير أرقام أوردتها صحيفة "إر بي كا" الروسية، خلال الشهر الجاري، إلى أنّ إجمالي عدد الروس الذين تلقوا جرعة واحدة على الأقل من اللقاح المضاد لكورونا تجاوز 4.7 ملايين شخص، وهناك عدد من الأقاليم، بما فيها العاصمة موسكو، تجاوزت نسبة من تلقوا التطعيم فيها عتبة 5 في المائة من السكان. في المقابل، لم تتجاوز نسبة التطعيم في جمهوريات شمال القوقاز، جنوبي البلاد، مثل الشيشان وقبردينو - بلقاريا 2 في المائة، وجاءت داغستان في المرتبة الأخيرة بنسبة أقل من 1 في المائة.
وبحسب الأرقام الواردة بموقع جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية، ما زالت روسيا في المرتبة الرابعة عالمياً في إجمالي عدد المصابين بكورونا بواقع أكثر من 4.4 ملايين إصابة، بعد كلّ من الولايات المتحدة والبرازيل والهند، متقدمة بفارق طفيف على بريطانيا وفرنسا.