قبل أيام من انتهاء عام 2021، قدم برلمانيون في مجلس النواب الروسي (دوما) مشروع قانون لتشديد العقوبات ضد أفراد الأمن الذين يثبت ضلوعهم في حوادث تعذيب، واقترحوا تمديد سجنهم لمدة قد تصل إلى 12 عاماً، ورفع الفترة المسموحة لإسقاط الحكم عنهم بالتقادم إلى 15 عاماً.
ويتضمن مشروع القانون تعريفاً أكثر وضوحاً لمواجهة انتهاكات التعذيب يتوافق مع ذلك الوارد في اتفاق "مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984، ويدرج "التخويف الذي يعتمد كوسيلة لمراقبة شخص معتقل، أو إرغام شخص آخر على القيام بأعمال تخويف، ضمن أساليب التعذيب".
وجاءت مبادرة تقديم مشروع القانون بعد كشف سلسلة فضائح تعذيب في السجون الروسية أحرجت السلطة، ودفعت الرئيس فلاديمير بوتين إلى إقالة رئيس الهيئة الفيدرالية لتنفيذ العقوبات ألكسندر كالاشنيكوف، وتأكيده في مؤتمره السنوي الكبير ضرورة استكمال كل التحقيقات في قضايا التعذيب "كي يدرك الجميع أن العقاب حتمي".
وأقرّ معدو مشروع القانون بأن حوادث التعذيب "تخلق مشكلة حادة للواقع الروسي المعاصر"، فيما رحب الحقوقيون بتشديد المسؤولية عن الانتهاكات في حق المعتقلين".
ويتوقع الخبير القانوني والحقوقي بافيل ماروشاك في حديثه لـ"العربي الجديد" أن يمرر البرلمان الروسي القانون الجديد فور افتتاح جلساته في العام الجديد المقبل، مؤكداً أن "السلطة تملك اليوم الإرادة السياسية اللازمة للحدّ من الظاهرة التي باتت تعزز صورتها السلبية في الداخل والخارج".
ويقول ماروشاك الذي سبق أن سُجن قبل بضع سنوات في قضية ذات أبعاد سياسية: "واضح أن الرئيس بوتين يريد أن يطبق سياسة مناهضة التعذيب، والتي سيجري دعمها عبر قانون تشريعي مناسب. حالياً، تنص المادة 286 من القانون الجنائي الروسي الخاصة بتجاوز الصلاحيات على معاقبة مرتكبي ممارسات التعذيب بالسجن مدة تتراوح بين 3 و10 سنوات، بينما يرفع مشروع القانون الجديد مدة السجن إلى 12 عاماً، ويصنف التعذيب باعتباره جريمة بالغة الخطورة، ما يعني زيادة الفترة التي يجب أن يقضيها المدان قبل سقوط الجريمة بالتقادم من 10 سنوات إلى 15 سنة".
وتشير أرقام الهيئة الفيدرالية لتنفيذ العقوبات إلى أن 267 شخصاً مداناً بموجب المادة 286 نفذوا عقوبة السجن في روسيا بحلول 1 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأن 176 منهم أدينوا بموجب البند الثالث من قانون "تجاوز الصلاحيات باستخدام العنف".
وفي شأن العوامل التي دفعت الدولة الروسية إلى تسريع إعداد مشروع القانون الجديد، يوضح ماروشاك أن "الأوساط القانونية والحقوقية تدرك وجود تدابير إصلاحية تتسم بدرجة عالية من القمع في بعض الأقاليم، مثل جمهورية كاريليا ومقاطعات كيروف وفلاديمير وأومسك وإقليم كراسنويارسك، حيث لجأ إداريو السجون إلى ضرب المعتقلين للحصول على الاعترافات اللازمة منهم. ومع تسريب مقاطع فيديو لممارسات تعذيب وتداولها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، بات لا يمكن إنكار وقوع هذه الحوادث، ما حتم إقالة كالاشنيكوف رغم أنه غير متورط شخصياً في هذه الممارسات".
لكن ماروشاك يستدرك بأن "اعتماد القانون الجديد لن يوقف حوادث التعذيب، فهناك درجة عالية من القصور الذاتي في منظومة تنفيذ العقوبات، في وقت يسعى المحققون وأفراد الأمن إلى رفع معدل اكتشاف الجرائم. أما الأمر المحسوم اليوم فهو تحوّل مسألة التعذيب إلى قضية تسعى فيها الدولة إلى إثبات أن لا عودة إلى عام 1937"، وهو تعبير يستخدم مجازا في روسيا للإشارة إلى ذروة قمع الدولة السوفييتية البائدة في عهد الدكتاتور جوزيف ستالين، والمعروفة تاريخياً باسم "الإرهاب الكبير".
وكانت ضجة كبيرة أثيرت حول حوادث التعذيب في السجون الروسية، بعدما نشر موقع "غولاغو دوت نت" الحقوقي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مقاطع فيديو لمشاهد تعذيب في مستشفى تابع لسجن في مقاطعة ساراتوف. ثم جرت إقالة كالاشنيكوف.
وفي وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، نشر موقع "غولاغو دوت نت" تسجيلات جديدة لحوادث تعذيب يرجح أنها وقعت في مركز إصلاحي بإقليم كراسنويارسك في سيبيريا. وعرض التسجيل مشاهد لتعرض معتقل لضرب مبرح، وإلقاء آخر من نافذة.
أيضاً، أنتج المدون الروسي الأكثر شهرة على موقع "يوتيوب" يوري دود فيلماً وثائقياً بعنوان "لماذا هناك تعذيب في روسيا؟" والذي حقق أكثر من 10 ملايين مشاهدة، وتضمن حواراً أجراه دود مع مؤسس "لجنة مناهضة التعذيب" إيغور كاليابين، وتخلله شهادات لعدد من الحقوقيين وضحايا تعذيب، ما وسّع نطاق التداول بالموضوع.