استمع إلى الملخص
- **تداعيات بيئية واقتصادية خطيرة**: جفاف الأهوار أدى إلى فقدان 60% من الثروة السمكية ونفوق الماشية، وزيادة معدلات الجريمة والمشاكل الاجتماعية. المحافظة تعمل على حملات تشجير، لكن الحاجة ملحة لتدخل حكومي.
- **أسباب متعددة للجفاف والتصحر**: العوامل الطبيعية والبشرية مثل التغير المناخي والهدر المائي أدت إلى تصحر وجفاف كبير، مما أثر على الحياة العامة والثروة الحيوانية والزراعية، مهدداً الاقتصاد الوطني.
كشف مجلس محافظة ذي قار جنوبي العراق، عن موجة نزوح جديدة تشهدها مدن بالمحافظة نتيجة شحّ المياه والجفاف وارتفاع درجات الحرارة، والبحث عن ملاذ آمن للعيش بعيداً عن المخاطر البيئية. وفي آخر تقرير لها، أكدت المنظمة الدولية للهجرة أن محافظات وسط العراق وجنوبه تشهد حالات نزوح، وتصدرت ذي قار قائمة المحافظات الأكثر نزوحاً من خلال هجرة أكثر من 10 آلاف عائلة من مناطقها إلى مناطق عراقية أخرى خلال الأعوام الأخيرة، بسبب الجفاف.
وقال عضو مجلس محافظة ذي قار أحمد الرميض، اليوم الأربعاء، لـ"العربي الجديد"، إن "مناطق الأهوار والقرى الزراعية، تشهد حالات نزوح مستمرة، بسبب الجفاف، وبما يهدد بتغيير ديمغرافي لواقع المناطق المتأثرة"، مشيراً إلى أن السكان النازحين اتجهوا إلى محافظات البصرة وكربلاء والنجف وبابل والديوانية، فضلاً عن عدد كبير من العائلات التي استقرت في مركز مدينة الناصرية، بحثاً عن مصادر جديدة للعيش ضمن المناطق الزراعية التي تعتمد على المياه الجوفية، ومحذراً من أن هذه الهجرة ستكون لها انعكاسات سلبية خطيرة على التركيبة الديمغرافية للمحافظة، خصوصاً أن بعض القرى نزحت بشكل شبه كامل وتلاشت ولم يبقَ فيها إلا بيوت متناثرة في مناطق متفرقة منها.
ذي قار تعاني من آثار التغير المناخي
وأضاف أن جزءاً كبيراً من المحافظة تحول إلى أراضٍ جرداء بسبب الجفاف وشح المياه، وذلك نتيجة للتغير المناخي وتجريف الأشجار والبساتين في السنوات الأخيرة، وأن المحافظة تعمل على إطلاق حملة التشجير بالتعاون مع منظمات محلية وفرق تطوعية، وتستهدف الحملة الحدائق العامة، المدارس، المستشفيات، وبعض الدوائر والمؤسسات الحكومية، موضحاً أن وفدًا من مجلس المحافظة أجرى جولات ميدانية للوقوف على تداعيات تأثير النزوح وحجم جفاف الأهوار وتأثيرها المباشر في حياة آلاف العائلات، كذلك فقدت الأهوار 60 بالمئة من الثروة السمكية ونفقت أعداد كبيرة من الماشية والجاموس، مطالباً الحكومة العراقية بوضع الحلول اللازمة والكفيلة بتأمين حياة السكان وتوفير المياه من أجل عودتهم إلى منازل، كذلك طالب بتعويض المتضررين من أجل ديمومة حياتهم في فترة أزمة الجفاف التي تشهدها المحافظة.
ذي قار تصل إلى درجة الغليان
من جانبه، أكد مدير دائرة البيئة في محافظة ذي قار، موفق حامد خضير، أن الهجرة التي تشهدها المحافظة هجرة موسمية، محذراً من التأثير السلبي لهذه الهجرة، وموضحاً في حديث صحافي أن محافظة ذي قار سجلت أعلى درجة حرارة عالمية وصلت إلى درجة الغليان، كذلك إن الموارد المائية شحيحة، وهو ما أدى إلى نزوح بسبب الجفاف، خصوصاً أن النازحين قد يعودون في موسم الشتاء وأوقات هطول الأمطار، وقد يستقر بعضهم في موطنهم الجديد.
وأضاف خضير أن معظم النازحين يعيشون على الصيد والزراعة، ولا بد من توفير المياه لهم، أو أي مصدر آخر للرزق، وبين أن منظمة الأغذية العالمية "الفاو" بالتعاون مع مديرية بيئة ذي قار عملت على مشروع تحسين سبل العيش في مناطق الطار والشطرة والرفاعي والغراف، حيث مُنحوا حيازات لزراعة نباتات مفيدة اقتصادياً ومقاومة لدرجات الحرارة العالية.
حامد خضير: جفاف الأهوار أثر سلبا في توازن النظام الطبيعي والبيئي في المحافظة
وأفاد خضير بأن جفاف الأهوار أثر سلباً في توازن النظام الطبيعي والبيئي في المحافظة، وقد أثرت الهجرة في المناطق الجديدة، إذ سيعيش المهاجرون في المناطق العشوائية والهامشية، ما يؤدي إلى ازدياد الجريمة والمشاكل الاجتماعية. موضحاً أن مربي الثروة الحيوانية، وتحديداً مربي الجاموس، هم الأكثر تضرراً من الجفاف وشحّ المياه، وقد اضطروا إلى النزوح إلى مناطق أخرى بحثاً عن مصادر المياه من أجل إدامة تربيتهم للحيوانات.
أكد مختصون أن مساحة الأراضي المتصحرة في العراق تبلغ نحو 27 مليون دونم، بما يعادل تقريباً 15 بالمئة من مساحة العراق الكلية، وأن أكثر المحافظات تضرراً هي ذي قار بنسبة تضرُّر بلغت 53 بالمئة، أما باقي المحافظات، فالنسب فيها تراوح من 3-14 بالمئة.
وأوضح الناشط البيئي، عمار الغزي، أن هنالك عوامل طبيعية وأخرى بشرية أدت إلى حدوث التصحر الكبير والجفاف الخطير في العراق. أما العوامل الطبيعية، فتشمل المناخ الجاف والحار، وانخفاض نسبة تساقط الأمطار، والرياح السائدة، والتغير المناخي، والتلوث الناتج من الانبعاثات النفطية. مضيفاً أن العوامل البشرية التي أدت إلى حدوث الجفاف والتصحر، تتلخص بالهدر الكبير للمياه، وغياب السياسة المائية التي تضمن التوزيع العادل لها، بالإضافة إلى ضعف دور الدولة في تلافي الأزمات قبل حدوثها، وضعف الجانب التفاوضي مع دول الجوار لضمان حصص العراق المائية، بالإضافة إلى النمو السكاني السريع، والتوسع الحضري، والحرائق، وتجريف البساتين، والأشجار. مؤكداً أن هذه الأزمة خلفت آثاراً وتداعيات خطيرة انعكست على الحياة العامة للسكان، منها الفقر وانعدام فرص العيش الكريم، بالإضافة إلى رفض عدد من الإدارات المحلية استقبال العائلات المُهجرة من القرى والأرياف.
خلف النزوح والهجرة من الأرياف والمناطق الزراعية نتيجة التصحر والجفاف وهجرة السكان في محافظة ذي قار أضراراً كبيرة، بعدما أدى انقطاع روافد الأنهار القادمة من إيران وانخفاض مناسيب دجلة والفرات إلى جفاف الأهوار ونفوق المواشي والأسماك التي تُعَدّ مصدر المعيشة الأساسي لسكان تلك المناطق.
وقال الباحث الاقتصادي، أحمد عبد الله، إن انعكاس الأزمة على الواقع الاقتصادي لم يكن نتيجة الجفاف وشحّ المياه الحاد، فحسب، بل انعكس ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات والأعلاف وغيرها من المستلزمات الزراعية مع ركود الأسواق.
وأوضح عبد الله أن الميزان المائي في العراق اختلّ كثيراً بمرور الوقت، بحيث تحول العراق من دولة تتميز بالوفرة المائية إلى بلد يعاني من شبح العطش والجفاف والعجز المائي الكبير، حتى على مستوى حصاد المياه، مؤكداً أن تلك الهجرة ستشكل ثقلاً وعبئاً على المدن وحجمها السكاني. مضيفاً أن هناك ضرراً كبيراً أصاب الثروة الحيوانية، وتسبب بنفوق الثروة السمكية والمواشي المنتجة للألبان، فضلاً عن تأثر التنوع الأحيائي وتراجع الواقع الزراعي إلى حد كبير.
وأوضح أن محافظة ذي قار، إضافة إلى أهميتها في الإنتاج الزراعي، مهددة بفقدان رافد مهم من روافد الاقتصاد الوطني العراقي المتعلق بالجانب السياحي، حيث أصبحت الأهوار التي أضيفت ضمن لائحة التراث العالمي مهددة بالجفاف والاندثار.