دعم التلوّث

31 يناير 2023
مخالفات مياه الشرب زادت الأمراض (روبرتو شميدت/ فرانس برس)
+ الخط -

تشهد سلوكياتنا تجاه البيئة تراجعاً كبيراً نحو دعم التلوّث بكافة أشكاله. ولا يقتصر الأمر على المواطن العادي، بل يتعداه إلى المسؤولين عن الشأن البيئي في كل مكان.
ظل سكان الريف يوظفون معارفهم التقليدية وخبراتهم المحلية والمكتسبة في الحفاظ على بيئاتهم، ولم تصدر عنهم شكاوى من مخاطر تلوّث مياه الشرب إلا نادراً، فهم استطاعوا الإبقاء على المياه العذبة في مواسم الهطول في حفر وسدود وجذوع الأشجار الضخمة، بينما راحوا ينشلون من باطن الأرض ما تسرب إليها وفق نظام محكم. وكان "العِدْ" أو البئر السطحية موضع اهتمامهم، ووضعوا على فوهاته إطارات الكبيرة، وبنوا حوله سياجات دائرية ذات مداخل تراعي حركة الهواء في كل المواسم لمنع دخول أتربة ملوّثة، كما نظفوا أعماقه دورياً، وكلفوا أفراداً معينين مهمة تنظيف محيطه. 
وكانت الإدارات الأهلية تعمل للتنسيق مع إدارات صحة البيئة بالبلديات لمتابعة الفحص والتحليل الدوري لضمان جودة هذه المياه.
يقول مدير مركز بحوث المياه في معهد البيئة بجامعة أديلايد الأسترالية جاستن دي بروكس: "تاريخياً كان العامل الأكبر والوحيد الذي يساهم في إطالة عمر البشر هو فصل مياه الشرب عن المياه المستعملة للأغراض الأخرى. وقد ساهم بناء الهياكل الأساسية الصحية في تمكين المجتمعات المحلية، وبالتالي الاقتصادات، وجعلها تزدهر دون عبء الأمراض المنقولة بالمياه".

موقف
التحديثات الحية

وفي ظل الحديث الدائم عن جودة المياه الجوفية وعدم حاجتها إلى المعالجة إلا نادراً، استفحل الأمر أخيراً بسبب ضعف مؤسسات الصحة البيئية والكادر العامل في ظل التمدد الأفقي الكبير للمدينة، وعشوائية تمديدات شبكات مياه الشرب، والإهمال الكامل لشبكات الصرف الصحي القديمة، واتجاه سكان المدن لحفر آبار "السايفون" في المنازل للتخلص من فضلاتهم، من دون مراقبة مؤسساتية، وبلا دراية لمدى خطورة اختلاط هذه المخلفات بمياه الشرب، خاصة أن الآبار الجوفية هي المصدر الرئيس للإمداد المائي.
ورفع تلوّث مياه الشرب معدلات الإصابة بالملاريا التي وصلت بحسب منظمة الصحة العالمية إلى 1.8 مليون، أي قرابة 5 في المائة من السودانيين، إضافة إلى السرطان والفشل الكلوي والتيفوئيد والإسهال، ما يرفع الكلفة الصحية لهذه الأمراض المقدرة بحوالى 500 مليون دولار. 
المؤكد أن ما كان سائداً يصب في مبدأ الحوكمة البيئية الذي ينظم السلوك العام والخاص في كافة شؤون الحياة، بما في ذلك المساءلة والمسؤولية من أجل الحفاظ على البيئة. إذ تعمل الحوكمة فى كل المستويات بدءاً من المستوى الفردي وصولاً إلى المستوى العالمي، مثلما تدعو إلى قيادة تشاركية ومسؤولية مشتركة من أجل الحفاظ على الاستدامة البيئية. فهل يمكننا الآن العودة إلى هذا الإرث، حتى لا نساهم في دعم التلوّث؟

(متخصص في شؤون البيئة)
 

المساهمون