خريجو الطب في غزة يعيشون على وهم السعادة

15 أكتوبر 2022
لا يحصل خريجون كثيرون على وظائف ثابتة (محمد الحجار)
+ الخط -

على مدار 16 عاماً من الانقسام الفلسطيني، اعتبر خريجو الجامعات أكثر المتضررين، خصوصاً في قطاع غزة، كونهم لا يجدون فرص عمل ويفتقدون الأمان الوظيفي.

تخرّج العام الماضي مئات من الطلاب من كليات الطب في أربع جامعات بقطاع غزة. في المقابل يعمل آلاف من الخريجين السابقين في قطاع غزة بعقود حكومية مؤقتة أو لحساب مؤسسات للرعاية الطبية أو في عيادات ومستشفيات خاصة، من دون توفير ضمانات وظيفية دائمة لهم. 
من لحظات التخرج المليئة بالفرح والسرور والتهاني، لا تبقى إلا الذكريات، ثم يدخل الخريجون في مراحل طويلة من الإحباط تشمل محطتها الأولى اختبارات التعيينات السنوية التي تفضي إلى اختيار عدد قليل منهم للعمل، رغم عددهم الكبير وحاجة القطاع إلى أطباء في بيئة تنتشر فيها الأمراض.
هذا ما حصل مع رامي الأقرع (29 عاماً) عندما تقدم لاختبار التعيين الحكومي بعدما أنهى تخصصه في الطب والجراحة في جامعة الأزهر بغزة، فهو لم يعيّن رغم أنه اجتاز الاختبارات بنجاح، وقضى عامين في العمل كمتطوع، والثالث في مزاولة المهنة بعقد مؤقت في جمعية خيرية طبية. لكنه يبرر واقعه الذي يشمل كثيرين أيضاً بغياب الأفق في ميزانية اللجنة الإدارية لشؤون قطاع غزة (الحكومة).
ويعتبر الاقرع أنه وقع على غرار زملاء كثيرين له في كليات الطب ضحايا الانقسام الفلسطيني، بعدما عمل عدد منهم بعقود مؤقتة ورواتب شهرية لا تتعدى 400 دولار شهرياً، والتي لم يحصلوا عليها في شكل منتظم، علماً أنه تتبع في مهنة الطب، خطى والده الطبيب الجراح إسماعيل الأقرع، وهو متقاعد حالياً بعدما سبق أن عمل في عهد حكم السلطة الفلسطينية لقطاع غزة بين عامي 1994 - 2007.

الخريجون في غزة ضحية الانقسام الفلسطيني (محمد الحجار)
الخريجون في غزة ضحية الانقسام الفلسطيني (محمد الحجار)

ويقول الوالد إسماعيل لـ"العربي الجديد": "أثرت مشكلة الانقسام الفلسطيني على القطاع الطبي، إذ حاولت السلطة الفلسطينية منذ اللحظات الأولى منع الأطباء الذين يتقاضون رواتب من إداراتها من العمل تحت إدارة حكومة غزة، فبقي أكثر من ألف منهم في منازلهم فترات متفاوتة خوفاً من انقطاع رواتبهم، في حين استمر آخرون في العمل رغم قطع رواتبهم".
يضيف إسماعيل: "جرى تسييس مهنة الطب، ووقع أطباء كثيرون ضحايا الانقسام الفلسطيني، وأصبحت اليوم بلا أمان لمزاوليها، وبينهم الخريجون الذين لا يجدون أفقاً للمستقبل فيها، ويفكرون بالهجرة. والمحزن أن الدول المتقدمة تفتح أبوابها لهجرة الأطباء الشباب من أنحاء العالم، علماً أن غزة تحتاج إلى عدد كبير من الأطباء لكن الانقسام الفلسطيني يشكل أكبر عائق لاستمرار صمودهم فيها".
إلى ذلك، تخبر والدة طالب الطب يوسف العقاد البالغ 27 عاماً "العربي الجديد" أنها حصلت على قرض مصرفي لتأمين تدريسه الطب في الجامعة الإسلامية، ثم واجه نجلها صدمة التعيينات الحكومية التي نجح فيها من دون أن يُستدعى للعمل، ووجد لاحقاً أن سوق العمل يحتاج إلى أطباء لكن من دون توفر رواتب منتظمة تسد احتياجاتهم.

ويقول العقاد الابن لـ "العربي الجديد: "خضعنا لاختبارات بالغة الصعوبة، وشملت عدداً كبيراً من المتقدمين، ثم تلقينا عروض عمل بعقود ضعيفة شهرية، شملت حتى الحصول على نصف راتب، أو نسبة 60 في المائة من الأجور الاعتيادية للأطباء الحكوميين في القطاع، علماً ان وزارة الصحة الرسمية التابعة لحكومة رام الله لم تعيّن أطباء في قطاع غزة منذ عام 2007. وهكذا تحوّل الخريجون إلى ضحايا للانقسام الفلسطيني الذي جعل كثيرين يشعرون بندم لدرسهم الطب في غزة.
ورغم أن والدة العقاد، الموظفة في وزارة تابعة لحكومة غزة، لا تحصل على راتبها الكامل منذ سنوات نتيجة الأزمة المالية التي تواجهها حكومة القطاع، فهي ما زالت تتولى بنفسها تسديد قيمة القرض حتى اللحظة، فيما لا يعمل والده. ويعلّق العقاد الابن: "نعيش على وهم السعادة بالتخرج من كلية الطب لارتداء السترة البيضاء وإنقاذ حياة المرضى، لكن لا تقدير في غزة لهدفنا الإنساني أقله على صعيد الحصول على عمل".

يعمل أطباء كمتطوعين في جمعيات خيرية (محمد الحجار)
يعمل أطباء كمتطوعين في جمعيات خيرية (محمد الحجار)

وتكشف تقارير وزارة العمل في غزة أن نسبة البطالة ارتفعت إلى 75 في المائة بين القوى العاملة، وعدد الخريجين الجامعيين العاطلين من العمل والذين لا يملكون وظائف ثابتة ارتفع إلى نحو 450 ألفاً. ودفع ذلك عدداً من مؤسسات المجتمع المدني إلى مطالبة إدارات الجامعات في قطاع غزة بتخفيض الرسوم تماشياً مع الظروف المعيشية الصعبة. لكن الجامعات لم تستجب لهذه المطالب في ظل تشديد عدد منها على أنها تواجه أزمات مالية كبيرة، وعدم تسديد عدد من الطلاب الخريجين مستحقات الرسوم الجامعية.
ويعتبر محمود شاهين بين خريجي الطب الذين لم يكملوا تسديد المستحقات الجامعية، وهو يقدم طلبات لشغل وظائف حالياً مستخدماً ورقة إثبات تفيد بأنه أنهى جميع الحصص الجامعية بتقدير جيد جداً.
وكان شاهين البالغ 28 من العمر تخلّف عن عام دراسي كامل في دراسة الطب بجامعة الأزهر بسبب عدم استطاعته تأمين الحد الأدنى من رسوم التسجيل للفصل الجامعي والمحدد بنسبة 50 في المائة من قيمته، واحتاج 9 سنوات بدلاً من 7 لإنهاء الدراسة، وهو لا يأمل حالياً في الحصول على وظيفة ثابتة. 
ويقول شاهين لـ"العربي الجديد": "حدثت أخيراً بياناتي في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بأمل الحصول على عقد عمل مؤقت. واضح أن الخريجين في غزة ضحية انقسام بغيض. وأنا أشاهد في شكل دوري إعلانات تعيينات في الضفة الغربية، في حين أن غزة منسية وتائهة. وفي كل عام يجرى امتحان تعيين، فيختارون عدداً قليلاً جداً من الخريجين، ولا يختارون أحداً مرات. وفي النهاية تسألنا القيادات لماذا نريد الهجرة".

لا مبرر للسؤال عن سبب التفكير بالهجرة (محمد الحجار)
لا مبرر للسؤال عن سبب التفكير بالهجرة (محمد الحجار)
المساهمون