حذّر خبراء بيئيّون من أن السياسات والمشاريع الإسرائيلية الاستثمارية ستؤدي إلى جفاف البحر الميت، في ظل انخفاض منسوب مياه البحر الميت بمعدل متر ونصف المتر سنوياً، وتقلص مساحته بنسبه 35 في المائة خلال أربعة عقود. وتقول الباحثة في الهندسة البيئية، وطالبة الدكتوراه في معهد العلوم التطبيقية (التخنيون) في مدينة حيفا؛ حيث تدرس علوم الغلاف الجوّي والتغيرات المناخية، سمية فلاح، إن البحر الميت "سيجف خلال السنوات الثلاثين المقبلة، ويتحول إلى بحيرة صغيرة".
وتُساهم المشاريع الاستثمارية الإسرائيلية ومصانع البحر الميت في تدمير الموارد الطبيعية الفلسطينية، عدا عن الأضرار التي تسببها للنظام البيئي والحيوانات. يشار إلى أن البحر الميت هو أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية، ويبلغ منسوب شاطئه حوالي 400 متر تحت مستوى سطح البحر. ويكمن عنصر الجذب الرئيسي للبحر الميت في مياه البحر الساخنة والمالحة جداً والتي تعتبر أملح من مياه البحر العادية بأربع مرات، وهي غنية بأملاح كلوريد المغنيسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والبرومين وغيرها.
وفي إطار نشاطات برنامج "فلسطين 128" الذي افتتحته حركة "شباب حيفا" مساء الخميس الماضي ويستمر على مدى أسبوع، تشير فلاح إلى أن إسرائيل استغلت الموارد الطبيعية في البحر الميت، منها مادة البروم الاستراتيجية التي تستخدم في العديد من الصناعات والقطاعات الاقتصادية المهمة، مثل الصناعات الاستخراجية والكيماوية والإنشائية والاتصالات والمنسوجات وأعمال حفر آبار البترول وتعقيم المياه والأدوية.
كما تستخدم المغنيزيوم في صناعة المركبات والطائرات، علمًا أن شركات غربية مثل شركة فولكسفاغن الألمانية، تعتبر شريكة في بعض المصانع الإسرائيلية، مثل المصنع الإسرائيلي الذي يستخرج المغنيزيوم المنهوب من البحر الميت. كما تستنزف الشركات الإسرائيلية الصوديوم لتصنيع كلوريد الصوديوم، علاوة على استخراج البوتاسيوم لتصنيع الأسمدة الزراعية. وتعد إسرائيل سادس أكبر مصدر عالمي للبوتاسيوم".
وتقول فلاح: "عشر سنوات من الخراب الإسرائيلي تساوي ألف عام من تحولات الطبيعة، من 397 متراً تحت سطح البحر في 1968 (أي شهور قليلة بعد الهزيمة واحتلال الضفة الغربيّة والجولان وأراضي أردنية)، تجاوز البحر هبوطه القياسي الذي سجله في العصر الحديدي، ليصل مستواه اليوم وخلال أقل من خمسين عاماً، إلى 430 متراً تحت سطح البحر، ومن مساحة سطح تترامى على 960 كيلومتراً مربّعاً، تقلّص السطح ليصل اليوم إلى 620 كيلومتراً مربّعاً. وانخفض مستوى البحر المكوّن من قسمين متواصلين، شمالي وجنوبي، لينزل تحت ارتفاع نتوء الأرض الفاصلة بين الشمال والجنوب، حتى بات البحر عبارة عن حوضين منفصلين تماماً، وقد حدث ذلك في العام 1979".
كما تتحدث فلاح عن "الإضعاف الحاد لتدفّق مياه نهر الأردن. بدأ ذلك قبل العام 1967 بكثير، نتيجة السدود التي شيّدها الصهاينة منذ الثلاثينيات أي قبل النكبة، جنوبي طبريا لخدمة مستوطناتها. بعد ذلك، حولت إسرائيل مياه نهر الأردن لما يُسمّى مشروع المياه القطري، لينخفض بهذا معدّل تدفّق النهر الذي يصب في البحر الميت من 1250 مليون مترٍ مكعّب في 1950، إلى 260 مليون مترٍ مكعّب في 2010".
وتشير فلاح إلى أن إسرائيل تخرب البحر الميّت بجشعها المرعب وبهوس الاستيطان والتهويد منذ بداية المشروع الصهيونيّ. وفي ما يتعلق بمشروع "قناة السلام" بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية، فترى أنه وصفة "لتدمير البحر الميت كليًا". وتقول: "المشروع التي تتكل إسرائيل عليه لإنقاذ البحر الميت قد يرفع سطح البحر (وهذا أيضًا ليس محل إجماع). إلا أنّه لن ينقذ البحر الميّت كظاهرة طبيعية بيئية نادرة في العالم، إذ سيغير تدفّق المياه المالحة من البحر الأحمر نوعيّة المياه في البحر الميت كلياً، ويستبدل التدفق الطبيعي بتدفق لمياه شديدة الملوحة تنتج عن عمليّة تحلية المياه، ومعنى ذلك فقدان مياه البحر الميت لخصوصية مركباتها الكيميائية، وبالتالي لتدمير بيئي هائل وتغيير مطلق للمنظر الطبيعي العام. وقد شددت الدراسات التي حاولت استشراف التدمير البيئي الذي سينجم عن المشروع ـمن ضمن مصائب كثيرة أخرى".
وترى أن "الحل الحقيقي والوحيد لهذه الكارثة المستمرة والمتفاقمة، يكمن بعودة المياه إلى مجاريها حرفيًا من نهر الأردن إلى البحر الميت".