تحدثنا سابقاً عن الحيلة التي تستخدمها الطيور للهرب من مفترس، أو لإبعاد عدو عن العش وحماية الصغار، أو التصرف بذكاء في حل تاهت. ونكتب الآن عن حيلتها للحصول على طعام. ونتذكر هنا المثل الذي يقول إنّ "اللقمة الفضلى هي التي تؤخذ بالتعب وعرق الجبين" وآخر يقول إنّ "اللقمة لا تؤخذ بسهولة" وهذا ما أثبتته الطيور بتحايلها للحصول على الطعام بطرق لا نعرف من أين تعلمتها أو أتت بها، فنوع البلشون الأخضر يبدع في استعمال قطعة الخبز التي يرميها أمامه إلى الماء، وإذا لم تأتِ سمكة لتأكلها وبدأ الماء في سحب الخبز بعيداً، يمد عنقه ليصل بمنقاره الطويل إلى الخبز ويلتقطه من أجل استرجاعه، ثم يكرر رميه إلى الماء، وما أن تأتي سمكة يسرع في التقاطها بمنقاره كالسهم. ولتجنب إفلاتها من منقاره ووقوعها ثانية، يأخذ السمكة بعيداً عن الماء كي يلتهمها. أما مالك الحزين الرمادي الطويل الرقبة والساقين فيقف على ساق واحدة وقتاً طويلاً موهماً الأسماك بأن ساقه نبتة قد تجد ما تأكله عليها، فتقترب من مالك الحزين الذي يباغتها بضربة منقار بسرعة السهم.
وهناك البلشون الأسود الذي يتحول إلى مظلة حين يقف في الماء، فيفتح جناحيه إلى الأمام حتى يغطي رأسه ويظل منتظراً قدوم سمكة صغيرة تريد أن تختبئ في مكان داكن فيقبض عليها بسرعة ويبتلعها، ثم ينتظر سمكة أخرى. فحين يفرد جناحيه ورأسه يستفيد أولاً من توفير ظل يغري صغار السمك للمجيء إليه فيصطادها في مكانه. وحين يجعل جسمه مظلة تمحو ملامحه وتخفي تفاصيل رأسه وعيونه، يجعل الأسماك تظن أنه جماد وليس عدواً. كذلك توفر له أجنحته المفرودة ظلاً يسمح له برؤية الأسماك جيداً تحت سطح الماء.
أما طائر النحام أو الفلامنغو فيعمل منقاره في شكل مصفاة أو فلتر لاستخلاص المواد الغذائية الدقيقة من الماء. لذا نجده يستعمل قدميه لتحريك الطين تحت الماء الذي يصبح بدوره عكراً ومليئاً بالمواد المغذية، فيتناوله ويصفيه بمنقاره ويعيد الماء إلى الخارج. وفعلياً، تمنع عملية تعكير الطائر لأرضية الماء تعفن القاع، وتحافظ على صحته وتنوع مكوناته الحيوية.
وهناك أيضاً الغراب الذي يتعاون مع أخيه الغراب في حيلة الحصول على طعام، فإذا حصل أن شاهدا حيواناً آخر يأكل لحماً أو خبزاً أو ما شابه يأتيه أحدهما وينقر الحيوان من الخلف ويهرب إلى مسافة صغيرة. ويغري هذا الهروب المدروس الحيوان للانقضاض على الغراب تاركاً الطعام في مكانه فيركض الغراب الثاني إلى الطعام ويسرقه، ويطير به إلى شجرة. وعندما يوقن الغراب الملاحق بأنّ الطعام صار مع رفيقه يطير إليه ليتقاسماه، بينما يعود الحيوان إلى طعامه فلا يجده.
ومن طرق الحيلة ضرب النسر المصري بيض النعام القاسي القشرة بحجارة كي يكسره ويأكل محتوياته، فيما يحمل النسر الملتحي عظام الحيوانات الميتة إلى علوٍ كافٍ، ويرميها لتقع على الصخور وتتكسر، ثم يبتلعها.
من جهتها، تقوم طيور الباز والباشق المعروفة بقدرتها على الطيران السريع في الغابات وبين الأغصان، بمناورات لإلهاء أمهات الطيور في أعشاشها، كالعصافير والعقبان، فتقترب من العش كالشبح، ما يجعل الأم تطاردها فتبتعد، فيأتي الباز أو الباشق إلى العش قبل عودة الأم ويسرق الصغار ممسكاً إياها بقدميه. وعندما تعود الأم إلى العش لا تجد صغارها فتقف مذهولة.
أما طائر أبو زريق فيستخدم عيدانا صغيرة في ثقوب جذوع وأغصان الأشجار ليستخرج منها الديدان التي تشكل له ولصغاره غذاء غنياً بالبروتينات الحيوانية في فصل التفريخ. والأكثر غرابة أنّ أبو زريق الأزرق يطلق عند العثور على طعام وفير أصواتاً تقلد صوت البواشق لإخافة باقي أنواع الطيور التي قد تأتي لمشاركته الطعام. وهكذا يستفرد بالطعام وحده باستعمال الحيلة. ولائحة الطيور المحتالة تطول وقد نعود إليها.
(متخصص في علم الطيور البرية)