لم تنهِ ظروف الحرب الصعبة والأحداث التي عصفت بمنطقة إدلب، شمالي غرب سورية، حالة التكافل الاجتماعي. فعلى الرغم من ضعفها الشديد، إلا أنها ما زالت موجودة، تصارع للبقاء، وآخر مظاهرها كانت حملة المناصرة التي انطلقت بجهود محلية في مدينة كفرتخاريم، في الريف الشمالي للمحافظة، والتي تهدف إلى توفير دخل لكوادر المدارس التي انقطع عنها دعم المنظمات والجمعيات، المحلية أو الدولية، أو المدارس التي لم تتلق أي دعم أو تمويل في الأصل لمواصلة العملية التعليمية.
وحول ضرورة الحملة وأهميتها، أوضح الناشط الإعلامي، محمد جبس، ابن مدينة كفرتخاريم لـ"العربي الجديد" أنّ الحملة مهمة جداً وضرورية لاستمرار العملية التعليمية وعدم توقف المعلّمين عن التدريس، في ظلّ غياب تام لدعم الكوادر التعليمية من قبل المنظمات الدولية والمحلية، وعدم اهتمام وزارة التربية أو تقديمها أي نوع من أنواع الدعم المادي واللوجستي للمعلّمين ضمن المجمّعات التربوية. وأضاف جبس أنّ "المبالغ المقدمة من خلال هذه الحملات غير كافية، إلا أنها تساعد المعلم على الاستمرار بتقديم العلم لأبنائنا الطلبة، وتمنع تسرّب المزيد من الطلاب من المدارس".
اللافت أنّ أكثر من 450 ألف طالب يواجهون مصاعب مختلفة لإتمام عملية تعليمهم، منهم أكثر من 60 ألف طالب في المخيمات، بعد دمار واسع لحق بالمدارس جرّاء الغارات الجوية التي نفذتها طائرات النظام السوري وحليفته روسيا. ووفق فريق "منسقو استجابة سورية" إنّ الحصول على الكتب المدرسية بات حلماً صعب المنال على الأطفال في المراحل الدراسية، وهناك الآلاف من الطلاب المشرّدين خارج فصولهم. أمّا المدرّسون، فهم أيضاً يعانون من أزمة التمويل التي تعصف بالعملية التعليمية برمتها، شمال سورية، والحملة التي نُظمت في مدينة كفرتخاريم، هي نموذج عملي يمكن تطبيقه لإنعاش هذه العملية.
وكشف أحد المدرّسين المنظمين لهذه الحملة، والذي فضل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، تفاصيل حولها قائلاً: "بدأنا عملنا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني كعمل تطوعي بحت، وتمّ تشكيل لجنة لدعم التعليم في مدينة كفرتخاريم، من قبل أشخاص غيورين على مصلحة المعلمين والطلاب، والحملات ما زالت مستمرة حتى الوقت الحالي. أطلقنا 3 حملات، الأولى بدأت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، شملت 4 مدارس بالدعم، والثانية في شهر ديسمبر/ كانون الأول شملت مدرستين، وفي الوقت الحالي لدينا 6 مدارس بحاجة للدعم".
وأضاف المدرّس: "الفجوة حدثت نتيجة اعتذار إحدى المنظمات عن دعم المدارس، والتي كانت وعدت بتوفير الدعم لها في وقت سابق. وعدد الكوادر المستهدفين من هذه الحملة هو قرابة 120، بين مدرّس وإداري ومستخدم. خمسة من هذه المدارس في مدينة كفرتخاريم، ومدرسة واحدة بالقرب من المدينة. كان العمل عبارة عن جمع تبرعات للمدرسين، وشاركتنا "منظمة مداد" في المبادرة، عن طريق دفع مبلغ تمّ جمعه من خلال تبرعات. يشارك في الحملة الفعاليات الاقتصادية والعملية، ونحن كأعضاء لجنة لا نتلقى أي راتب أو أي تعويض، ونحتاج بشكل أساسي إلى متبرّعين قادرين على تقديم مبالغ ثابتة شهرياً لدعم المعلمين".
وأزمة التمويل، هي أزمة حقيقية تهدد سير العملية التعليمية في الشمال السوري، خاصة مع تراجع دور المنظمات الدولية والمحلية الداعمة لهذه العملية وغياب البدائل الفعلية لدعمها.
مدرّس الرياضيات، علي حسين (33 عاماً)، قال لـ"العربي الجديد" إنّ "غياب دفع الرواتب وسنوات التطوّع والعمل المجاني، أرهقت المعلم وأتعبته كثيراً، وأصبح المعلم يرجو الحصول على أي فرصة عمل خارج مجال التعليم، حتى أنه يقبل العمل كمستخدم، كون مهنة التعليم أصبحت مذلة في الوقت الراهن".
ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونسيف"، فإنّ "نظام التعليم في سورية يعاني من إرهاق، ونقص في التمويل، وهو مجزّأ، وغير قادر على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال. وفي الداخل السوري هناك 2.4 مليون طفل خارج المدراس، 40 بالمائة منهم فتيات".
ووفقاً لتقرير المنظمة الصادر في 24 يناير/ كانون الثاني، فإنّ الأمم المتحدة قادرة على تأكيد ما يقرب من 700 هجوم على منشآت التعليم والموظفين في سورية منذ بدء التحقق من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال. في العام الماضي، تم تأكيد 52 هجوماً. وأكدت المنظمة أنها تواصل مع شركائها دعم التعليم في سورية، لكن الأموال المخصّصة لهذا الشأن آخذة في النفاد، مشيرة إلى أنّ قطاع التعليم يعاني من نقص في التمويل منذ العام الماضي، حيث وصل إلى المنظمة ثلث المخصّصات فقط، لتلبية متطلبات العملية التعليمية في سورية. وأضافت المنظمة: "يساعد التمويل المستدام وطويل الأجل للتعليم على سدّ الفجوة وإدماج الأطفال في التعليم وتزويدهم بالمهارات التي يحتاجونها لإعادة بناء بلدهم عندما يعود السلام إلى سورية".