بعد أن تراجعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى بنسبة 5,4 في المائة خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا، كان كثيرون يأملون في أن يكون ذلك بداية انخفاض الانبعاثات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري. كان سبب التراجع هو التزام الناس البقاء في البيوت، وتعطيل النشاط الاقتصادي وتقييد التنقل العالمي.
لكن بيانات عامي 2021 و2022 حطمت تلك الآمال، إذ ارتفعت الانبعاثات بنسبة 6,4 لتصل إلى مستوى قياسي جديد، متجاوزة ذروة ما قبل الجائحة بمعدل 50 في المائة. وبينما كانت الزيادات من النقل والمنازل لا تذكر من حيث القيمة، كانت الغازات الصادرة عن قطاعي التصنيع والطاقة تساهم بأكبر نسبة من زيادات الانبعاثات العالمية، وفق لوحة مؤشرات تغير المناخ التابعة لصندوق النقد الدولي، وهي جهد مشترك بين منظمات وطنية ودولية لتوفير بيانات للمساعدة في مراقبة الانتقال إلى استخدام أقل للكربون.
لا تزال الانبعاثات العالمية أعلى مما وعدت به الدول بموجب اتفاقيات دولية، وعليه يشعر الناس حول العالم بالقلق بشأن تغير المناخ، لكن هذا القلق وحده لا يُترجم إلى دعم سياسات التخفيف من آثار تغير المناخ.
في هذا الإطار قام Bo Li وشركاه في 9 فبراير/ شباط 2023، بنشر نتائج دراسة استقصائية لتوضيح كيفية إدراك الناس للمخاطر الناجمة عن تغير المناخ، ودعمهم للإجراءات الحكومية ذات العلاقة. تظهر الردود أن غالبية أولئك المهتمين بتغير المناخ يميلون إلى أن يكونوا من الإناث، والأكثر تعليماً، ومتابعي الأخبار، وهم الأكثر قبولاً لدور الحكومة في تنظيم الاقتصاد، كما أن مستخدمي النقل العام الذين يعتمدون بشكل أقل على السيارات أيضًا أكثر قلقًا بشأن تغير المناخ.
استهدف الاستطلاع ما يقرب من 30 ألف شخص في 28 دولة، وأجري خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2022، وغطى الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وشمل 20 من بين 25 مصدراً للانبعاثات، وتسعا من الدول الـ25 الأكثر تعرضاً لتغير المناخ.
ويقدم الاستطلاع لصانعي السياسات فهماً أفضل لكيفية مواجهة التحدي، ففي حين أن الحكومات لديها أهداف طموحة، فإن العالم ليس على المسار الصحيح بعد لاحتواء الاحتباس الحراري عند 1,5 أو 2 درجة مئوية. ووفقًا للعلماء، قد يؤدي الفشل في هذا المسار إلى تجاوز الاحترار العالمي الدرجتين بحلول عام 2030، والمخاطرة بنقطة تحول كارثية يصبح عندها تغير المناخ مستداماً.
ويُظهر الاستطلاع أن قدراً صغيراً من المعلومات حول فعالية وفوائد سياسات مثل تحسين جودة الهواء، يمكن أن يولد دعماً أكبر للسيطرة على الانبعاثات غير المرغوبة، كما أن تسعير الكربون عبر فرض ضريبة على انبعاثات الغازات الدفيئة، هو أحد الحلول الضاغطة على أصحاب المصانع لتخفيف زيادة الانبعاثات، مثل دفعهم لإنتاج مركبات تعمل على الكهرباء.
في المقابل، يمكن أن تمنح بعض الدول تسهيلات لمقتني المركبات الكهربائية، بأن تخفض من سعر الكهرباء في منازلهم، أو تؤمن لهم محطات شحن بالمجان.
ويعتبر تسعير الكربون أكثر قبولاً عند تقديمه مع معلومات حول تأثيره على تغير المناخ، مع خيارات لاستخدام الإيرادات التي يحققها، وسيكون الناس أكثر دعماً إذا تم استخدام تلك الإيرادات لحماية الفئات الضعيفة من الآثار السلبية لتغير المناخ. من الحلول الأخرى المطروحة، دعم الاستثمارات الخضراء في جميع البلدان بهدف الحفاظ على الطبيعة، وإدارتها بشكل مستدام، وذلك عبر تحسين الإنفاق العام وكفاءة الاستثمار، في حين يرى كثيرون أن سياسات مكافحة تغير المناخ لن تكون فعالة إلا إذا اعتمدت معظم البلدان تدابير للحد من انبعاثات الكربون.
مع هذا كله، لا تزال معرفة سياسات التخفيف من آثار تغير المناخ غير مكتملة، ولابد من حملات للتوعية بمضار تغير المناخ، والتأكيد على روح التضامن والعمل المشتركين.
(متخصص في علم الطيور البرية)