حكم قضائي بحبس مغتصبي طفلة سنتين فقط يشعل عاصفة غضب في المغرب

01 ابريل 2023
وزارة العدل عازمة على تشديد أقصى العقوبات في مشروع القانون الجنائي الجديد (فرانس برس)
+ الخط -

أشعل حكم قضائي في المغرب بالحبس سنتين في حق ثلاثة متهمين توبعوا في قضية "اغتصاب جماعي لطفلة قاصر نتج عنه حمل" عاصفة غضب بين المغاربة، لم تقتصر على الأوساط الحقوقية والنسائية بل امتدت كذلك إلى الأوساط الحكومية.

وفي أول تعليق له على الحكم المثير للجدل، قال وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، اليوم السبت، إنه "صعق لمضمون الحكم الصادر مؤخراً في حق المتهمين في ملف اغتصاب طفلة مدينة تيفلت" (وسط شمالي المغرب).

وأضاف، في تصريح صحافي، أنّ "واقعة اغتصاب الطفلة الضحية التي نزلت كالصاعقة على نفوسنا تسائلنا من جديد جميعاً، كمسؤولين وكفاعلين وكمجتمع مدني، حول الجهود الضرورية التي يجب تعزيزها وإعمالها، تشريعياً وفكرياً وتربوياً وتحسيسياً، لحماية طفولتنا من الاغتصاب أولاً، وثانياً للضرب بقوة على يد كل من سولت له نفسه العبث بطفولتنا من جميع الجوانب".

وشدد وهبي على أنّ وزارة العدل "عازمة على تشديد أقصى العقوبات في مشروع القانون الجنائي الجديد، حماية للطفولة من جرائم الاغتصاب ومن تعاطيها للمخدرات، وغيرها من الاعتداءات التي قد يتعرض لها الأطفال".

وكانت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط قد أصدرت، أخيراً، حكماً يقضي بسنتين حبساً في حق ثلاثة أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 25 و32 و37 سنة، "تناوبوا على اغتصاب طفلة تبلغ من العمر 11 سنة وتتحدر من نواحي مدينة تيفلت التابعة لإقليم (محافظة) الخميسات".

وأثار الحكم الجديد حفيظة الجمعيات الحقوقية والنسائية في المغرب، التي لم تتوان عن توجيه انتقادات حادة له واعتبرته "وصمة عار" و"جريمة ضد احترام حقوق المرأة والطفل".

ووصفت الكاتبة الوطنية لمنظمة "النساء الاتحاديات" حنان رحاب الحكم الابتدائي بـ"غير المقبول، باعتباره مظهراً من مظاهر الإفلات من العقاب، التي تشجع الجرائم والاعتداءات الجنسية على القاصرين والنساء"، مطالبة بتشديد العقوبات في تلك الجرائم وفي مختلف الاعتداءات والانتهاكات التي يكون ضحاياها الأطفال والنساء.

وقالت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ الحكم يتعارض بشكل واضح مع دستور المملكة المغربية، ولا سيما الفصلين 117 و 110 المتعلقين بالأمن القضائي والتطبيق العادل للقانون، ويتعارض مع الإعلان الأممي حول المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة، وكذلك مع فصول القانون الجنائي التي تفرض عقوبات تتراوح بين عشر وعشرين سنة فيما يخص جرائم اغتصاب القاصرين (م. 486/ 488).

ولفتت إلى أنّ منظمة "النساء الاتحاديات" تلقت منطوق الحكم بصدمة واستياء كبيرين، مطالبة بفتح تحقيق عاجل للكشف عن ملابسات هذا الحكم وحيثياته، وتنوير الرأي العام بخصوصه، مع ترتيب الجزاءات المناسبة في حال ثبوت أي انحياز مخل بمقاصد العدل والإنصاف.

من جهتها، قالت رئيسة "فيدرالية رابطة حقوق النساء" سميرة موخيا إنّ الحكم "شكّل صدمة وتحول إلى قضية رأي عام"، معتبرة أنه "حكم لا يتناسب مع فظاعة الجريمة ووحشية الأفعال المرتكبة، وحجم العنف المركب الذي تعرضت له الطفلة وأسرتها من خلال الاغتصاب المتكرر وتهديدها بقتل أسرتها".

وشددت، في حديث مع "العربي الجديد "، على ضرورة إعادة النظر في "الحكم الظالم، الذي يسيء إلى سمعة العدالة المغربية"، وقالت: "إلى حد الساعة لم نستوعب كيف للهيئة القضائية أن تمتع الجناة بظروف التخفيف ولم تأخذ بعين الاعتبار حالة الطفلة المغتصبة وما نتج عن الاغتصاب من حمل. كما لم نستوعب كيف للهيئة أن تطبّع مع العنف والاغتصاب وألا تقضي باتخاذ تدابير الحماية لمناهضة العنف من قبيل تقديم الدعم النفسي وإبعاد المغتصبين عن عائلتها ومنع أي اتصال بها".

وتابعت: "مؤسف جداً أنه في 2023 تتعرض طفلات لكمية كبيرة من العنف، وتتعامل الهيئة القضائية مع ما وقع كأنه مجرد جنحة، في حين كان الأولى بها تطبيق مقتضيات قانون الاتجار بالبشر، على اعتبار أنّ المغتصبين يكونون عصابة إجرامية وكرروا فعلتهم".

وأوضحت أنه "في قضايا الاستغلال الجنسي لا يتعين أن تكون هناك ظروف تخفيف مقابل انتهاك حرمة جسد طفلة أو امرأة، وعلى ضرورة إعادة تعريف جريمة الاغتصاب في القانون الجنائي المغربي، والمراجعة الجذرية لهذا القانون ليتلاءم مع دستور المملكة والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وكذا توفير الحماية الواجبة للدولة للفتيات والنساء ضحايا العنف والناجيات منه". 

وينص القانون الجنائي المغربي على معاقبة أفعال هتك عرض أو محاولة هتكه، مرتكبة في حق كل طفل أو طفلة تقلّ سنه عن 18 عاماً، بعقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، بحسب الفصل 484 من القانون الجنائي.

وتتضاعف العقوبة في حالة اقتران هتك العرض بالعنف ضدّ الطفل الذي تقلّ سنّه عن 18 عاماً أو العاجز أو المعوق أو المعروف بضعف قواه العقلية، فيُحكم على الجاني بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين.

أما الاغتصاب المرتكب في حق فتاة تقل سنها عن 18 عاماً أو العاجزة أو المعوقة أو المعروفة بضعف قواها العقلية أو الحامل، فيعاقب بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين. وتتضاعف تقريباً هذه العقوبة إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصاية عليها أو ممن يقدمون خدمة بالأجرة ونتج عن هذا الاغتصاب فض بكارة المجني عليها، بالتالي تتراوح مدة السجن بين عشرين عاماً وثلاثين.

المساهمون