حرب وسيول وسموم في السودان

20 اغسطس 2024
سيول مدمرة تتكرر في السودان (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **نبوءة غريبة وحرب مدمرة:** قبل اندلاع الحرب في السودان، تنبأ رجل غريب بحريق وغرق وتدخل خارجي، مما أثار مخاوف الناس من انهيار سد النهضة وفيضانات مشابهة لفيضانات 1988 و1946.
- **تغير المناخ والسيول:** السيول والأمطار الغزيرة ضربت ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، مما كشف عن ضعف قدرات الدولة في مواجهة التحديات البيئية وتفاقم الوضع بسبب الحرب المستمرة.
- **كارثة بيئية وصحية:** مخلفات التعدين السامة جرفتها السيول إلى المساكن والمزارع، مما يهدد بانتشار أمراض خطيرة، وزيادة نسب التلوث بالزئبق والسيانيد في الأجسام والمياه الجوفية.

قبل اندلاع الحرب في السودان، تناول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي نبوءة رجل غريب، ظهر واختفى بذات الغرابة في مدينة الدمازين (جنوب شرق)، قبل أن يطلق تحذيرات حول حريق، وغرق، وتدخل خارجي جراء حرب لا تبقي ولا تذر.
مع قيام الحرب وفق ذات السيناريو المذكور، بات الناس في انتظار الغرق، حتى أن البعض تنبأ بانهيار سد النهضة في إثيوبيا، وقد صدق ما قاله خبراء الأرصاد عن أسبوع هطول الأمطار الأغزر (31 يوليو/تموز – 7 أغسطس/آب)، والذي يذكّر الناس بفيضانات 1988، و1946، وربما فيضانات 1910 لمن عاش ذلك الوقت. 
ضربت السيول والأمطار ولاية نهر النيل والولاية الشمالية ذات المناخ الصحراوي، ويشير البعض إلى تأثيرات تغير المناخ المتسارعة في ظل ضعف قدرات الدولة ذات الهشاشة البيئية، وعدم مقدرتها على مجابهة التحديات، إضافة إلى انهيار البنية الصحية بسبب الحرب المستمرة.
وحذر التجمع المدني في ولاية نهر النيل (تمدُّن)، وهو جهة طوعية، عبر بيان نشره مؤخراً، من كارثة إنسانية وبيئية تهدّد الإنسان والنبات والحيوان نتيجة مخلفات التعدين السامة التي جرفتها السيول إلى المساكن والمزارع، وإلى مجرى النيل، الأمر الذي يسبب ما لا يقل عن 106 أنواع من الأمراض.
وذكر الدكتور عصام صديق في دراسة حديثة، أن "ولاية نهر النيل لن تكون صالحة لحياة الإنسان بعد 40 عاماً من الآن بسبب ارتفاع نسب التلوّث". 

موقف
التحديثات الحية

عند اتحاد كارثتي الحرب والسيول، ينتظر أن تفوق الخسائر في الأرواح والممتلكات الأرقام التي تظهر في البيانات الرسمية، خاصة مع الانتشار غير المسبوق لمادتي الزئبق والسيانيد المحرمتين دولياً، في أكثر المناطق الحاضنة للنشاط التعديني الأهلي، إذ كشف المجلس الأعلى للبيئة بولاية نهر النيل، أن نسبة الزئبق في أجسام الأهالي بلغت 27 ضعفاً للمعدلات الطبيعية، إلى جانب ظهور نسبة عالية من "ميثيل الزئبق" الذي يتحول إلى مادة عضوية سهلة الامتصاص في أنسجة الأسماك وفي الخضروات، ما ينذر بتهديد كبير لصحة السكان.
تُرى كم من المواد السامة قد اتخذ طريقه هذه المرة إلى الأجساد؟ وإلى المزارع والجروف ومجرى النهر؟ وما القدر الذي تسرب إلى باطن الأرض ليلوّث المياه الجوفية، وهي المصدر الأول لمياه الشرب في ظل تراجع أداء محطات تنقية مياه النيل، وتعطّل بعضها، وتعذر عمليات الصيانة، وعدم توفر الوقود نتيجة استمرار الحرب. 
لدينا في السودان مثل شعبي متداول يقول "التور إن وقع. تكتر سكاكينه" في إشارة إلى تكالب المحن وأصحاب المصالح على من يسقط، وإن كان قوياً قبل سقوطه.
لك الله أيها الوطن الواقع بين مطرقة الحرب، وسندان السيول والسموم القاتلة.

(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون