حرب أوكرانيا تزيد الاضطرابات النفسية بين الروس

22 مايو 2022
الحرب في أوكرانيا أفقدت روساً الشعور بالأمان (ياسويوشي شيبا/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، يتحدث المعالج النفسي يفغيني إدزيكوفسكي عن زيادة عدد مرضاه وارتفاع نسبة من يشكون القلق والتوتر. ويقول لـ "العربي الجديد": "أتلقى طلبات كثيرة للاستشارات، وعلامات التوتر واضحة على من يشكون القلق، من بينها زيادة سرعة نبضات القلب والإصابة بنوبات الذعر. وعلى الرغم من أن عدد الأشخاص الذين يلجأون إلى المعالجين النفسيين يتراجع في الوقت الحالي، إلا أن عدد مرضاي في الوقت الحالي أكبر منه في مارس/ آذار الماضي". 
ويلفت إلى أن تأثير الحرب في أوكرانيا على نفسية المواطنين الروس غير مباشر، مضيفاً: "يتعامل مرضاي بلامبالاة مع الأحداث في أوكرانيا باستثناء أسفهم لوقوع ضحايا. ليست هناك في موسكو أي مظاهر للأحداث الراهنة، لكن الوضع العام غير مستقر، وهذا يؤثر عليهم بشكل غير مباشر في ظل انعدام الرؤية للمستقبل وما سيأتي به الغد لهم ولذويهم. لا يشعر الناس بالقلق بسبب أحداث بعينها، وإنما من الوضع بشكل عام، وصعوبة التخطيط والتخوف من توجه الأوضاع نحو مزيد من التدهور. إلا أن غالبية الشكاوى تتعلق بالمشاكل النفسية مثل انعدام الثقة في النفس والعلاقات العائلية".  

في السياق نفسه، رصد مركز العلاج النفسي التابع لسلسلة عيادات "ميدسي" في موسكو ارتفاعاً في عدد الرواد ممن يشكون الاضطرابات النفسية بنسبة تزيد عن 25 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي. وبلغت نسبة الزيادة 15.2 و21.4 في المائة على التوالي في شهري فبراير/ شباط ومارس/آذار الماضيين. 
بدوره، يقر كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية أندريه أندرييف، بارتفاع نسبة من يشعرون بالتوتر بمقدار يزيد عن الضعف، معتبراً أن هناك تفهماً بين سكان البلاد لقرار القيادة الروسية شن العملية العسكرية. ويقول أندرييف لـ "العربي الجديد": "أجرينا دراسة حديثة أظهرت ارتفاع نسبة من يشعرون بالتوتر من نحو 20 إلى أكثر من 50 في المائة. مع ذلك، لا يمكن القول إن الأمزجة المتشائمة أصبحت سائدة، بل ما زال الناس ينظرون إلى مستقبلهم بشيء من التفاؤل. لا يتمنى أحد حروباً ويعتبرون أعمال القتال أمراً مزعجاً. في الوقت نفسه، يدركون أن العملية العسكرية في أوكرانيا خطوة اضطرارية بعد فشل جميع محاولات التسوية السلمية، بما فيها اتفاقات مينسك". 
ويلفت إلى أن طبيعة توتر السكان الناجم عن الأزمة الأوكرانية ونسبة ارتفاعها لا تختلفان كثيراً عن الوضع عند بدء جائحة كورونا قبل أكثر من عامين، والتي تم نسيانها بحلول اليوم، وحتى وضع الكمامات الطبية في وسائل النقل العام لم يعد إلزامياً. أما مخاوف سكان مناطق جنوب روسيا الواقعة بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، فلا تقتصر على تدهور الأوضاع الاقتصادية وفقدان وظائفهم بسبب العقوبات الغربية فحسب، بل يشعرون بخطر مباشر، لا سيما في مقاطعة بيلغورود بعد تعرضها لعدد من الهجمات الأوكرانية المتكررة". 

يتعاطف بعض الروس مع معاناة الاوكرانيين (دييغو هيريرا كاركيدو/ الأناضول)
يتعاطف بعض الروس مع معاناة الأوكرانيين (دييغو هيريرا كاركيدو/ الأناضول)

ويقدم المتخصص في الاضطرابات النفسية والعقلية يوري بيتوخ، بضع النصائح لسكان المقاطعة بشأن كيفية تجاوز التوتر. ويقول لموقع "فونار.تي في" المحلي: "نتيجة لبدء العملية الخاصة في أوكرانيا، يشعر العديد من الناس بعدم تلبية العديد من الاحتياجات، بما فيها الحاجة إلى الأمن في ظل من الخوف من سقوط صاروخ على الرأس بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار المالي والاقتصادي. الشعور بالقلق هو رد فعل طبيعي عندما تجري أعمال القتال ويسقط قتلى على بعد 100 كيلومتر منك". 
ومن بين النصائح تقبل حقيقة مفادها بأن هناك بنوداً لاحتياجات الأمن لا يمكن تحقيقها في الوقت الحالي، والكف عن لوم الذات بسبب العجز عن تغيير شيء ما، وعدم اللجوء إلى تناول الكحول أو المخدرات، والالتزام بالحدود في النقاش مع المختلفين في الرأي، وغيرها".   

وتظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الروس ما زالوا يدعمون العملية العسكرية في أوكرانيا، وسط تجييش الدولة ترسانتها الإعلامية والدعائية بطاقتها الكاملة لإقناع الرأي العام بضرورة محاربة "النازيين" في البلد المجاور. وأظهر استطلاع أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" (حكومي) ونشرت نتائجه مطلع مايو/ أيار الجاري، أن 61 في المائة من المستطلعة آراؤهم يرون أن العملية العسكرية وحدت المجتمع الروسي في مقابل 20 في المائة اعتبروا أنها أحدثت انقساماً فيه. كما أعربت الغالبية الساحقة من المشاركين في الاستطلاع (89 في المائة) عن اعتقادهم أنه يتعين على روسيا العيش وفق قواعدها من دون النظر إلى الغرب. ودعم 81 في المائة فكرة الالتفاف حول الرئيس فلاديمير بوتين في ظروف العقوبات الغربية.

المساهمون