- مصطفى العلوي يناقش تراجع زخم الاحتجاجات الطلابية بسبب عوامل مثل انتشار مواقع التواصل، تراجع دور الأحزاب والنقابات، وتغير وسائل التأطير الاجتماعي والسياسي.
- عبد المنعم الكزان يشير إلى تحولات داخل الحركة الطلابية كتوسيع التعليم الجامعي وتغيير المناهج، ويؤكد على تأثير التصالح بين الدولة والحساسيات الطلابية في تخفيف تأثير الحركة على الساحة السياسية والاجتماعية.
في حين تتوسع دائرة الاحتجاجات الطلابية عالمياً ضد الحرب المتواصلة على قطاع غزة، يطرح الحراك الطلابي المغربي أسئلة عدة حول قوته وزخمه، وإن كان يرقى إلى الحراك الذي شهدته الجامعات المغربية في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته وثمانينياته.
يؤكد رئيس منظمة "التجديد الطلابي"، وهي أحد أكبر الفصائل الطلابية بالجامعات المغربية، مصطفى العلوي، لـ"العربي الجديد"، وجود تباين في زخم احتجاجات الجامعات وقوتها بين الأمس واليوم بالنظر إلى اعتبارات مختلفة من بينها الأجواء السياسية، إذ تميزت الفترة السابقة بسيادة مناخ التقاطب بين معسكرين أساسيين هما المعسكر الرأسمالي بقيمه وأفكاره ورؤيته للعالم، في مقابل المعسكر الاشتراكي، على خلاف الوضع العالمي الحالي.
ويلفت العلوي إلى أن "مناخ التقاطب كان له انعكاس على مختلف دول العالم، ومن بينها العالم العربي، وعلى المغرب الذي كان جزءاً من هذا التقاطب من خلال الأطروحة السياسية للنظام الحاكم". وهو يربط اختلاف طبيعة الحراك بطبيعة وسائل تأطير المجتمع وفضاءاته، قائلاً: "في ظل غياب وسائل إعلام متطورة ومواقع التواصل الاجتماعي في الماضي، كان للمسرح ودور السينما والأحزاب السياسية والنقابات دور كبير، وكان هناك مناخ دولي ودينامية مجتمعية محلية انعكست على الجامعة، خلافاً لما عليه الوضع حالياً".
أسباب متعددة تفسر تراجع الحراك الطلابي داخل جامعات المغرب
يتابع: "طلاب الجامعات المغربية في الماضي كانوا مؤطرين ضمن تنظيمات مجتمعية، وغالبية الأساتذة كان لديهم انتماء سياسي، وهذه عوامل ساهمت في ما عاشته الساحة الطلابية من حراكات، وهذا يخالف ما نعيشه اليوم من تحولات كانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وتراجع دور الأحزاب والنقابات، وتقلص أهمية المسرح والسينما وباقي الفضاءات التي كانت تضطلع بمهمة التأطير. صحيح أن الاحتجاجات قد تكون فعلاً عفوياً في كثير من الأحيان، لكنها بالضرورة فعل يصدر بصفته ناتجاً للعملية التأطيرية. لا أريد فرض تبريرات لحالة التراجع، لكني أود وضعها في سياقها، وأعتقد أن كل جيل له سياقه الخاص".
ويوضح العلوي: "ما يقوم به طلاب الجامعات على مستوى دعم القضية الفلسطينية، والتأثير في مختلف القضايا المطروحة محلياً يبدو غير كاف، إلا أنه يبقى مهماً، ويتعين العمل من أجل تطويره من خلال توفير دينامية مجتمعية. على من يقارن بين طلاب الأمس وطلاب اليوم أن يثير سؤال: أين هم المثقفون والعلماء ورجال السياسة مما يقع؟ في ظل التراجع الذي تعيشه النخب والمثقفون والأحزاب والنقابات يمكن القول إن الطلاب هم من يحملون المشعل".
ويرى الباحث في علم الاجتماع، عبد المنعم الكزان، أن "الحركة الطلابية منذ تأسيسها لم تكن مرتبطة بالشأن النقابي فقط، بل كانت أيضاً على ارتباط وثيق مع مواقف الأحزاب السياسية وقضاياها الوطنية وتوجهات الدولة عموماً، ثم تحول بعضها إلى معارضة نظام الحكم نتيجة التأثر بالمد الاشتراكي والعروبي".
ويوضح الكزان لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ الستينيات، كانت الحركة الطلابية تشكل دائماً مركز الصراع المباشر مع نظام الحكم، رغم تعرضها أحياناً للحظر من طرف الدولة، أو للفشل في عقد مؤتمراتها نتيجة صراع فصائلها حول شرعيات الوجود. الحركة الطلابية هي المحرك الأساسي للاحتجاجات، سواء ما هو مرتبط بقضايا سياسية ذات طابع وطني أو إقليمي أو دولي، أو ما هو مرتبط بالشق الثقافي، إضافة إلى اهتمامها بملفات اجتماعية ذات بعد وطني".
وهو يرجع أسباب تراجع الحراك داخل الجامعات إلى أسباب من بينها توسيع رقعة التعليم الجامعي، وتطوير البنية التحتية وتوسيعها، وتغيير المناهج الدراسية بما يتماشى مع سوق العمل، كما أنه لم يعد هناك اهتمام بالشق الفكري الأيديولوجي. ويرى أن "التأطير داخل الجامعات لم يعد تحت هيمنة النقابات الطلابية، بل ظهرت تنظيمات مدنية أخرى كالجمعيات والنوادي، وهي عموماً مستقلة عن الشق النقابي، إضافة إلى ظهور التنسيقيات الطلابية ذات المطالب النقابية الصرفة".
ويشير الكزان إلى أن "تصالح الدولة مع الحساسيات الطلابية خفف من شحنة تأثيرها على نقل التجارب إلى الأجيال القادمة، كما أن التحول الديمقراطي أتاح لأغلب الأحزاب السياسية الانخراط في مؤسسات الدولة والجمعيات الحقوقية بدلاً من استخدامها الجامعات في الضغط".
بدوره، يقول رئيس مركز "شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية"، رشيد لزرق، إن الفعل الاحتجاجي بالمؤسسات الجامعية يتركز على مطالب سياسية من بينها "دمقرطة النظام"، والتعبير عن الحساسيات السياسية، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "المطالب الحالية لم تعد تخرج عن الحصول على خدمة أو ترقب فائدة، في مقابل تراجع المطالب التي تعني المجتمع كله، والسبب أن الفعل الاحتجاجي داخل الجامعات غير موحد".