سيّرت منظمة إنسانية حافلات مجهزة في شكل صفوف تعليمية مصغّرة بين عدد من المخيمات المحرومة من المدارس في ريف إدلب الشمالي، شمال غربي سورية، بهدف تعويض التلاميذ المنقطعين عن التعليم ما فاتهم من دروس، باعتباره حلاًّ مؤقتاً وعاجلاً، بانتظار حلول دائمة.
وأطلقت منظمة "سيريا ريليف" هذا المشروع في منتصف عام 2019، لكنّ الحاجة ازدادت أخيراً بسبب كثرة المخيمات التي نتجت عن حملات التهجير المتتالية، بحسب منسق برنامج التعليم في المنظمة، عبد العزيز عرسان. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ المنظمة جهّزت أربع حافلات في شكل صفوف مصغّرة، للتركيز على أربعة مخيمات قرب مدينة معرة مصرين، شمال مدينة إدلب، ويستهدفون 720 تلميذاً، تتراوح أعمارهم ما بين السادسة والثامنة عشرة من الجنسين. يضيف عرسان أنّ هدفهم الوصول إلى التلاميذ الذين هجّرتهم آلة الحرب ونزحوا أكثر من مرة، وخسروا مدارسهم وتعليمهم ومقاعدهم، وما زالوا منقطعين عن التعليم لأكثر من عام. ويركّز المشروع على مخيمات عشوائية لمدة أربعة أشهر. ويشير إلى أنّ اختيار هذه المنطقة جاء بعد تقييم احتياجاتها، بالتنسيق الكامل مع مديرية التربية في إدلب، ويؤكّد أن الحافلات التعليمية المتنقلة هي استجابة تعليمية طارئة، ولا يمكن أن تحلّ مكان التعليم الرسمي وفكرة المدرسة والمناهج الرسمية. كذلك، يؤكّد أنّ المشروع مجاني بالكامل ولا يحمّل الأهالي أيّ أعباء مالية، ويغطّي في الوقت نفسه نفقات القرطاسية التي توزع مجاناً على التلاميذ، ويوفر بيئة صديقة لهم من خلال تجهيز الحافلات وتكييفها وتأمين ما يلزم للصحة من مواد تعليمية ومساعدة، كما يراعي إجراءات الوقاية من فيروس كورونا الجديد.
عن التحديات التي تواجه المشروع، يقول عرسان إنّ العدد الكبير من المخيمات غير المكفولة تعليمياً يتطلّب موارد أكبر، كما تبرز مشكلة تسجيل التلاميذ وتثبيت سجلّاتهم التعليمية رسمياً. وحول المواد التي يجري تدريسها في الحافلات، يقول إنّ معلمي المنظمة يقدمون للتلاميذ مادتي اللغة العربية والرياضيات، ويعتمدون على "منهاج التعلم الذاتي" و"منهاج محو الأمية" وهما منهاجان مرخصان من قبل مديرية التربية والتعليم في إدلب، بالإضافة إلى "منهاج التعلم العاطفي والاجتماعي" للتلاميذ الذين مرّوا بأزمات.
المعلمة في المشروع فاتن غزال، تقول لـ"العربي الجديد" إنّ تقسيم التلاميذ على الصفوف الدراسية يجري بعد تقييم مستوى كلّ واحد منهم. وتشير إلى أنّ كثيراً من التلاميذ يعانون من أزمات نفسية بسبب الحرب والنزوح، لذلك، يرافق فريق التدريس فريق دعم نفسي يقدم جلسات دعم وتوعية للتلاميذ المتأثرين.
تتابع أنّ مدة الدوام هي ست ساعات يومياً، والتلاميذ يستفيدون من الدروس بشكل ملحوظ، لكنّها تؤكّد أن لا شيء يعادل شعور التلميذ وهو في مدرسته يجلس إلى جانب زملائه، وتتمنى أن يعودوا إلى مدارسهم، للحصول خصوصاً على وثيقة تثبت التحصيل العلمي الذي وصلوا إليه.
إبراهيم الصوغا، مدير مخيم الكاملية المستفيد من المشروع، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ عدد العائلات في المخيم الذي يديره وصل أخيراً إلى 40، وبلغ عدد التلاميذ الذين التحقوا بالمشروع التعليمي 135، قسم منهم من مخيم التينة القريب الذي تقطنه نحو 140 عائلة. يؤكّد أنّ أعداد التلاميذ تتزايد يومياً، وهم متشوقون جداً للتعلم، إذ لا مدرسة هنا، فيتوافدون يومياً إلى مكان تجمّع حافلات التعليم قبل وصولها صباحاً.
من جهته، يقول طلال فرعون، معاون مشرف مجمع مدارس المخيمات، التابع لمديرية تربية إدلب، لـ"العربي الجديد" إنّ عدد المتسرّبين من مدارس المخيمات تجاوز 25 ألفاً من أصل 75.341 هم التلاميذ المسجّلون، ويرجّح أنّ العدد يفوق ذلك لكنّ حركات النزوح المتكررة كانت تمنع التلاميذ من الاستقرار والالتحاق بالمدارس. يشير إلى أنّ المخيمات تضم 144 مدرسة فقط، وقبل جائحة كورونا كانت هناك حاجة ملحّة لبناء 40 مدرسة على الأقل، إذ هناك آلاف من أبناء سكان المخيّمات العشوائية محرومون من التعليم.
وكانت منظمة "أنقذوا الأطفال" قد لفتت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى أنّ اثنين من كلّ ثلاثة أطفال في الشمال السوري لم يعد باستطاعتهم الذهاب إلى المدرسة وإكمال تعليمهم، بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد، بالإضافة إلى الفقر الشديد، وغياب الدعم عن قطاع التعليم.
في أغسطس/ آب الماضي، بلغ عدد المخيمات الكلي في إدلب وحدها 1293 مخيماً يقطنها مليون و43 ألفاً و689 شخصاً، تتوزّع في شكل شريط قرب الحدود السورية - التركية، بحسب إحصائية لفريق "منسقو استجابة سورية".