جدل حول قانون المسؤولية الطبية في تونس الأول من نوعه

10 يونيو 2024
في أحد مستشفيات تونس، 21 يوليو 2021 (بشير الطيب/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد سبع سنوات من النقاش، أقر البرلمان التونسي قانون المسؤولية الطبية لتنظيم حقوق المنتفعين بالخدمات الصحية وتحديد المسؤوليات، مما يمثل خطوة نحو تحسين النظام الصحي.
- القانون أثار جدلاً بين الأطراف المعنية، حيث انتقدته نقابات الأطباء بسبب غياب التشارك في صياغته، بينما دافعت لجنة الصحة وعمادة الأطباء عنه كوسيلة لحماية حقوق الجميع.
- تظل هناك تحديات تتعلق بتفسير وتطبيق القانون، مما يستدعي مزيداً من الحوار لضمان تحقيق أهدافه في تعزيز العدالة والأمان في النظام الصحي التونسي، مع مراعاة المخاوف المعبر عنها من قبل النقابات الطبية.

تباينت المواقف المهنية بشأن قانون المسؤولية الطبية في تونس الذي أقرّه البرلمان بعد أكثر من سبعة أعوام على اقتراحه، علماً أنّه الأوّل من نوعه في البلاد. وقد أبدت نقابة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الاستشفائيين الجامعيين اعتراضاً على النسخة التي أقرّها البرلمان التونسي من "قانون المنتفعين بالخدمات الصحية والمسؤولية الطبية"، فيما رأى أعضاء لجنة الصحة في مجلس نواب الشعب وعمادة الأطباء أنّ القانون الجديد سوف يحمي حقوق كلّ الأطراف المتدخّلة في العملية الطبية.

ويوم الأربعاء الماضي، أقرّ البرلمان التونسي، بمجموع 108 أصوات، مشروع القانون الذي تقدّمت به مجموعة من النواب والذي يتعلّق بحقوق المنتفعين بالخدمات الصحية وكذلك المسؤولية الطبية في تونس. لكنّ نقابة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الاستشفائيين الجامعيين أصدرت بياناً استنكرت فيه "غياب التشارك وانعدام الحوار"، مشيرةً إلى أنّها لم تُستشَر ولم يُستمَع إليها في إعادة صياغة مقترح القانون، لا من وزارة الصحة التونسية ولا من لجنة الصحة في مجلس النواب الحالي.

من وجهة نظر النقابة، فإنّ القانون المصدّق عليه جاء مخالفاً لمشروع قانون حقوق المرضى، وكذلك المسؤولية الطبية في تونس الذي شاركت هي في صياغته، إلى جانب عدد من النقابات الأخرى والهيئات المهنية والخبراء القانونيين والماليين منذ عام 2016 وحتى عام 2021. كذلك رأت النقابة أنّ "القانون المصدّق عليه لا يرتقي إلى الرؤية الشاملة التي ذهب إليها مشروع القانون بصيغته السابقة" في ما يخصّ "حماية حقوق المرضى وحقّهم في التعويض الشامل بتسوية رضائية بضمان الدولة وجعل الإهمال الجسيم أساس المسؤولية الجزائية لمهنيي الصحة".

في هذا الإطار، يقول رئيس نقابة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الاستشفائيين الجامعيين عماد خليفي لـ"العربي الجديد" إنّ "النقابة التي تمثّل أطباء القطاع الحكومي لم تكن طرفاً في الاستشارات المتعلقة بالقانون الذي أقرّه البرلمان" بخصوص المسؤولية الطبية في تونس والمنتفعين بالخدمات الصحية، الأمر الذي دفع النقابة إلى الاعتراض على الفصول القابلة للتأويل التي اطّلعت عليها والتي لا تخدم حقوق المرضى ولا حقوق مهنيي الصحة". ويؤكد خليفي أنّ "ضبابية عدد من فصول القانون تهدّد حقوق المرضى، ولا سيّما أنّها تترك الباب مفتوحاً أمام التأويلات في المجال الجزائي".

ويوضح خليفي أنّ "الهدف من إصدار هذا القانون كان تحقيق العدالة لجميع المتدخّلين في العملية الطبية، من كوادر طبية وشبه طبية ومرضى"، لافتاً إلى أنّ "القانون الذي أقرّه البرلمان التونسي لا يحقّق هذه الأهداف التي طال انتظارها". يُذكر أنّ البرلمان يتداول، منذ أكثر من ستّة أعوام، نسخاً مختلفة لمشاريع قوانين تتناول المسؤولية الطبية في تونس من المفترض أن تعالج ثغرات تشريعية لم تكن تسمح بتوفير الحماية الكافية للكوادر الصحية وطالبي العلاج في الوقت نفسه.

ويبيّن قانون المنتفعين بالخدمات الصحية والمسؤولية الطبية في تونس الذي صُدّق عليه أخيراً خصوصيات وطبيعة الأعمال والأنشطة الدقيقة التي ينفّذها عاملو الصحة والتي تصنّف بأنّها تنطوي على مخاطر، كذلك يحدّد آليات حماية المرضى من المخاطر والأضرار المرتبطة بالعلاج بهدف ضمان سلامتهم والحفاظ على حرمتهم الجسدية. ويحدّد القانون، إلى جانب ذلك، آليات أخرى لحماية المعطيات الشخصية للمرضى، ومنحهم حقوق الحصول على معلومات عن حالاتهم، وفرض منحهم موافقتهم الشخصية مسبقاً على تلقّي العلاجات، وضمان حقوقهم في الحصول على تعويض في حال ارتكاب أخطاء طبية في خلال العمليات الجراحية.

من جهته، يرى المتحدّث باسم المجلس الوطني لعمادة الأطباء نزار العذاري أنّ "الغاية من قوانين كهذه هي تحقيق معادلة ما بين حقوق المرضى وتحسين ظروف العمل في المؤسسات الصحية لحماية مهنيي الصحة عند قيامهم بواجباتهم". يضيف العذاري لـ"العربي الجديد" أنّ "القانون الجديد يوفّر آلية مهمّة تحمي حقوق المرضى والأطباء في حال تعرّض طالب العلاج لضرر ما، من خلال آليات التعويض أو التسوية الرضائية". ويتابع أنّ "من شأن هذا القانون أن يحمي المريض والمتدخّلين في القطاع الصحي من كوادر طبية وشبه طبية، وأن يحدّ من هجرة الأطباء والكوادر الصحية الذين يعملون تحت ضغوط كبيرة".

وفي عام 2017، بدأت لجنة مختصة لدى وزارة الصحة في صياغة مشروع قانون المسؤولية الطبية في تونس بعد سجن طبيبة متربّصة وُجهّت إليها تهمة التقصير في أثناء المداومة، إذ تسبّبت في وفاة رضيع. وتسجّل تونس سنوياً 500 شكوى متّصلة بشبهة أخطاء طبية تتعلق في الأساس بتدخّلات جراحية في اختصاصات أمراض النساء والتوليد وجراحة الأعصاب وجراحة المفاصل والعظام وفي مجال التجميل. من جهتها، تقدّر الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية وقوع 15 ألف خطأ طبي سنوياً في تونس، تشمل مختلف التدخّلات الطبية والجراحية.

المساهمون