جدل حول تدريس حرب أوكرانيا بالمدارس الروسية

03 مايو 2023
من داخل أحد الصفوف الروسية (ناتاليا كولسنيكوفا/فرانس برس)
+ الخط -

تتجه السلطات الروسية لاعتماد كتب مدرسية جديدة لمادة التاريخ في المرحلة الثانوية، لتشمل قسماً خاصاً بتناول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وحتى إدراج أسئلة عنها في الامتحان الحكومي الموحد الذي يجتازه التلاميذ قبل التخرج.
وخلال العام الدراسي الحالي الذي يوشك على الانتهاء، اعتمدت المدارس الروسية دروساً في التربية الوطنية تحت عنوان "الأحاديث المهمة" تناولت أيضاً الأحداث في أوكرانيا، ولكنها لم تدرج ضمن المناهج الرسمية لمادة التاريخ أو الامتحانات.
ويعتبر مدير نقابة "تحالف المعلمين" في العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبرغ دانييل كين أن اعتماد تدريس الحرب في أوكرانيا في المناهج المدرسية سيزيد من صعوبة تنصل المعلمين من الالتزام التام بالرواية الرسمية الروسية للأحداث.
ويقول كين، في حديث لـ"العربي الجديد": "لم نطلع بعد على الكتاب المدرسي الجديد، لكن من الواضح أنه سيتناول أسباب بدء العملية العسكرية الخاصة وتداعيات ما تعتبره موسكو انقلاباً مدعوماً أميركياً على الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في عام 2014، والتضييق على الكنيسة والثقافة الروسيتين في أوكرانيا، وهي نفسها الخطوط العريضة للدعاية الرسمية الروسية".
ويلفت إلى أن اعتماد الكتاب الجديد سيضع أساتذة التاريخ غير الداعمين للحرب في أوكرانيا أمام خيارات صعبة، مضيفاً: "أعرف عدداً من المدرسين المستائين من الوضع بعدما وجدوا أنفسهم أمام خياري الاستقالة أو تدريس المنهاج الجديد على مضض وإقناع أنفسهم بمبررات من قبيل: هذا كلام الكتاب لا كلامي، أو التأكيد على التلاميذ دوماً أن هناك روايات مختلفة".
ويخلص كين إلى أنه على عكس "الأحاديث المهمة" التي لم تخضع لأي رقابة تذكر طالما لم يعارض المدرس أعمال السلطات الروسية معارضة مباشرة، فإن إدراج الأحداث في أوكرانيا ضمن مناهج التاريخ سيجعل التنصل من تدريسها أمراً مستحيلاً.

محاولات لإقناع التلاميذ الروس بأن الحرب على أوكرانيا كانت حتمية

من جهة أخرى، يرى مدرس التاريخ أندريه لوكوتين أن التاريخ هو عملية متسلسلة تزداد طولاً عاماً بعد عام، مشدداً على أن خريجي المدارس يجب أن يكون لديهم تصور حول ما يجري الآن. ويقول لإذاعة "روسيا 1": "لا تقل مسألة إجراء العملية العسكرية الخاصة الروسية أهمية من الثقافة الروسية في عام 2020. الأهم أننا سنضطر في كل الأحوال بعد مرور بعض الوقت لإجراء إضافات على الكتب المدرسية لمادة التاريخ، ولذلك هذه عملية طبيعية تماماً".
ومن بين المؤرخين الروس المعروفين الذين دعموا تدريس الحرب في أوكرانيا، الكاتب ومؤلف عدد من الكتب في مجال التاريخ ألكسندر شيروكوراد، الذي نشر في نهاية مارس/ آذار الماضي مقالاً بصحيفة "سفوبودنايا بريسا" الإلكترونية، ذكر فيه أن "الأطفال يجب أن يعلموا أن أهم أعداء روسيا كانوا في الغرب منذ القرن العاشر"، وأن أولى العقوبات على روسيا فرضت في القرن الـ12 الميلادي.
وفي مقال بعنوان "جميع الإمبراطوريات تُنشأ بالحديد والدم، والروسية ليست استثناء"، اعتبر شيروكوراد أن "روسيا لم تحقق نجاحات طويلة الأمد سوى بالسلاح، وفي حالات نادرة عبر استثمار التباينات بين الدول الغربية"، لافتاً إلى أن "سياسات إقامة الأباطرة بافيل الأول وألكسندر الأول ونيقولاي الثاني (جميعهم من آل رومانوف) تحالفات طويلة الأجل مع الغرب وضعت روسيا مراراً على حافة الكارثة".
وخلص المؤرخ الروسي إلى أن "التلاميذ يجب أن يكونوا على قناعة تامة بأن الحرب مع أوكرانيا كانت حتمية بتحريض من الولايات المتحدة وحلف الناتو لا من روسيا"، من دون ضرورة التطرق إلى مجريات العملية العسكرية في حد ذاتها.

وكانت هيئة "روس أوبر نادزور" المعنية بالرقابة على التعليم قد أعلنت في منتصف إبريل/ نيسان الماضي، عن إدراج أسئلة متعلقة بـ"العملية العسكرية الخاصة" ضمن امتحان الثانوية العامة في مادة التاريخ بعد اعتماد كتب تعليمية جديدة في جميع المدارس الروسية. 
وفي وقت سابق، كشف وزير التعليم الروسي سيرغي كرافتسوف أن الكتاب الجديد المخصص للسنتين الأخيرتين بالمرحلة الثانوية سيكشف أسباب بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، وسيصبح متاحاً للتدريس اعتباراً من الأول من سبتمبر/ أيلول الذي يصادف في روسيا "يوم المعرفة" وانطلاق العام الدراسي الجديد بالمدارس والجامعات.
وفي نهاية العام الماضي، وقع كرافتسوف على مرسوم اعتماد إدراج التدريب العسكري الأولي ضمن مادة أساسيات سلامة الحياة وتدريس العملية العسكرية بدروس التاريخ بدءاً من العام الدراسي المقبل.
وفي بداية العام الدراسي الحالي، شهدت روسيا جدلاً واسعاً على أثر تعميم وزارة التعليم مواد على المدارس، تضمنت معلومات حول "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا" و"حماية الروس" و"الموت في سبيل الوطن"، ما أثار انتقادات لاذعة أسفرت عن تعديل هذه المواد وحذف العبارات المثيرة للجدل واعتماد تعريفات ومصطلحات أكثر اعتدالاً.

المساهمون