جدري القرود يُظهر غياب التوزيع العادل للقاحات بين الدول الغنية والفقيرة

13 سبتمبر 2022
مطالبات بضرورة معالجة النقص الحاصل في اللقاحات (سارة رينجويرتز/Getty)
+ الخط -

على الرغم من أنّ جائحة كورونا، سلّطت الضوء على الفجوة والتوزيع غير العادل بين الدول الغنية والفقيرة للحصول على العلاج واللقاحات، فإن تلك الأزمة لم تنتهِ به، إذ لا تزال تُلقي بظلالها على العديد من الأوبئة والأمراض. وقد يكون جدري القرود، واحداً من هذه الأمثلة التي تؤكد اتساع هذه الفجوة، في الوقت الذي يمثّل المرض حالة طوارئ صحية، بحسب منظمة الصحة العالمية.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية سلّطت الضوء، أمس الاثنين، على الفجوة الحاصلة في الحصول على اللقاحات، من خلال نشر تفاصيل إصابة بعض المرضى في البيرو بجدري القرود دون وجود أي علاج لهم.

ونقلت الصحيفة عن الطبيب المتخصص في معالجة الأمراض المزمنة، ألبرتو  ميندوزا، أن المرضى الذين يصابون بالفيروس يعانون من الآفات المؤلمة التي يسببها الفيروس، كما أن القروح الظاهرة تميّزهم بأنهم رجال يمارسون الجنس مع رجال، وهي نقطة مثيرة وخطيرة في البيرو، إذ يوجد تمييز شديد ضد المثلية الجنسية، كما يخشى المرضى من ارتفاع حدة الإصابة بالمرض في ظل غياب العلاج.

يعترف ميندوزا  بعدم وجود أي خيارات لمساعدة المرضى، إذ لا يتوفر العقار المضاد للفيروسات ولا اللقاح المستخدم ضد جدري القرود في البلاد.

الصورة
يخشى المرضى من ارتفاع حدة الإصابة بالمرض في ظل غياب العلاج (لوجان سايروس/Getty)

أزمة عابرة للحدود

في البرازيل المجاورة، والتي لديها وفق منظمة الصحة العالمية ما يقرب من 10% من حالات جدري القرود العالمية، لا يبدو الوضع أفضل. إذ تعاني البلاد من غياب اللقاحات والعلاج. وكذلك الأمر في دول غرب ووسط أفريقيا التي تكافح مع تفشّي المرض على مدى عقود. ففي شهر أغسطس/ آب الماضي، طالب العديد من الخبراء الدوليين بضرورة معالجة النقص الحاصل في اللقاحات خاصة في الدول الأفريقية، وبحسب ما نقلته صحيفة "التلغراف" البريطانية، فإن القارة تسجل 15 وفاة، بسبب الفيروس، أكثر من أي مكان آخر في العالم.

بحسب الدراسات، فإن الأفارقة من أكثر الأشخاص المعرّضين للوفاة، إذ إن هناك نوعين من السلالات المختلفة للمرض، واحدة أكثر فتكاً تنتشر في جمهورية الكونغو الديمقراطية والبلدان المجاورة، ونسخة أقل ضراوة في غرب أفريقيا، وهي السلالة المتواجدة في البلدان ذات الدخل المرتفع.

هذا الواقع، دفع العديد من مجموعات الصحة العامة في منظمة الصحة العالمية، إلى المطالبة بضرورة  بذل مزيد من الجهد لضمان التحرك السريع في الوصول العادل إلى الاختبارات والعلاج واللقاحات للدول كافة، ومنها الدول الأفريقية. وقال حينها أحمد أوجويل، القائم بأعمال مدير وكالة للصحة العامة بأفريقيا "إن الموقف يعكس صدى سباق فيروس كورونا، عندما كانت الدول الأفريقية غير قادرة على تأمين اللقاحات المنقذة للحياة بسبب الطلبات الكبيرة من الدول الغنية، يعاد المشهد اليوم مع انتشار فيروس جدري القرود".

السيطرة الغربية

هذه النداءات بقيت بعيدة عن الواقع، إذ لم تتمكن الدول النامية عموماً، والأفريقية خصوصاً، من الحصول على العلاج واللقاحات، ويعود السبب في ذلك إلى السيطرة الغربية على العلاج لأسباب صحية وأمنية أيضاً. فمع ارتفاع عدد الإصابات في الأشهر الماضية، وخاصة في الدول ذات الدخل المرتفع، زاد الطلب على اللقاحات، وفي مقدمتها  لقاح Jynneos الخاص بالجدري الذي تصنعه الشركة الدنماركية Bavarian-Nordic  لمواجهة المرض.

وصل مخزون الشركة إلى 16 مليون جرعة من اللقاح، لكن جرى حجزها أو التعاقد عليها من الجانب الأميركي، إذ يدخل  مرض الجدري، في إطار استراتيجية أميركية دفاعية، وُضعت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول. كان المسؤولون يخشون استخدام مرض الجدري سلاحاً بيولوجياً. وقد جرى تخصيص هذه الجرعات الأميركية مخزوناً دفاعياً على شكل أدوية بكميات كبيرة، ولذا، فإن واشنطن تسعى للحصول على العلاج واللقاحات بكميات كبيرة، لأن الملف يدخل في إطار أمنها القومي.

الصورة
الأفارقة من أكثر الأشخاص المعرّضين للوفاة (سارة رينجويرتز/Getty)

مشاكل أخرى

إضافة إلى غياب التوزيع العادل، يعد السعر أيضاً معضلة أخرى، فقد تعجز الدول الفقيرة على شراء هذه العلاجات.

فيما يقدّر تحليل أجرته منظمة الدعوة Public Citizen  غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، أن البلدان ذات الدخل المرتفع التي حصلت على لقاح Jynneos تدفع 110 دولارات لكل جرعة، بحسب اعتراف بول شابلن، رئيس بافاريا-نورديك، والذي أفاد بأن السعر يمكن خفضه عند شراء كميات كبيرة، وبالتالي فإن السعر المرتفع يشكل معضلة إضافية للحصول على العلاج.

كما أن المشكلة الرئيسية في الدول النامية لا تتعلق فقط بغياب اللقاحات، أو العلاج، أو بارتفاع أسعار اللقاحات، بل أيضاً بعدم القدرة على الكشف عن المرض، إذ من الصعب حتى معرفة عدد الأشخاص المصابين بجدري القرود في تلك الدول، لأن الكثير من الدول تفتقر إلى القدرة على تشخيص المرض، فيما يجري إجراء معظم الاختبارات في البلدان التي شهدت تفشي المرض على مستوى المراقبة، واختبار عينة من السكان فقط للعثور على معدل الإصابة بالمرض بشكل عام.

الصورة
السعر المرتفع يشكل معضلة إضافية للحصول على العلاج (سارة رينجويرتز/Getty)

ويعد إجراء الاختبارات لتشخيص المرضى الأفراد، وكثير منهم يعيشون في مناطق ريفية منعزلة، نادراً أو غير موجود، بحسب ما يؤكده الدكتور بوغوما تيتانجي، أستاذ الطب المساعد في جامعة إيموري الأميركية.

غياب الشفافية

يرى جيمس كريلينشتاين، مؤسس شركة PrEP4All، مجموعة مناصرة للوصول إلى الأدوية، أن النقص في التوزيع العادل للقاحات يفرض معضلة حقيقية، إذ لا يمكن السيطرة على تفشي الأمراض على مستوى العالم مع غياب اللقاحات عن بعض الدول.

ويقول كريلينشتاين بحسب ما أوردت الصحيفة "إن المسؤولية الكبرى تقع على منظمة الصحة، إذ إن هناك نقصاً في التوجيه الواضح من المنظمة بشأن استراتيجية تقديم اللقاحات والعلاج والاختبارات إلى البلدان التي تحتاجها. ويعتبر أن قرار إعلان حالة طوارئ من قبل المنظمة دون وجود أدوات استجابة أمر غير مجدٍ.

من جهتها، وصفت الدكتورة سيلفي برياند، مديرة قسم التأهب والوقاية من الأوبئة في منظمة الصحة العالمية، الاستجابة العالمية لجدري القرود بالمعقّدة، بسبب حقيقة أن معظم التدخلات الطبية تفتقر إلى بيانات التجارب السريرية البشرية، ولم تحصل على موافقة الجهات التنظيمية.

المساهمون