جبال الألب من الأقمار الاصطناعية... بياض يتراجع واخضرار يتزايد

03 يونيو 2022
مساحات الجليد تتقلص على قمم جبال الألب (أندريه كاروبا/الأناضول)
+ الخط -

تظهر قمم جبال الألب المكللة بالثلج على كثير من البطاقات البريدية، ولها شهرة واسعة في كل أنحاء العالم، لكنّ اللون الأخضر بدأ يحلّ مكان الأبيض على سلسلة الجبال، حسب ما رصدته الأقمار الاصطناعية.

هذا الاستنتاج توصل إليه باحثون سويسريون أجروا تحليلاً لصور عالية الدقة لكل جبال الألب التقطت من الفضاء خلال الأعوام الثمانية والثلاثين الأخيرة. وقالت الأستاذة المساعدة في "جامعة بازل" المعدّة الرئيسية للدراسة التي نُشرت الخميس في مجلة "ساينس"، سابين رامبف: "لقد فوجئنا بإيجاد مثل هذا الاتجاه الهائل للاخضرار".

ويعود السبب إلى تراجع الغطاء الثلجي، ونمو الغطاء النباتي بفعل ارتفاع درجات الحرارة.

وسبق أن سجلت هذه الظاهرة في القطب الشمالي، وتتوافر معلومات وافية عنها، ولكن لم تجر دراستها على نطاق واسع بعد في المناطق الجبلية، علما أن ارتفاع درجات الحرارة يحصل في هذين المكانين أسرع بكثير مما يحصل في غيرهما في العالم، وكان الباحثون يعتقدون بأن آثار الاحترار عليهما ستكون متشابهة.

ولأغراض التحليل، حصر الباحثون دراستهم بالمناطق التي يزيد ارتفاعها عن 1700 متر فوق مستوى سطح البحر، مستبعدين بذلك الأراضي المستخدمة للزراعة. أما فوق هذا الارتفاع، فاستبعدوا الغابات أيضاً.

وتبيّن أن الثلج لم يعد موجوداً في الصيف على نحو عشرة في المائة من المساحة التي شملتها الدراسة في نهاية الفترة التي تم تحليلها، في حين كان موجوداً في بدايتها.

وأشارت سابين رامبف إلى أن صور الأقمار الاصطناعية تتيح فقط التحقق من وجود الثلوج أو عدمه، علماً أن الأثر الأبرز للاحترار هو تقليل عمق كتلة الثلج، وهو ما لوحظ بواسطة قياسات أجريت محلياً. لذا، "قد تبدو نسبة 10 في المائة قليلة، لكن هذا لا يعني أن شيئاً لم يحدث في المناطق الأخرى".

وفي مرحلة لاحقة، قارن الباحثون كمية الغطاء النباتي باستخدام تحليل الطول الموجي للكشف عن كمية الكلوروفيل الموجودة، وكانت النتيجة مذهلة أكثر، ومفادها أن الغطاء النباتي زاد في 77 في المائة من المساحة المرصودة.

حصل نمو الغطاء النباتي بثلاث طرق مختلفة: بعضه نبت حيث لم يكن موجوداً من قبل، وبعضه الآخر بات أطول وأكثر كثافة بسبب الظروف الأكثر ملاءمة، وأخيراً أصبحت بعض الأنواع تنمو بشكل طبيعي على ارتفاعات أكثر انخفاضاً وتكبر بسرعة أكبر وتمتد بسهولة أكثر إلى مناطق أعلى.

كثافة الجليد تراجعت بفعل ارتفاع درجات الحرارة (Getty)

وشددت رامبف على أن "تغير المناخ هو الذي يؤدي إلى هذه التغييرات"، شارحةً أن "الاحترار يعني مواسم نمو أطول، وكلما كانت الحرارة أكبر، زادت كمية المتساقطات على شكل أمطار لا ثلوج".

وثمة عواقب متعددة لهذا "الاخضرار". فقسم كبير من المياه يتأتى أولاً من ذوبان الثلوج، بحسب الدراسة، وبالتالي إذا لم تُخزّن المياه على شكل ثلج، فإنها تختفي بشكل أسرع عبر الأنهار، كما يؤدي تراجع كمية الثلج إلى إحداث تغيّرات في موائل بعض الأنواع المتكيّفة خصيصاً مع بيئة الجبال العالية المكللة بالثلوج، كجبال الألب.

كما يمكن أن يؤدي اختفاء الثلوج إلى الإضرار بقطاع سياحي هو التزلج، أما الأثر الرابع فهو "عاطفي"، إذ إن "جبال الألب بمثابة رمز، وعندما يفكر الناس في سويسرا، غالباً ما يفكرون في جبال الألب".

وما مِن سبب يدعو إلى التفاؤل بالنسبة إلى المستقبل، فثمة حلقة مفرغة تتشكل، إذ يعكس الثلج نحو 90 في المائة من الإشعاع الشمسي، بينما يمتص الغطاء النباتي أكثر بكثير، ثم يرسله مرة أخرى على شكل حرارة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تسارع الاحتباس الحراري، وبالتالي إلى ذوبان الجليد، وزيادة الغطاء النباتي. وهكذا دواليك.

ومع ذلك، فإن الغموض لا يزال يكتنف التطور الدقيق لجبال الألب خلال العقود المقبلة. وقالت سابين رامبف: "في ما يتعلق بالثلوج، الأمر واضح تماماً. سيختفي الغطاء الثلجي أكثر فأكثر، وخصوصاً على الارتفاعات المنخفضة".

إلا أن ثمة ظاهرة أخرى رُصدت لا تزال حتى الآن محصورة بنسبة واحد في المائة من المنطقة التي شملتها الدراسة، هي التحوّل إلى اللون البني، ومعناها أن الأرض لم تعد مغطاة بالثلوج ولا بالغطاء النباتي، والنسبة المسجلة في جبال الألب لا تزال أدنى بكثير من تلك التي صدرت في القطب الشمالي، أو في جبال آسيا الوسطى.

وما يغذي هذا الاتجاه عاملان، أحدهما زيادة فترات هطول الأمطار الغزيرة التي تليها حالات الجفاف، والثاني جفاف مياه الثلوج الذائبة.

وختمت رامبف: "لا ندري ما إذا كان التحول إلى اللون البني سيزيد مستقبلاً، وسيؤدي إلى اتجاع معاكس"، قائلة إنها تعتزم تكرار عملية المراقبة في غضون بضع سنوات من أجل التحقق من هذه الاستنتاجات.

(فرانس برس)

المساهمون